السجينة السياسية الكردية واريشا مرادي عضوة “جمعية النساء الحرّات في شرق كردستان”- المصدر: موقع حقوقي إيراني
السجينة السياسية الكردية واريشا مرادي عضوة “جمعية النساء الحرّات في شرق كردستان”- المصدر: موقع حقوقي إيراني
منذ بداية العام الجاري 2024، حُكم على 3 نساء إيرانيات بالإعدام، بعد إدانتتهن بتهمة “البغي”. كانت آخرهن في 10 نوفمبر الحالي، السجينة السياسية الكردية واريشا مرادي عضوة “جمعية النساء الحرّات في شرق كردستان”، التي اعتُقلت قبل عام في مدينة سنندج بكردستان إيران.
وتقبع مرادي حالياً في سجن “إيفين” شمال غرب طهران، حيث يتحدث مراقبون عن ارتكاب انتهاكات حقوقية ضد النزلاء، والكثير منهم معتقلون سياسيون ومزدوجو الجنسية.
ووفق منظمة “حقوق الإنسان” الإيرانية، ومقرها مدينة أوسلو النرويجية، صدر حكم الإعدام على السجينة شريفة محمدي في يوليو الماضي، وكذلك بتهمة “البغي”، حُكم بالإعدام على السجينة بخشان عزيزي.
واليوم الاثنين، قالت وكالة أنباء “هرانا” لحقوق الإنسان في إيران، إن المحكمة الثورية في مدينة أورمية شمال غرب إيران، حكمت على السجين السياسي مهران حسن زاده بالإعدام، لإدانته بتهمة “البغي”.
وأوضحت أنه اعتقل سابقا خلال احتجاجات 2022 وأطلق سراحه، وأعيد اعتقاله لاحقاً بتهمة تورطه في قتل أحد عناصر “الباسيج”. وقال مصدر مقرب من قضيته إن السلطات أخطرته بحكم الإعدام قبل شهر.
واعتبرت وسائل إعلام إيرانية معارضة للسلطة، أن هذه الأحكام تأتي في سياق تصعيد النظام حملاته ضد النشطاء السياسيين والمدنيين، المستمرة منذ سبتمبر 2022.
وفي تقرير لـ”هيومن رايتس ووتش” نُشر الأربعاء الماضي، أعربت المنظمة عن قلقها إزاء التصاعد الملحوظ في أحكام الإعدام داخل إيران.
وقالت باحثة إيران بالإنابة ناهيد نقشبندي، إن “المحاكم الثورية الإيرانية تمثل أداة للقمع المنهجي الذي ينتهك الحقوق الأساسية للمواطنين ويصدر أحكام الإعدام من دون تمييز”.
لقطة عامة للعاصمة الإيرانية طهران – فرانس برس
طالت عربا وأكرادا وأفغانيين.. موجة إعدامات بدواعي مختلفة في إيران
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن السلطات الإيرانية أصدرت في الأسابيع الأخيرة موجة جديدة من أحكام الإعدام، إذ حكمت على سجناء سياسيين، وأفراد من الأقليات الإثنية، ومواطنين أجانب بالإعدام.
ما هي تهمة “البغي”
يرد تعريف هذه التهمة التي تقود صاحبها للمشنقة، في قانون العقوبات الإيراني المثير للجدل في الفصل التاسع منه بعنوان “البغي (التمرد) والإفساد في الأرض”.
وتنص المادة (286) منه على أن “كل شخص يرتكب على نطاق واسع جرائم بحق الأفراد أو جرائم تهدد الأمن الداخلي أو الدولي للدولة، أو ينشر الأكاذيب، أو يعرقل النظام الاقتصادي للدولة، أو يرتكب جرائم حرق وتدمير الممتلكات، أو توزيع مواد سامة أو بكتيرية أو خطرة، أو يؤسس أماكن فساد وفجور أو يساعد في ذلك، مما يؤدي إلى اختلال خطير في النظام العام للدولة أو انعدام الأمن أو إلحاق أضرار جسيمة بالأفراد أو الممتلكات العامة أو الخاصة، أو يؤدي إلى نشر الفساد والفجور على نطاق واسع، يعتبر مفسداً في الأرض ويُحكم عليه بالإعدام”.
وتم تذييل المادة بملاحظة: “إذا لم تثبت المحكمة القصد في إحداث اضطراب واسع في النظام العام أو خلق انعدام الأمن أو إلحاق ضرر كبير أو نشر الفساد والفجور على نطاق واسع، أو عدم علم الجاني بأثر أفعاله، ولم تكن الجريمة المرتكبة معاقبا عليها تحت عنوان آخر، تحكم المحكمة على الجاني بالسجن التعزيري من الدرجة الخامسة أو السادسة، مع مراعاة العواقب الضارة للجريمة”.
وكان “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” دعا في أكتوبر الماضي، المفوّض السامي ومجلس حقوق الإنسان والأجهزة الأخرى ذات الصلة في الأمم المتحدة، وأيضاً الاتحاد الأوروبي، إلى اتخاذ “إجراءات فورية لإنقاذ حياة السجناء السياسيين المهددين بعقوبة الإعدام بتهمة البغي، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين”.
إيران من أكثر الأنظمة سلطوية في العالم حسب مؤشر الديمقراطية لسنة 2023
كما ناشدت الجهات المذكورة لإرسال بعثة دولية لتقصي الحقائق، تزور السجون الإيرانية وتقابل السجناء فيها.
في حديثه مع موقع “الحرة”، يؤكد الباحث في الشأن الإيراني وجدان عبد الرحمن، أن طهران تستخدم عقوبات الإعدام “كوسيلة لترهيب معارضي النظام في الداخل الإيراني، سواء كانوا معارضين سياسيين أو ممن يطالبون بمطالب قانونية تتعلق مثلا بتلوث الجو أو ارتفاع أسعار البترول أو أسعار الكهرباء”.
