أعلن وزير الطاقة الأميركي كرس رايت، السبت، بعد لقائه نظيره السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان في الرياض، أن الولايات المتحدة ستوقع اتفاقاً مع السعودية للتعاون في مجال الطاقة والتقنية النووية المدنية السلمية، على أن يتم الإعلان عن تفاصيل الاتفاق لاحقاً هذا العام.
وما إن أُعلن الخبر حتى انهالت الأسئلة من كل مكان: لماذا تحتاج دولة مثل السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، إلى الطاقة النووية؟ وأبدى البعض تحفظهم تخوفاً منها بسبب ما حصل في ثري مايل أيلاند في الولايات المتحدة وتشيرنوبيل في أوكرانيا وفوكوشيما في اليابان.
في ما يلي استعراض سريع لأهم الأسباب التي توضح حاجة السعودية إلى الطاقة النووية:
1- مقابلة الطلب المتزايد على الطاقة
يتوقع زيادة الطلب على الطاقة باستمرار خلال العقود المقبلة، وبخاصة في ضوء رؤية 2030، سبب الزيادة في الطلب هو ارتفاع عدد السكان والانتقال إلى المدن وتوسع القطاع السياحي والتوسع الصناعي ومراكز البيانات والذكاء الاصطناعي.
إذا لم يجرِ تبني الطاقة النووية فسيتم تحويل صادرات النفط إلى محطات توليد الكهرباء، ومن ثم تنخفض صادرات السعودية تدرجاً وتتلاشى إيراداتها الحكومية، فينخفض الإنفاق الحكومي، وسيجري تحويل الغاز الطبيعي من الصناعات المختلفة التي تسهم في التنمية الاقتصادية إلى محطات الكهرباء، فينخفض النمو الاقتصادي، من دون إنفاق حكومي وصناعات تتوقف عجلة التنمية والنمو الاقتصادي، لهذا أصبحت الطاقة النووية ضرورة حتمية لتحقيق التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي.
2- تحقيق الأمن المائي
أصبحت ندرة المياه العذبة في العالم العربي ككل من أكبر التهديدات لمستقبل المنطقة، والحل بالنسبة إلى دول خليجية مثل السعودية هو الاعتماد على تحلية مياه البحر.
حسب التقنيات الحالية، توفير كميات ضخمة من المياه العذبة يتطلب كميات كبيرة من الطاقة، الطلب على المياه العذبة في ازدياد مستمر بسبب النمو السكاني وزيادة الانتقال للمدن والزيادة المستمرة في أعداد السياح، وهذا يعني استهلاك مزيد من النفط والغاز، ومن ثم انخفاض الإيرادات الحكومية وتحويل الغاز من القطاع الصناعي للحرق في محطات الكهرباء، هنا تقدم الطاقة النووية مصدراً نظيفاً للكهرباء بأسعار منخفضة نسبياً لتحلية المياه على نطاق واسع.
3- تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الأمن القومي
نظرة سريعة إلى كل سياسات الطاقة في الدول المتقدمة تشير إلى أن من أهم بنود هذه السياسات هو تنويع مصادر الطاقة حتى لا تكون الدول رهينة لمصدر واحد أو مصادر قليلة، ويتفق الخبراء على أن تعدد مصادر الطاقة يعزز الأمن الطاقي والأمن القومي.
لنتصور مشكلة تقنية في إمدادات النفط أو الغاز، وهما المصدران الأساسان للطاقة في السعودية، ماذا سيحصل؟ لهذا فإن وجود مصادر أخرى، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيعزز أمن الطاقة، ووجود طاقة توليد فائضة يعني أنه عند حدوث أية مشكلة تؤدي إلى انقطاع الكهرباء من مصدر معين، يعني تشغيل هذه الطاقة الفائضة بحيث يجري تلافي انقطاع الكهرباء تماماً، ولو كانت هناك طاقة نووية في الكويت لما انقطعت الكهرباء بصورة متكررة منذ العام الماضي.
4- التخفيف من انبعاثات الكربون
بصرف النظر عما إذا كان الشخص يؤمن بالتغير المناخي أم لا، الحقيقة أن معدلات التلوث في المدن العربية مرتفعة بأي مقياس، ولا أحد ينكر أن معدلات التلوث في المدن الخليجية الكبيرة مرتفع أيضاً، بعبارة أخرى، التغير المناخي شيء والتلوث شيء آخر.
تخفيف التلوث في المدن أصبح مطلباً عاماً من الجميع وهذا يتطلب التخفيف من حرق النفط والغاز، وهنا يأتي دور الطاقة النووية لتحل محل حرق النفط تحديداً في محطات الكهرباء، وتخفض التلوث، وهنا يأتي أيضاً دور السيارات والحافلات الكهربائية التي تعتمد على الكهرباء المولدة من الطاقة النووية، وهنا أؤكد على أن سياسات تبني السيارات الكهربائية لتخفيف التلوث المحلي تختلف تماماً عن سياسات تبني السيارات الكهربائية لمحاربة التغير المناخي، إذ يسهل إقناع السكان بتبني السيارات الكهربائية لأنهم المستفيدون من انخفاض معدلات التلوث في المدينة.
