بما أنني لست قانونياً ولا أفهم في هذه الأمور، تواصلت مع صديقي المحامي والحقوقي محمد صبرا وطرحت عليه هذه الأسئلة التي أحب أشاركها معكم:
أولاً: ماهو تقييمك العام لهذا الاعلان؟
ج. يجب على الجميع ان لا يقع في فخ تمجيد الاعلان وبنفس الوقت ان لا يقع في فخ الرفض العدمي والهجومي على الإعلان
هناك ايجابيات يجب ان نستثمرها في الاعلان وهناك سلبيات يجب ان نحاول تغييرها او على اقل تقدير تضييق تفسيرها.
ثانياً: هل ثمة خشية من إعادة إنتاج نظام الأسدين؟
ج. هذا أمر مبالغ فيه عبر تصوير الإعلان بأنه سيؤسس لحكم ديكتاتوري..الانظمة الديكتاتورية لا تأتي من خلال الدساتير بل تأتي من خلال تواطؤ شعبي وسكوت عن ممارسات هذه الانظمة حتى تصل الى مرحلة من التوحش التي يبدأ الناس بعدها بالأنين وصولا الى الثورة ..وبالتالي قدرة الشعب ووعيه وتجربته التاريخية ستمنع بلا شك اعادة انتاج ديكتاتوريات في سورية .
ثالثاً: هل هناك ضمانات قانونية دستورية للأكراد والمكونات السورية من غير العرب السنة؟
ج. نعم هناك نص مهم تضمنته المادة 7 فقرة 3 التي تحدثت عن حماية التنوع الثقافي واللغوي في سورية وهناك أيضا المادة 10 التي تمنع التمييز على أساس عرقي او ديني او بسبب الجنس ..في القانون الدولي نقول المجتمعات ذات الروابط اللغوية المتميزة وهناك اتفاقية دولية في تسعينيات القرن الماضي بحماية هذه المجتمعات وحماية لغتها وارثها الثقافي وحقوقها في صون منتجاتها الحضارية ..
أظن ان تفسير الدستور وفق هاتين المادتين ووفق الروح التي نص عليها سيؤسس لحماية حقوق الجميع في سورية ..
رابعاً: لماذا لم تعتمد اللجنة تسمية الجمهورية السورية؟
ج. لا أعرف ما السبب حقيقة وراء اعتماد هذا الاسم من دون غيره من الاسماء .. الدول لا تتحدد هوياتها القومية باسمها ..هناك دول عربية كثيرة لا يرد في اسمها اي اشارة لهوية قومية قهل ننزع عنها صفة ان مجتمعاتها مجتمعات عربية؟ مثلا المملكة الاردنية الهاشمية لايرد في اسمها اشارة لهوية قومية وكذلى مملكة البحرين ودولة قطر والكويت ،.في المقابل بعض الدول العربية ارتأت ان تدخل التعريف القومي في اسمها نتيجة تجربة تاريخية مرت بها ..
بكل الاحوال هذا امر قابل للنقاش ويمكن مناقشته في الدستور ..المهم ان لا يتحول الاسم ايا كان لذخيرة ايديولوجية يتم توظيفها في إطار صراع سياسي غير ذي صلة بالموضوع اصلا.
خامساً: فيما يتعلق بتعريف جنسية المواطن السوري.. هناك أكراد ليس من المعقول تعريفهم بأنهم من حملة الجنسية العربية السورية، ما الحل؟
ج. هذا مرتبط بقانون الجنسية وليس بالدستور، والمعمول به حالياً هو القانون القديم، ولكن يمكن تعديله بوصفه قانون.
سادساً: ما الفرق بين الفقه الاسلامي والتشريع الاسلامي؟؟ وهل صحيح أن الدساتير في الغرب ومنها الدستور الفرنسي اعتمد على الفقه الاسلامي؟
ج. الشريعة الاسلامية لفظ أعم من الفقه الاسلامي لان الشريعة الاسلامية تشمل القرآن والسنة والفقه..الفقه أضيق نطاقا لأنه التطبيق العملي لاحكام الشريعة الكلية من خلال الاجتهاد الذي قام به الفقهاء.. لا صحة لموضوع الدستور الفرنسي اعتمد على الفقه الاسلامي..