“وحتى من يخرجون في احتجاجات عمّالية حيث يتم اعتقال العديد منهم، وإصدار أحكام إعدام بحقهم”، يضيف عبد الرحمن.
وتشوب هذه الأحكام، وفق الباحث الإيراني، أنها تأتي بعد “انتزاع اعترافات تحت التعذيب، خصوصاً أن العديد من المعتقلين توفوا جرّاء تعذيبهم داخل السجون”.
ويعتبر عبد الرحمن أن أحكام الإعدام التي يصدرها القضاء الإيراني “غير قانونية ومخالفة تماما للقانون الدولي لحقوق الإنسان” مدللاً على ذلك برفض إيران المتكرر لدخول مفوضي حقوق الإنسان أراضيها لأنها “تعلم تماما أنها قامت ولا تزال بأخذ الاعترافات تحت التعذيب”.
وتاريخ إيران مع أحكام الإعدام ليس حديثاً فقد “تزامن مع بداية الثورة الإسلامية” بحسب عبد الرحمن، مشيراً إلى أحكام إعدام بتهمة “البغي” صدرت بحق أشخاص لمجرد أنهم حرقوا القمامة في الشوارع خلال احتجاجات سابقة في محافظة جيلان شمال البلاد.
ويقول عبد الرحمن إن النظام لم يسمح للكثير من السجناء الذي حُكموا بالإعدام بتوكيل محام للدفاع عنهم، وحتى إذا حاول محام العمل على إحدى تلك القضايا “يتم ترهيبه” كي يتراجع عن ذلك.
الإعدام – صورة تعبيرية
133 عقوبة إعدام في شهر.. تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيران
نشرت منظمة حقوقية تقريرًا مفصلًا بشأن تنفيذ وإصدار أحكام الإعدام في إيران، حيث أعلنت أنه خلال شهر آبان حسب التقويم الفارسي (23 أكتوبر – 21 نوفمبر) قد تم تسجيل تنفيذ 133 حكم إعدام، منها حالة واحدة تم تنفيذها علنًا، بالإضافة إلى إصدار 24 حكمًا جديدًا وتأكيد 7 أحكام إعدام أخرى.
“جريمة غامضة”
وتنظر منظمة العفو الدولية (أمنستي) إلى المحاكمات الإيرانية التي تنتهي بالإعدام على أنها “بالغة الجور” وترتبط بجرائم “لا ترقى إلى مستوى أشد الجرائم خطورة التي تنطوي على القتل العمد”، وشملت الجرائم الاتجار بالمخدرات والفساد المالي والتخريب، وكذلك أفعال يحميها الحق في الخصوصية وحرية التعبير أو الدين أو المعتقد، بدعاوى مثل “إهانة النبي”، وحتى شرب الكحول، والعلاقات الجنسية المثلية بالتراضي بين البالغين أو خارج إطار الزواج.
ووصفت “البغي”، الذي يتضمن وفق قانون العقوبات “محاربة الله” والفساد في الأرض” بأنه “جريمة غامضة الصياغة”، بحسب ما أورد بيانها “إيران 2023” الذي يلخص انتهاكات النظام الإيراني بحق المواطنين في البلاد والمقيمين فيها من جنسيات أخرى.
من جهتها، قالت هيومن رايتس ووتش إن تعريفات “محاربة الله” و”التمرد المسلح” وفق المادة المذكورة آنفاً من قانون العقوبات، ومادتين أخريين هما (287، 288) التي تتعلق بـ”البغي”، لا تعتدي بالضرورة على ممارسة الحقوق الأساسية التي يحميها القانون الدولي، لكن العقوبات المتاحة لهذه الجرائم (الإعدام، والبتر، والصلب) تنتهك الحق في الحياة (خاصة في القضايا التي لا تؤدي فيها الجريمة إلى موت أفراد آخرين)، والحظر المفروض على التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
ومنذ بداية 2024 حتى أكتوبر، وثقت جماعة “هنغاو” الحقوقية الإيرانية الكائنة في النرويج، إعدام نحو 711 شخصاً في إيران، بينهم 13 معتقلاً سياسياً، ووثقت 21 حالة وفاة في السجون، بما في ذلك أربع وفيات لمعتقلين سياسيين و8 وفيات بسبب التعذيب.
وصرّحت الناشطة في مجال حقوق المرأة مينا خاني من “هنغاو” لموقع “إيران إنترناشونال”: “ما نشهده هو تسونامي من الإعدامات. إنه أمر صادم ومرعب”.
وأعربت عن قلقها من أنه إذا استمرت عمليات الإعدام بهذا المعدل، فإن “عدد القتلى في إيران قد يقترب من ألف بحلول نهاية العام”.
وتشهد السجون الإيرانية منذ أكثر من 40 أسبوعاً، حملة إضرابات عن الطعام يقوم بها المعتقلون كل يوم ثلاثاء، بعنوان “ثلاثاءات لا للإعدام”، احتجاجاً على أحكام الإعدام التي يصدرها القضاء الإيراني بالجملة.
كما تدعو الحملة التي يشارك فيها 25 سجناً، وفق لجنة المرأة التابعة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، النشطاء والسياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، للعمل العاجل من أجل إنقاذ حياة المحكومين بالإعدام ووقف إلغاء عمليات الإعدام، عبر المشاركة الفعالة والتضامن والعمل الموحد لإنهاء ما وصفته بـ”آلة القتل التابعة لجمهورية الإعدامات”.