دمار وأهمية استراتيجية ضئيلة.. لماذا تتقاتل روسيا وأوكرانيا على باخموت؟ الحرة / ترجمات – دبي
تشهد مدينة باخموت الواقعة في شرق أوكرانيا معارك عنيفة مستمرة منذ سبعة أشهر بين القوات الروسية ونظيرتها الأوكرانية، ما يثير التساؤلات حول أهمية تلك المدينة ولماذا يتقاتل الطرفان للسيطرة عليها.
أصبحت مدينة باخموت رمزا لحرب الاستنزاف الطاحنة في أوكرانيا، حيث دمرتها روسيا لأكثر من سبعة أشهر، مما جعلها مدينة أشباح متفحمة ومشوهة، وفقا لصحيفة ” واشنطن بوست“.
وتعتبر معركة باخموت أطول هجوم روسي متواصل في الحرب، وخلال القتال عانت روسيا وأوكرانيا من خسائر فادحة، ولم يكشف أي من الجانبين عن أعداد الضحايا، وفقا لتقرير لصحيفة “نيويورك تايمز“.
ويزعم القادة الأوكرانيين أنهم يقتلون ما يصل إلى 800 جندي روسي يوميا، ويقول مسعفون أوكرانيون في الجبهة إنهم يعالجون العشرات من جنودهم الجرحى كل يوم، في مؤشر على حدة القتال، حسب “نيويورك تايمز”.
وأرسلت موسكو موجة تلو موجة من الجنود ومرتزقة مجموعة فاغنر نحو المواقع الأوكرانية، مما أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح، لكن المقاتلين الأوكرانيين صمدوا على مدى شهور.
والمعركة في مدينة باخموت الصناعية ذات الأهمية الاستراتيجية مستمرة منذ الصيف وأدت إلى دمار كبير وخسائر فادحة في صفوف الجانبين، حسب “فرانس برس”.
أين تقع باخموت وكيف كانت قبل الحرب؟
باخموت هي مدينة في منطقة شرق أوكرانيا من دونيتسك، على بعد أكثر من 400 ميل جنوب شرق كييف و10 أميال من حدود لوغانسك.
وتقع المدينة جنوب شرق كراماتورسك، وهي مركز إقليمي رئيسي ومركز إداري في إقليم دونباس، والتي تضم منطقتي دونيتسك ولوغانسك.
واشتهرت المدينة الصناعية، التي كان عدد سكانها قبل الحرب بنحو 71000 نسمة، بمناجم الملح والجبس.
ووقع الصراع في باخموت منذ عام 2014، عندما شن الانفصاليون المدعومون من روسيا حملة للاستيلاء على دونيتسك.
واستولى الانفصاليون لفترة وجيزة على أجزاء من المدينة في ذلك العام ، قبل أن تطردهم القوات الأوكرانية، حسب “واشنطن بوست”.
في عام 2016، غيّر السكان اسم المدينة من أرتيميفسك والذي يعود إلى “الحقبة السوفيتية” إلى الاسم التاريخي باخموت ، والذي يعود تاريخه إلى عام 1571.
بعد أن شنت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا العام الماضي، تعرضت باخموت لقصف روسي في مايو 2022، كجزء من جهود روسيا لتطويق القوات الأوكرانية في دونيتسك ولوغانسك، حسب “واشنطن بوست”
وتشكل منطقتا لوغانسك ودونيتسك معا إقليم دونباس، المركز الصناعي لأوكرانيا الذي تحتله روسيا الآن جزئيا وتسعى للسيطرة عليه كاملا، وفقا لـ”رويترز”.
وقالت موسكو إنها تهدف إلى الاستيلاء على كامل المنطقتين، وهما من بين المناطق التي زعمت في سبتمبر ضمها.
وسيطرت القوات الروسية على حوالي “خمس الأراضي الأوكرانية” والتي تتضمن مساحات شاسعة من منطقتي خيرسون وزابوريجيا في الجنوب بما يشمل المفاعل النووي هناك كما تسيطر تقريبا على كل لوغانسك وعلى نحو نصف دونيتسك، حسب “رويترز”.