ربما القانون المدني الفرنسي في عهد نابليون استفاد من بعض احكام المذهب المالكي في عقود البيع وفي النظرية العامة للالتزامات عموما..وهذا امر طبيعي جدا .
سابعاً: هل ثمة ما يقلق في هذا الدستور؟
ج. قلقي الكبير في الاعلان الدستوري انه غاب عنه لفظ السيادة الشعبية كذلك المادة 23 تثير القلق..فضلا عن الصياغات غير المنضبطة لبعض المواد وغياب مواد كان يجب أن توجد في الاعلان لأهميتها في تأمين انتقال سياسي سلس.
رأي أولي للأستاذ محمد صبرا في الإعلان الدستوري:
– جاء الإعلان الدستوري مقتضباً، وهذا أمر تمليه طبيعة المرحلة الانتقالية، لأن هدفه ليس الإحاطة بكل تفصيل، بل وضعُ أسس عملية الانتقال السياسي.
– يكون الحكم على مواد الإعلان ليس من خلال كمالها القانوني أو الموضوعي، بل من خلال قدرتها على تأمين عملية الانتقال السياسي من مرحلة التوحش إلى المرحلة الديمقراطية التي يكون فيها السوريون سادة قرارهم.
– قد يكون الأهم في عملية مقاربة مواد الإعلان الدستوري، هو ما غاب عن هذا الإعلان أكثر مما نص عليه الإعلان، لأن عدم وجود مواد كان لابد من وجودها يفضي لحالة من الغموض.
– ترك الإعلان كثير من التفصيلات لقوانين تصدر لاحقة، وهذا قد يكون أمرا طبيعيا، لكن هناك مواد أمور لا يمكن ضبطها بقانون من دون الاستناد إلى مادة دستورية تضبط حدود هذا القانون.
– أحسن الإعلان الدستوري في نصه بشكل واضح على اعتبار المعاهدات والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل الدولة السورية، جزءا من الإعلان الدستوري، وذلك في المادة 12 منه، وهذا أمر جيد وكنا نطالب به منذ أكثر من عقدين من الزمان.
– غاب عن الإعلان الدستوري أي حديث عن السيادة الشعبية، وهذه ليست مجرد جملة جميلة بل إنها تعبير عن المالك الحقيقي للسيادة في الدولة، وهذه المؤسسة أي السيادة الشعبية تتيح للمواطنين القدرة على فرض إرادتهم عبر الاستفتاء الشعبي وسواه، وغياب هذه المادة يدفع لكثير من التساؤل، ولا سيما وأن الإعلان الدستوري، قد نص في المادة 52 من أن الإعلان الدستوري يبقى نافذاً حتى إقرار دستور دائم للبلاد، وتنظيم انتخابات وفقاً له، ولم يوضح الإعلان الدستوري من هي الجهة التي ستقر الدستور الدائم، وهل سيكون باستفتاء شعبي أم سيتم الاكتفاء بتشكيل لجنة لإعداده من دون أن يكون لدى الشعب أي سلطة على الموافقة أو الاعتراض عليه، هذه المادة أو ضبط آليات وضع الدستور الدائم كان من الواجب على الإعلان أن يذكرها، وغيابها سيثير الكثير من الإشكالات المستقبلية ولا سيما وأن الإعلان خلا تماما من ذكر السيادة الشعبية كأساس للشرعية.
– أيضا غاب عن الإعلان الدستوري أي تحديد أو ضبط لصلاحيات المحكمة الدستورية العليا، المنصوص عنها في المادة 47، وهل ستكون قادرة على الرقابة الشاملة على دستورية القوانين، وهل سيكون من حق الأفراد أو المنظمات والأحزاب والجماعات المدنية أن ترفع الدعوى بعدم دستورية القانون أمامها مباشرة ، أم أن رقابتها ستكون فقط من خلال طلب رئيس الجمهورية أو عدد من أعضاء مجلس الشعب كما كان في الدستور القديم، للأسف قد يقول قائل أن النص ترك تنظيم ذلك للقانون، لكن هذا يثير أيضا إشكاليات كبرى لأن من الواجب ضبط آلية ممارسة المحكمة لدورها في الرقابة على دستورية القوانين في الإعلان الدستوري، وليس في القانون.
