الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
(1) يجب التفريق بين الإسلام كدين وبين الإسلام كتاريخ وحضارة وثقافة وتراث ومواطنة، فالإسلام كدين هو للمسلمين تحديداً، أما الإسلام كتاريخ وحضارة وثقافة وتراث ومواطنة فهو لكل من عاش ويعيش هذه الحالة وإن لم يكن مسلماً.
(2) المبدأ الأساسي في فهمنا للإسلام هو نبذ العنف ونبذ الإجبار والإكراه، سواء في أصول الدين أم في فروعه، وسواء في دخول الدين أم في تطبيق شريعته وإقامة أحكامه، قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين) (البقرة:256)، وقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) (النحل: 125)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله رفيق يحب الرفق، ويجزي على الرفق ما لا يجزي على سواه)) (مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما دخل الرفق شيئاً إلا زانه، وما دخل العنف شيئاً إلا شانه)) (مسلم).
(3) من أصول فهمنا للإسلام التركيز على الروح والجوهر والمضامين، والابتعاد عن التفسير الحرفي للنصوص حين يتعارض مع جوهر الدين ومقاصد الشريعة.
(4) العلم والعقل أساس في فهم نصوص الإسلام، ويجب إعادة قراءة الإسلام في ضوء الحقائق العلمية والبديهيات العقلية، فلا يمكن تجاوز الثورة العلمية التي حصلت في القرون المتأخرة وهذا الكم الهائل من المعلومات الذي حصل نتيجة لتلك الثورة.
(5) يجب فهم الإسلام من خلال إدراك سديد للواقع، والتفريق بين الإسلام وهو مجموعة النصوص الثابتة تاريخياً، والمسلمون وهم مجموعة من الناس آمنوا بصحة هذه النصوص وصوابها، والفقه الإسلامي وهو نتاج محاولة المسلمين إنشاء الواقع في ضوء النصوص الثابتة، فالإسلام ثابت لا يتغير، والمسلمون كما الفقه الإسلامي يتغيرون بتغير الزمان أو المكان أو كليهما. والفقه لا ينشئ الواقع وإنما الواقع هو الذي ينشئ الفقه (مثال: المذاهب الإسلامية الأربعة).
(6) قاعدة مهمة يجب الوقوف عندها وهي: الدين لخدمة الإنسان وليس الإنسان لخدمة الدين، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعا) (البقرة:29)، «قاعدة التسخير في القرآن». والهدف من النصوص هو إصلاح الإنسان وليس قتله، فالتقرب إلى الله يكون بإصلاح الناس وليس بعدد الرؤوس المقطوعة والظهور المجلودة.
(7) لا تعارض بين القومية والإسلام، ولا تعارض بين الانتماء القومي والانتماء الديني، فالإسلام لم يطلب من العرب التخلي عن عروبتهم لدخول الإسلام وإنما ثبّت الأساس في العروبة وهو اللغة العربية فجعلها أداة لرسالته إلى الناس، وفي الحديث: ((أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة عربي)) (الحاكم والطبراني)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسي رضي الله عنه: ((يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك)) قال: يا رسول الله، كيف أبغضك وبك هداني الله؟ قال: ((تبغض العرب فتبغضني)) (الترمذي).
(😎 لا تعارض بين الإسلام ونظام الحريات (الديمقراطية)، لأنّ الإسلام يقوم على حرية الاختيار(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين) (البقرة: 256)، (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) (الكهف:29)، ولأنّ الديمقراطية ليست نظاماً شاملاً للحياة كما الدين، وإنما هي آلية في العلاقات بين الناس.
(9) الطائفية ليست من الدين لأنها نزعة تجزيئية، والدين يقوم على الوحدة والأممية والإنسانية، ومثل ذلك يقال في المذهبية المتعصبة والعائلية وكل الروابط التي تدعو إلى الفرقة والتجزيئية.
(10) يجب التركيز على البعد الإنساني في الإسلام، وعلى احترام الدين لهذه القيمة في نصوصه كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء) (النساء:1)، وقوله تعالى: (َيَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات:13)، وإنما يتفاضل الناس بفعل الخير وتحقيق المنفعة للجنس البشري (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات:13)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) (مسلم).
(11) في المجتمع المسلم يجب التفريق بين العقيدة والشريعة، فلكل مواطن عقيدته ولكن الشريعة واحدة، أي: النظام الاجتماعي الاقتصادي السياسي واحد، وهو ما يتم اختياره من أغلبية الأمة كي يكون أساساً للقوانين والتشريعات، والقاعدة الشرعية في ذلك هي ((لهم ما لنا وعليهم ما علينا)). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.