يفتح إعلان “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سورية عدم قبولها الحكومة السورية الجديدة، وعدم تنفيذ قرارات هذه الحكومة المستقبلية، الباب أمام تساؤلات حول تعامل الحكومة السورية وأجهزتها مع هذا الوضع، وأيضاً حول إمكانية بروز معارضات للحكومة من قوى سياسية سورية، لا سيما أن معظم هذه القوى في البلاد، لم تشهد تمثيلاً لها داخل الحكومة.
الحكومة السورية والتمثيل الكردي
وأدّى مساء السبت الماضي، وزراء الحكومة الانتقالية في سورية، اليمين أمام الرئيس أحمد الشرع. وتتألف الحكومة من 23 وزيراً، بينهم امرأة وحيدة، هي هند قبوات. وعلى الرغم من أن الحكومة السورية الجديدة اعتُبرت إلى حدّ ما حكومة تكنوقراط لكونها تضمّ 14 وزيراً تلائم اختصاصاتهم حقائبهم الوزارية، وسعت في تشكيلها إلى تمثيل مناطقي ومذهبي مقبول، إلا أن القوى السياسية لم تكن ممثلة في الحكومة، إذا ما استثنينا “هيئة تحرير الشام”.
وقال الرئيس السوري أحمد الشرع، في كلمة بمناسبة عيد الفطر بقصر الشعب في دمشق، أمس الاثنين: “أعلنا عن الحكومة السورية قبل يومين وابتعدنا عن المحاصصة، وذهبنا في اتجاه المشاركة”. وأضاف: “هذه الحكومة عُمل عليها الكثير حتى تمّ اختيار هؤلاء الوزراء من أصحاب الخبرة والكفاءة وهمّهم بناء هذا البلد، وهدفنا التغيير والتحسين”.
الإدارة الذاتية ممتعضة
وبالعودة إلى “الإدارة الذاتية” الكردية، فقد أصدرت بعد ساعات من تشكيل الحكومة بياناً انتقدتها فيه، ووصفتها بأنها “لا تراعي التنوع”، وأكدت أنها “لن تنفذ مستقبلاً قراراتها”. وقالت إن الحكومة التي أُعلِنَت في دمشق “تشابهت بشكل كبير مع سابقتها، من حيث عدم أخذ التنوع في سورية بعين الاعتبار، ومواصلة إحكام طرف واحد السيطرة عليها، وعدم حصول تمثيل عادل وحقيقي لجميع مكونات الشعب السوري”. واعتبرت أن هذه السياسات التي تصرّ الإدارة السورية الجديدة على انتهاجها إنما “تعيدنا إلى المربع الأول، من حيث استئثار طرف واحد بالحكم وإقصاء المكونات والأطياف السورية من العملية السياسية ومن إدارة شؤون البلاد”. وأكدت الإدارة الذاتية أن “أي حكومة لا تعبّر عن التنوع والتعدد الموجود في سورية لن تستطيع إدارة البلاد بشكل سليم وإخراجها من الأزمة التي تعاني منها، وإنما ستزيد من تعميق الأزمة”. وختمت بالقول: “لن نكون معنيين بتطبيق وتنفيذ القرارات الصادرة عن هذه الحكومة، فهذا الإصرار على تكرار أخطاء الماضي سيضر السوريين، ولن يؤدي أبداً إلى إطلاق عملية سياسية شاملة يمكن أن تضع الحلول للقضايا العالقة والمشاكل والأزمات التي تعيشها سورية”.
بالمثل، عبّر “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، عن عدم رضاه حيال الحكومة، قائلاً: “كنا نأمل أن تكون هذه الحكومة تمثيلية بحق، تُعبّر عن التنوع السوري بكل مكوناته السياسية والاجتماعية، إلا أن ما تم الإعلان عنه لا يرقى إلى مستوى التطلعات الوطنية، حيث غلب عليه اللون الواحد رغم إشراك بعض الشخصيات التكنوقراط”. وأضاف المجلس في بيان: “تشكيل حكومة بهذه الصيغة لا يمكن اعتباره خطوة نحو الحل بما ظهر من سيطرة جهة واحدة تحمل طابعا أيديولوجياً لا تستطيع الكلمات المعسولة أن تغيره مع ما جاء فيها من شعارات سطحية في أهداف الوزارات، بل إعادة إنتاج لنهج لم يحقق أي فائدة لسورية أو لمكوناتها”. وتابع: “إننا في مجلس سوريا الديمقراطية نؤكد أن أي حكومة حقيقية يجب أن تستند إلى مبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية، وألّا تُقصي أي طرف سوري، بل تستوعب جميع القوى الفاعلة على الأرض، وتعكس تطلعات جميع السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو القومية أو الدينية أو الجندرية”.
وبعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أصبح طريق دمشق مفتوحاً أمام الأكراد عموماً وأمام الأطراف السياسية الكردية المتمثلة في المجلس الوطني الكردي و”الإدارة الذاتية” وجناحيها العسكري “قسد” والسياسي “مسد”، وشهدت الأجواء المشحونة دوماً بالتوتر والتهديدات، انفراجاً تجسد بتصريحات إيجابية من قيادات دمشق الجديدة. ولعل أبرز محطة في علاقة الطرفين بعد سقوط النظام، كان لقاء الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي في دمشق، والذي شهد الاتفاق على ثمانية بنود أهمها: ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية، وأن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية، ودمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، وضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم، بالإضافة إلى رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بثّ الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري.
وعن الحكومة الجديدة، قال محمد موسى، سكرتير الحزب اليساري الكردي، وهو من الأحزاب المؤسسة لـ”الإدارة الذاتية”: “إننا نرى أن الحكومة الجديدة تشكلت من جانب واحد وبأيديولوجية محددة وعقلية لم تستطع حتى الآن أن تستوعب الحالة الموضوعية الموجودة في سورية، ولم تستطع أن تلبي مصالح وطموحات الشعب السوري بأطيافه المتنوعة، سواء كانوا بخلفياتهم القومية أو المذهبية”، مضيفاً لـ”العربي الجديد”: “لا أعتقد أن هذه الحكومة تستطيع أن تتجاوز ما يمكن أن نسميه بالأزمة أو المحنة التي يمر بها الشعب السوري”، معتبراً أن بديل النظام في دمشق لا يمكن أن يلبي طموحات الشعب السوري.
وحول ما إذا كانت لديهم شروط للتعامل مع الحكومة الحالية، قال موسى: “ليست مسألة شروط، بل الأمر متوقف على أن هذه الحكومة، إن كانت تؤمن بما يجب أن يتم تقديمه بديلا للنظام الاستبدادي، يجب أن يكون ذلك بتوافق واتفاق بين القوى الموجودة في سورية وبين المكونات التي لها مصلحة، والتي ترتئي أن تبنى سورية على أسس ديمقراطية تعددية على أنقاض نظام استبدادي اكتوى الشعب السوري بكافة مكوناته بناره”. ولفت إلى أنه لهذه الأسباب “لا يمكننا أن نتعاون إلا على أسس ومبادئ نرى فيها أنها تبني سورية بشكل يلبي طموحات كافة أبناء هذا الشعب، من أكراد وعرب وسريان وبخلفياتهم الدينية والمذهبية، وسورية لن تقوم بعد اقتتال دام 14 عاماً باستبدال استبداد، باستبداد ديني متزمت يعود بنا إلى 1500 سنة إلى الوراء”.
ورغم أن الحكومة ضمّت وزيراً كردياً (محمد عبد الرحمن تركو)، إلا أن موسى لفت إلى أن “بشار الأسد ووالده أيضاً كان في حكوماتهم وزراء أكراد، وهؤلاء لا يمثلون إرادة الشعب الكردي”، معتبراً أن “الأكراد هم الحركة السياسية، الإدارة الذاتية، والمؤسسات التي تم إنشاؤها، وبالتأكيد الموجودون في تشكيلة الحكومة الجديدة لا يمثلون إرادة الشعب الكردي”.
وبعيداً عن شمال شرقي سورية، وموقف “الإدارة الذاتية”، حاولت “العربي الجديد” الحصول على مواقف من بعض القوى السياسية المعروفة في البلاد، لكن الإجابات لم تأت من قبل “هيئة التنسيق الوطنية”، و”منصة موسكو”، وشخصيات من الائتلاف الوطني لقوى الثورة المعارضة السورية، الذي أعلن عن حلّ نفسه وتسليم عهدته للدولة السورية. وكانت المعلومات تشير إلى أن ذلك تمّ بعد أن تلقى الائتلاف وعوداً بتمثيل لوزير أو اثنين داخل الحكومة الجديدة، وهذا لم يتحقق.
أما في السويداء، جنوبي البلاد، فقد عبّر “التجمع المدني لأجل سوريا”، أحد أهم القوى السياسية والمدنية الناشطة في المحافظة، عن دعمه للحكومة الجديدة. وقال عضو التجمع الناشط السياسي نضال عامر، لـ”العربي الجديد”، إن “التجمع اختار الخط الوطني بوصلةً له، لذلك هو مع بناء الدولة، وكونها الآن مرحلة انتقالية فالأولوية أن تكون حكومة تكنوقراط وكفاءات لأجل بناء سورية الجديدة، وهو ما ظهر من تشكيل هذه الحكومة”. وأضاف: “نحن ندعمها طالما تقوم بتحقيق ما قامت لأجله”. وعن رأي التجمع في التمثيل، قال عامر إن “التمثيل الناجح للحكومة هو ما يتضمن الكفاءات بغض النظر عن المناطقية أو غيرها، يكفي أن يكونوا سوريين وذوي شهادات وخبرة في كل اختصاص”. وأضاف: “ندعم هذه الحكومة إن مشت على خطط البناء، ونشاركها في تفعيل الطاقات المتنوعة اجتماعياً وسياسياً ما سيساعد بالنتيجة بهذا البناء، وفي حال تراجعت عن الأداء فالاحتجاج السلمي، بكل أشكاله، يقف ناقداً لكي تكون على ما طمحنا إليه في بناء سورية المستقبل”.