– وردت المادة 23 من الإعلان الدستوري بصياغة فضفاضة، يمكن أن نقول عنها أنها نسفت كل فصل الحريات عندما تريد السلطة إخضاع الحريات لقيود لأسباب تتعلق بالسلامة العامة أو النظام العام أو منع الجريمة أو حماية الصحة والآداب العامة، وهذه كلها عبارات عامة ذات صياغة واسعة جدا، وغير متفق على تعريفها في الفقه والاجتهاد القضائي بطريقة منضبطة، ويفترض بالنصوص الدستورية أن تكون أكثر انضباطا وتحديدا لأنها هي القانون الأسمى في البلاد.
– غاب عن الدستور، النص على من ستصدر باسمه أحكام المحاكم، ففي الجمهوريات عادة تصدر الأحكام باسم الشعب باعتباره هو المالك للسيادة الشعبية، بينما في الأنظمة الملكية تصدر باسم الملك باعتباره هو صاحب السيادة، وباسم من ستصدر الأحكام سيحدد لنا صاحب السيادة في الدولة، ويجب أن ينص عليها الإعلان الدستوري، لأن تركها يثير الكثير من التساؤلات.
– غاب عن الإعلان موضوع تنظيم الجنسية السورية.
– غاب عن الإعلان، تحديد الشروط الواجب توفرها فيمن يتولى رئاسة الجمهورية، ويبدو أن الإعلان قد افترض أن السيد الشرع هو الرئيس وأنه لا داعي لوضع شروط أخرى، وهذا غير جائز، فالقانون يتسم بالعمومية والتجريد، وإن كان يخاطب فردا واحدا في الدولة، لأنه يخاطبه بصفته وليس بذاته، ولذلك كان من الواجب النص على شروط تولي منصب رئاسة الجمهورية، ولا سيما وأن الإعلان قد أجاز تعيين نائب له أو أكثر، وبالتالي يجب أن تتوفر في النائب نفس الشروط التي يجب أن تتوف بالرئيس، سواء من ناحية تمتعه بالجنسية السورية بالولادة أو بالاكتساب، أو الحد العمري، أو مدى جواز أن يحمل جنسية بلد آخر، أو مستواه التعليمي، الخ ذلك…
– على الرغم من الفصل الجامد بين السلطات التي نص عليها الإعلان الدستوري، إلا أن الإعلان غاب عنه ضبط حالة خروج رئيس الدولة عن مهامه وعن مقتضيات منصبه، وكيفية معالجة ذلك، وهو أمر لا يجوز أن يخلو منها أي دستور.
– كان الفصل الذي تحدث عن مسار العدالة غامضاً وغير واضح واكتفى بإشارة عابرة لعدم سريان مبدأ عدم رجعية القوانين على جرائم التعذيب، لكنه لم ينص على آليات مقاضاة مجرمي الحرب، ولا سيما مع النص في الإعلان الدستوري على عدم جواز تشكيل محاكم استثنائية ما يعني أن التقاضي سيكون أمام محاكم الجنايات ولن يكون هناك محاكم خاصة بمجرمي الحرب، وهذا يثير مجموعة من التساؤلات حول جدية مسار العادلة الذي ستسير به السلطة خلال المرحلة الانتقالية.
– اللجنة التي ستتولى اختيار أعضاء مجلس الشعب، بدت في النص غير واضحة، وكيف ستشكل وممن سيتم تشكيلها، وأخشى أن تكون شبيهة باللجنة التي اختارت أعضاء مؤتمر الحوار الوطني، ولا سيما وأن هذه اللجنة سيكون لها دور حاسم في اختيار أعضاء مجلس الشعب لمدة 30 شهرا وهم الذين سيشرعون عمليا القوانين التي تتعلق بالمرحلة الانتقالية وبتأمين عملية الانتقال السياسي.
– في مطلق الأحوال فإن صدور إعلان دستوري يعتبر أمرا إيجابيا ونتمنى أن يتم استدراك النقص فيه في الأشهر القادمة، والمطلوب من السوريين الآن أن لا ينظروا للإعلان الدستوري كمكرمة يمجدونها أو أمرا يهاجمونه، بل أن يناقشوه بكل عقلانية، وأن يعززوا ما فيه من إيجابيات، وأن يعملوا على تعديل واستدراك ما فيه من أوجه نقص أو سلبيات