وفي العام الماضي، أعلنت روسيا من جانب واحد ضم المناطق الأربعة في خطوة نددت بها أغلب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بوصفها غير قانونية، ولا تسيطر موسكو بشكل كامل على أي من المناطق الأوكرانية التي أعلنت ضمها.
وشنت روسيا هجومها للسيطرة على باخموت في أغسطس، ونادرا ما يهدأ القتال منذ ذلك الحين.
وعلى الرغم من أن أوكرانيا وضعت دفاعا صارما، فقد حققت القوات الروسية في الأسابيع الأخيرة مكاسب عرضت الطرق الحيوية داخل وخارج المدينة للخطر، حسب “نيويورك تايمز”.
وعم باخموت الخراب، ولم يتبق فيها سوى بضعة آلاف من سكانها الذين كان يبلغ عددهم 70 ألف نسمة قبل الحرب، ويتقاتل الطرفان في شوارع المدينة شارعا تلو الآخر، حسب “رويترز”.
ما هي أهمية باخموت؟
تشير المحللة الروسية في معهد دراسات الحرب، كارولينا هيرد، إلى أن باخموت “لم تكن مدينة ذات أهمية رمزية أو استراتيجية بشكل خاص”، وفقا لـ”واشنطن بوست”.
وتقول إن المدينة لفتت انتباه، يفغيني بريغوزين، قائد مجموعة فاغنر، والمعروف بتكتيكاته الوحشية وتدخلاته في الصراعات في إفريقيا وسوريا.
بالنسبة لبريغوزين، تمثل المعركة فرصة لعرض قدرات فاغنر، في ظل تنافسه مع قادة الجيش الروسي من أجل النفوذ، حسب “واشنطن بوست”.
واكتسبت المدينة أهمية سياسية كبيرة لكلا من روسيا وأوكرانيا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن القتال كان “مكثفا هناك”.
وباخموت هي واحدة من الأماكن الوحيدة التي حققت فيها القوات الروسية مكاسب، وبالنسبة لموسكو، فإن الاستيلاء على المدينة من شأنه أن يوفر دفعة معنوية مهمة.
وترجع المكاسب الروسية في باخموت إلى “مهام شبه انتحارية قامت بها مجموعات صغيرة من الجنود، وكثير منهم مدانون جندتهم فاغنر من السجون الروسية”، حسب صحيفة “وول ستريت جورنال“.
وبالنسبة للأوكرانيين، أصبحت باخموت رمزا للمقاومة.
ويقول القادة الأوكرانيون إنهم يريدون الصمود خلال معركة باخموت، لأطول فترة ممكنة، مما يؤدي إلى إضعاف قوات العدو حتى لو لم يتمكنوا في النهاية من السيطرة على المدينة، حسب “نيويورك تايمز”.
كيف تطورت المعركة؟
منذ سبتمبر 2022، بدا أن باخموت على وشك السقوط، وأكد المسؤولون الأوكرانيون أن أعنف قتال يجري هناك.
وخلال فصل الشتاء، تشبثت القوات الأوكرانية بالمدينة، وأطلقت المدفعية على القوات الروسية، ودفعتها بالفعل إلى “التراجع”.
في الأسابيع الأخيرة، تقدمت القوات الروسية شمال باخموت وجنوبها، وقطعت ثلاثة من أربعة طرق إمداد أوكرانية وجعلت موقف قوات كييف ضعيفا بشكل متزايد، وفقا لـ”فرانس برس”.
والجمعة، قال بريغوزين إن مقاتليه “حاصروا عمليا” المدينة، داعية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى سحب قواته منها، حسب “فرانس برس”.
مع تحقيق القوات الروسية مكاسب في الأسابيع الأخيرة، أشار بعض المسؤولين الأوكرانيين إلى أن قوات كييف قد تنسحب من باخموت، حسب “واشنطن بوست”.
هل تنسحب القوات الأوكرانية من المدينة؟
الخطر الأكبر الذي يواجه القوات الأوكرانية خلال معركة باخموت، هو محاصرتها وإجبارها على الاستسلام أو القتل، حسب “نيويورك تايمز”.
