في 10 آذار، وقّعت “قوات سوريا الديموقراطية” اتفاقاً مع الحكومة السورية المؤقتة، يقضي بدمج قوة تضم 100 ألف مقاتل معظمهم من الأكراد، ضمن الجيش السوري الجديد. وجاءت هذه الخطوة كمفاجأة، نظراً الى الشكوك العميقة التي لطالما حملها أكراد سوريا تجاه الحكومة الجديدة.
وفي البداية، تعاملت “قوات سوريا الديموقراطية” بحذر، إذ شكك القادة الأكراد في قدرة زعيم جهادي سابق على تأسيس حكومة شاملة. فما الذي دفع هؤلاء الى قبول الاندماج في النهاية؟ التفسير الأكثر منطقية وفقاً لقراءة في موقع Long War Journal يكمن في ضمان أمني من تركيا. ففي 27 شباط، سمحت السلطات التركية للزعيم الكردي عبد الله أوجلان، بإصدار بيان عام يدعو إلى نزع سلاح حزب العمال الكردستاني وحله – وهو الحزب الذي أسسه أوجلان ويُعتبر المرجعية الأيديولوجية.
وربما تهدف المفاوضات مع أوجلان الى كسب دعم النواب الأكراد في البرلمان لتمرير تعديلات دستورية. وفي المقابل، قد يكون أوجلان طالب بضمانات دستورية للحقوق السياسية والثقافية للأكراد، إضافةً إلى تعهد تركيا بعدم مهاجمة “قوات سوريا الديموقراطية”.
مقامرة محفوفة بالمخاطر
قد يرى البعض أن الاتفاق بين “قوات سوريا الديموقراطية” والنظام السوري الجديد صفقة خطيرة. فمع احتمال انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، تواجه “قوات سوريا الديموقراطية” واقعاً قاسياً: من دون الحماية الأميركية، هل قد تصبح عرضة لهجوم تركي شامل؟ وبالتالي، الاندماج في الجيش السوري قد يوفر لها حاجزاً مؤقتاً ضد العدوان التركي.
ومع ذلك، لا يزال مصير هذا الاندماج غير واضح. فإذا تم استهداف الأقليات أو إذا تعرض الأكراد للاضطهاد، فمن المحتمل أن تكون لدى “قوات سوريا الديموقراطية” خطط بديلة للانسحاب من الاتفاق. لكن في الوقت الحالي، يبدو أن هذا الاتفاق يعكس استراتيجية براغماتية لكنها محفوفة بالمخاطر، تهدف الى البقاء وسط صراع غير قابل للتنبؤ.
ووفقاً لقراءة في موقع “نيويورك تايمز”، يُمثّل الاتفاق “انتصاراً كبيراً لدمشق في سعيها الى توحيد البلاد، وسط استمرار الاضطرابات العنيفة في المنطقة الساحلية. ويشكل الاندماج مع الحكومة السورية الجديدة، اختراقاً كبيراً لدمشق في جهودها لتوحيد البلاد التي لا تزال تعاني من اضطرابات عنيفة.
وأُعلن مكتب الرئاسة السورية عن الاتفاق، ووقعه الطرفان، ونصّ على دمج “جميع المؤسسات المدنية والعسكرية” التابعة لـ “قوات سوريا الديموقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة في الدولة السورية الجديدة بحلول نهاية العام، بما في ذلك سيطرتها على حقول النفط والغاز الاستراتيجية.
كما تضمّن الاتفاق التزام “قوات سوريا الديموقراطية” بمساعدة دمشق في محاربة فلول نظام الأسد، وأكد “حق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية”، في ظل تعهّدات القيادة الجديدة في سوريا بتشكيل حكومة شاملة بعد سنوات من الصراع الطائفي.
تعزيز موقف الحكومة الجديدة
وتزامن توقيع الاتفاق مع تصاعد الاشتباكات العنيفة في المنطقة الساحلية السورية، والتي أودت بحياة أكثر من 1,300 شخص، ما منح الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع لحظة استراحة في ظل الأزمة المتفاقمة.
ومنذ أن أطاحت قوات المعارضة بقيادة الشرع الرئيس السابق بشار الأسد، سعت الحكومة الجديدة إلى توحيد الجماعات المسلحة المتعددة التي تنشط في سوريا، وكان من بين أبرزها القوات الكردية المتمركزة في الشمال الشرقي الغني بالنفط. غير أن الوضع الأمني ظل هشاً، وكانت قوات سوريا الديموقراطية من أكثر الفصائل صعوبة في ضمها إلى الدولة الجديدة”.
أسئلة حول مستقبل الاتفاق
وعلى الرغم من التقدّم الذي أحرزه الاتفاق، لا يزال هناك العديد من التساؤلات الذي لم يجد إجابات واضحة. ولم يُعرف بعد ما إذا كانت “قوات سوريا الديموقراطية” ستُمنح الحق في العمل ككيان عسكري مستقل داخل القوات المسلحة السورية، وهي نقطة خلاف رئيسية في المفاوضات السابقة، حيث رفضت الحكومة هذا المطلب في الماضي. كما لم تحدد بصورة دقيقة كيفية تنفيذ البند المتعلق بـ “وقف إطلاق النار في جميع الأراضي السورية”.
وفي الوقت نفسه، استمرت الاشتباكات في الشمال الشرقي بين القوات الكردية والجماعات المسلحة المدعومة من تركيا، الحليف الرئيسي للحكومة الجديدة في دمشق. ولطالما نظرت تركيا إلى “قوات سوريا الديموقراطية” باعتبارها امتداداً لحزب العمال الكردستاني. وكانت الحكومة السورية الجديدة قد أمرت جميع الجماعات المسلحة بحلّ نفسها، وفي الأسابيع الأخيرة، وافقت عدة ميليشيات بارزة على العمل مع السلطات الجديدة، إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الجماعات قد اندمجت بالكامل في جيش وطني موحّد.