وزير الطاقة الأميركي: واشنطن ستوقع اتفاقا للتعاون النووي مع الرياض
5- نقل التقنية
من الأهداف الأساسية لرؤية 2030 نقل التقنية بمختلف المجالات، وهذا بدوره يؤدي إلى نشوء صناعات محلية ويخلق الوظائف ويشجع على البحث العلمي وكلاهما، التصنيع والبحث العلمي، من أركان التنمية الاقتصادية.
وبحسب المعلومات العامة المتوافرة، فإن السعودية لا تريد أن تأتي شركة أجنبية لبناء مفاعل نووي ثم تديره، وهي التي تجلب المدخلات ثم تصدر المخلفات النووية، السعودية تريد أن تشارك في عملية البناء والإدارة، وتريد أن يحصل تخصيب اليورانيوم داخل السعودية، نظراً إلى أن الاتفاق سيحصل لاحقاً، فإن بنود الاتفاق غير متوافرة، وما يهم في الأمر هو ما يعرف باتفاقية 123، وهي الاتفاقية التي تبرمها الولايات المتحدة مع أية دولة تريد أن تستورد التقنية النووية من الولايات المتحدة.
جرى تبني بنود اتفاقية 123 عام 1954 التي يجري بناء عليها أي تعاون نووي سلمي بين الولايات المتحدة والدول الأخرى، ووقعت 25 دولة على هذه الاتفاقية حتى الآن.
إذا استطاعت السعودية إقناع إدارة ترمب بالتخلي عن بعض بنود الاتفاقية بحيث يسمح للسعودية بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، فإن هذا إنجاز تاريخي سيغير مجريات الأمور في الشرق الأوسط كله، وسيسمح بنقل التقنية بصورة لم تحصل من قبل.
6- تعزيز التعاون العربي في مجال الكهرباء
هناك دول عربية تعاني عجزاً كبيراً في إمدادات الكهرباء، مما يوقف عجلة التنمية الاقتصادية فيها، هذه الدول بحاجة إلى الطاقة النووية ولكن لا تستطيع تبنيها بسبب ندرة الأموال من جهة، وعدم رغبة المجتمع الدولي بحصول هذه الدول على الطاقة النووية لأسباب سياسية تتعلق بتاريخ هذه الدول في العقود الأخيرة.
تبني السعودية للطاقة النووية على نطاق واسع مع وجود الربط الكهربائي يعني إمداد هذه الدول بالكهرباء على مدار الساعة فتستفيد شعوبها، بينما تحقق الشركات السعودية المالكة للمحطات النووية عائداً مجزياً على استثماراتها، هذا النوع من التبادل التجاري في الكهرباء يؤدي إلى زيادة التعاون بين الدول العربية من جهة، وقد تنتج منه أسواق للكهرباء يجري تداول الكهرباء فيها كأية سلعة من السلع، فتزيد كفاءة هذه الأسواق.
غالبية المعارضين لمشاريع الطاقة النووية يذكرون موضوع الأمن والسلامة كسبب رئيس لرفضهم تبني الطاقة النووية، ويذكرون الحوادث التاريخية في هذا المجال.
حقيقة الأمر أن التقنية تغيرت تغيراً جذرياً في العقود الأخيرة، وخف خطرها بصورة كبيرة بحيث أن كارثة مثل تشيرنوبيل لن تتكرر.
التركيز الآن على المفاعلات المعيارية الصغيرة التي يمكن السيطرة عليها بالكامل في حال حدوث أي خطأ، أقول خطأ هنا لأن كل المشكلات التي حصلت تاريخياً كانت نتيجة خطأ بشري وليس تقنياً.
ويثير البعض فكرة أن إسرائيل ستقوم بضرب هذه المفاعلات في أية دولة عربية، وهذا سيؤدي إلى كارثة، هنا تتبين أهمية التعاون مع الولايات المتحدة وتبني التقنية الأميركية، بصرف النظر عن البعد التقني هناك بعد سياسي أيضاً، والدعم الأميركي في هذا المجال مهم، وإذا كان البعض لا يزال يتخوف من ذلك، ما رأيهم لو جرى بناء هذه المفاعلات قرب إسرائيل؟ أية ضربة لهذه المفاعلات تعني تأثر إسرائيل أكثر من غيرها!
خلاصة القول إن من يريد أن يكون سبّاقاً في مجالات الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، لا بد له من تبني الطاقة النووية، وبعد تجربة الإمارات الناجحة مع أربع محطات نووية، هناك أربع دول في أمسّ الحاجة إلى الطاقة النووية: السعودية ومصر والجزائر والمغرب، والسبب هو أن الطلب المتزايد على الطاقة مستقبلاً لا يمكن مقابلته إلا بوجود الطاقة النووية. ولكل من يعارض الطاقة النووية أقول: ما هو حلال لفرنسا حلال للجميع!