لكن الخطر الأكثر إلحاحا هو أن روسيا ستجعل من المستحيل إعادة إمداد المقاتلين الأوكرانيين في باخموت وما حولها.
وهناك ثلاثة شرايين رئيسية توفر شريان حياة حيوي لآلاف الجنود الأوكرانيين الذين يقاتلون في المدينة وحولها، وقطعت القوات الروسية أحد الطرق وأغلقت الطريقين الرئيسيين الآخرين، حسب “نيويورك تايمز”.
وإلى الجنوب الغربي دفع الهجوم الأوكراني المضاد الروس إلى الوراء إلى حد ما، ولا يزال الطريق السريع الرئيسي يتعرض لقصف عنيف، لكنه” أكثر أمانًا مما كان عليه”، وفقا لما ذكره القادة في منطقة باخموت للصحيفة.
وأثارت المكاسب الروسية الأخيرة حول باخموت معضلة للقيادة السياسية والعسكرية في أوكرانيا، وسط حديث عن إمكانية الانسحاب من المدينة للحفاظ على الأرواح، حسب “وول ستريت جورنال”.
وقال بعض محللي الدفاع إن الانسحاب من باخموت سيكون “منطقيا عسكريا”، لكن العديد من المسؤولين الأوكرانيين رفضوا ذلك، وأصروا على أن الخسائر الفادحة التي لحقت بروسيا تبرر استمرار دفاع المدينة.
وأرسلت أوكرانيا هذا الأسبوع تعزيزات للمدينة، لكن من غير الواضح ما إذا كانوا هناك للمساعدة في تغطية انسحاب أو لمحاولة الاحتفاظ بالمدينة لفترة أطول، حسب “نيويورك تايمز”.
ماذا يعني انتصار روسيا في باخموت؟
تقول روسيا إن الاستيلاء على باخموت سيكون خطوة نحو الاستيلاء على بقية منطقة دونباس المحيطة، بينما تقول أوكرانيا إن المدينة قيمتها الاستراتيجية ليست مرتفعة لكن الخسائر الضخمة هناك قد تحدد مسار الحرب، وفقا لـ”رويترز”.
ومن شأن النصر في باخموت، أن يمنح روسيا أول تقدم كبير في هجوم شتوي مكلف بعد أن استدعت مئات الآلاف من قوات الاحتياط في العام الماضي.
وإذا طردت القوات الروسية القوات الأوكرانية من باخموت، فسيشكل ذلك انتصارا عسكريا نادرا لروسيا في الأشهر الأخيرة، وانتصارا رمزيا للكرملين، حسب “واشنطن بوست”.
وداخل روسيا، يمكن أن توفر هذه النتيجة دفعة لمكانة مجموعة فاغنر وبريغوزين.
لكن من حيث القيمة الاستراتيجية لباخموت، يقول المحللون إن مثل هذا الانتصار سيكون باهظ الثمن لأن المدينة نفسها مدمرة بشكل أساسي.
وحتى لو انسحبت أوكرانيا من باخموت، فقد نجحت بالفعل في إنهاك القوات الروسية والفاغنر، حسب “واشنطن بوست”.
وقدر البيت الأبيض مؤخرا أن حوالي 30 ألفا من مقاتلي فاغنر أصيبوا أو قُتلوا في المعركة التي استمرت لأشهر.
ويقول المحللون العسكريون إن موسكو ستكافح على الأرجح لاستخدام باخموت كنقطة انطلاق لاكتساح المنطقة، حسب “نيويورك تايمز”.
وإذا انسحب القوات الأوكرانية من باخموت فإن الروس سينتقلون إلى تدمير المدن المحيطة.
ولن يغير استيلاء روسيا على باخموت بشكل كبير من “ميزان الحرب في أوكرانيا” لكنه سيفتح الطريق أمام روسيا لشن هجمات على المراكز السياسية والاقتصادية في سلوفيانسك وكراماتورسك في الأجزاء التي تسيطر عليها أوكرانيا في دونباس، حسب “وول ستريت جورنال”.