بطبيعة الحال، يشكل هذا اليوم السابع من تشرين الأول الذي لا يحتاج الى تفسير، ذكرى عالمية لا شرق أوسطية فقط، لما يوازي حرباً عالمية محصورة في هذا الإقليم منذ نشوء الصراع العربي الإسرائيلي. ولعل المفارقة المفجعة أن حلول الذكرى السنوية الأولى لـ”طوفان الأقصى” في غزة لن يتيح للبنانيين التمعن ولو لثانية واحدة في مراجعة منطقية هادئة لذاك الربط القسري القاتل الذي وضعهم جنباً الى جنب مع حرب غزة خصوصاً أن رمز هذا الربط وصاحب القرار “اللبناني” فيه صار في دنيا الحق بعدما اغتالته إسرائيل في التتويج الأشد دراماتيكية لتفجر حرب إسرائيل على “حزب الله” ولبنان اعتباراً من 23 أيلول الماضي.
ذلك أن مجريات هذه الحرب، عشية 7 تشرين الأول الحالي نفسه، لا تترك مجالاً إلا لتبرير الذعر الطالع من مشهد أكثر من 30 غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية في أشد وقائع ورمزيات السحق المدمر، بما يستعيد فوراً مشهد قاذفات أرييل شارون في صيف 1982 تسحق بيروت سحقاً في مطاردتها لياسر عرفات (من مبنى الى مبنى) ومنظمة التحرير الفلسطينية ومعهما أبناء وسكان وعمران وحضارة نجمة العواصم العربية. بذلك ترانا عند الخط الرابط بين 7 تشرين و8 تشرين تاريخ إطلاق “حزب الله” ما سُمّي مواجهات المشاغلة أو المساندة، أمام ما يتجاوز كل الاجتياحات والاحتلالات والحروب المتعاقبة على لبنان منذ ربط مصيره بالصراع العربي الإسرائيلي وتباعاً صراعات الإقليم الباردة والحارة والمتفجرة، حتى صارت الآن، في هذه اللحظة، مناطق الضاحية والجنوب والبقاع، والبقية على الطريق، تقارع غزة وتسابقها، بل تتفوق عليها، بدمار خيالي غير متصور ولا في مشاهد ستالينغراد في الحرب العالمية الثانية.
شكلت السنة المنصرمة من حرب غزة الإثبات الأشد ثباتاً على أن لا مكان للمجتمع الدولي والإرادات الدولية في ردع أعنف جولات الحروب بين إسرائيل وكل من “حماس” و”حزب الله” حتى بعدما تحولت الحرب الى واقع إبادة في غزة، بما كان يوجب ويفرض ويحتم على “حزب الله” بقراره أو بقرار إيران منع تمدد الثأر الإسرائيلي الى لبنان. ذهب سر الربط مع شهيد “حزب الله” الأعلى السيد حسن نصرالله الذي يقال إنه صاحب قرار وشعار “ربط الساحات”، ولكن “الظن” كان ولا يزال وصار أقوى من أن إيران تقاتل بالفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والعراقيين واليمنيين وحين تقترب نيران التساجل بينها وبين أميركا وإسرائيل من دوائر الخطر الحقيقي تلعب إيران وفق قواعد المناورات التي تجنبها الحروب المباشرة.
لم يعد ممكناً تجاهل واقع احتراق لبنان كله بتدحرج حربي مخيف تحت نيران خطط إسرائيلية لا تحتاج إلى “بصارين” و”استراتيجيين” وخبراء ومنظرين “يملؤون الهواء” على الشاشات على مدار الساعات الطويلة، ما دامت ليالي الضاحية تحولت العنوان الأخطر لمصير هو الأشد بؤساً وقتامة للبنان، بعد سنة من 7 تشرين الأول و8 منه. هو الاختصار الحربي الإسرائيلي للحرب الرابعة الأطول والأخطر على لبنان، سعياً الى تصفية “حزب الله” بكلفة مرعبة، لا أكثر ولا أقل من رعب المعادلات. وهكذا ستضيع رمزيات التواريخ منذ سنة ما دام رعب الحرب يحوّل كل يوم تاريخاً دامياً تدميرياً بذاته. أما عن قدرنا مع الحروب وتجربة المجرب وتقدمة لبنان فدية عن الآخرين، فحدّث ولا حرج…