لا يُحسد مسلمو أميركا على خياراتهم، فهم عالقون بين السيئ والأسوأ. قبل أيام معدودة من الانتخابات الأميركية المنتظرة، إلى من سيرجّح عرب أميركا ومسلموها الكفّة؟
لا شكّ في أن الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة منذ أكثر من عام، والعدوان على لبنان الذي تضاعف منذ أيلول/ سبتمبر 2024، بالإضافة إلى جرائم الاحتلال في الضفة الغربية، قد تركت أثراً كبيراً على الرأي العام الأميركي، لا سيما لدى المسلمين والعرب.
شهدت الولايات المتحدة خلال العام الماضي تظاهرات في الجامعات وقمعاً وتضييقاً، ومع ذلك استمرت الإدارة الأميركية الحالية في دعمها غير المحدود لإسرائيل عسكرياً ومالياً وسياسياً وإعلامياً.كما أن إدارة جو بايدن تضغط اليوم على لبنان بذريعة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، غير أن المجازر البشرية وشطب عائلات من السجلات وأعداد الأطفال والنساء الذين يُقتلون حرقاً واختناقاً وتحت الردم، لا تعني شيئاً لإدارة الحزب الديمقراطي، التي تدعي أن حقوق الإنسان تقع في صلب أولوياتها. لكن هذه الحقوق تبدو مشروطة بجنسية الإنسان ولونه وعرقه، فأهل غزة ولبنان وأفغانستان وغيرهم ليسوا ضمن من تهتم الإدارة الديمقراطية بحقوقهم.
الغضب واليأس هذان يواجههما الكثير من مسلمي الولايات المتحدة الذين يرون أن أصواتهم الانتخابية أصبحت تُعتبر “تحصيل حاصل”، وأنهم سيصوتون للديمقراطيين خوفاً من مرشحي الحزب الجمهوري، بخاصة اليمين المتطرف الذي يمثله دونالد ترامب. لطالما اعتقد الديمقراطيون أنهم بمأمن عن هذا الصعيد. فهل سيصفعهم مسلمو أميركا بصفعة الحقيقة؟
للأسف، بعد كل هذا اليأس من حكم جو بايدن الذي دمّر أفغانستان وغزة ولبنان والضفة الغربية، هناك شريحة من الناخبين المسلمين قررت التصويت لترامب، المعروف بدعمه اللامحدود لإسرائيل وفرضه سياسة حظر المسلمين خلال فترة رئاسته.
حديثاً، برز مشهد خارج عن المألوف عندما دعا ترامب قادة مسلمين عدة إلى المسرح في ميشيغان، وهي إحدى الولايات المتأرجحة، وعندها وصف الإمام بلال الزهيري ترامب بأنه مرشح “السلام” وأنّهم كمسلمين يدعمون ترامب لأنه يعد بالسلام وبإنهاء الحرب في الشرق الأوسط وأوكرانيا.
يستغل ترامب اليوم غضب مسلمي أميركا تجاه سياسات بايدن الداعمة لإسرائيل. وقد صرّح ترامب بأن المسلمين “يمكنهم أن يغيروا نتيجة الانتخابات في هذا الاتجاه أو ذاك”، وذلك في تجمع انتخابي بضاحية نوفاي بمدينة ديترويت القريبة من ديربورن، التي أصبحت العام الماضي أول مدينة ذات غالبية عربية في الولايات المتحدة.
هناك أيضاً شريحة أخرى من مسلمي الولايات المتحدة تتّجه نحو خيارات بديلة لا تملك فرصاً فعلية، مثل مرشحة حزب الخضر جيل ستاين، وذلك تعبيراً عن استنكارهم لسياسات الحزب الديمقراطي في قضايا أساسية مثل الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.
وفقاً لاستطلاع رأي أجراه مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (CAIR) في أواخر آب/ أغسطس 2024، فإن كامالا هاريس وجيل ستاين متقاربتان في النسب بين الناخبين المسلمين، إذ حصلت هاريس على 29.4 في المئة وستاين على 29.1 في المئة. أما دونالد ترامب فقد حصل على 11.2 في المئة من أصوات المسلمين، بينما حصل تشيس أوليفر من الحزب الليبرالي على أقل من 1 في المئة من الدعم مع نحو 16.5 في المئة لم يحددوا بعد لمن سيصوتون.
يعكس هذا الاستطلاع زيادة ملحوظة في دعم هاريس بعدما حلت محل الرئيس جو بايدن كمرشحة للحزب الديمقراطي؛ إذ حصل بايدن سابقاً على دعم 7.3 في المئة فقط من الناخبين المسلمين.
فيما يخص الولايات المتأرجحة، تتقدم جيل ستاين على هاريس في أريزونا (35 في المئة) وميشيغان (40 في المئة) وويسكونسن (44 في المئة)، بينما تتقدم هاريس على ستاين في جورجيا (43 في المئة) وبنسلفانيا (37 في المئة). ويلاحظ أعلى دعم لترامب في نيفادا بنسبة 27 في المئة مقابل 26 في المئة لهاريس.
وتحظى ستاين بدعم 32.7 في المئة من الناخبين المسلمين البيض والعرب والترك، و25.7 في المئة من المسلمين الآسيويين، و11.2 في المئة من الناخبين المسلمين السود. في المقابل، تحظى كامالا هاريس على دعم 55.3 في المئة من الناخبين المسلمين السود، و28 في المئة من المسلمين الآسيويين، و25.6 في المئة من المسلمين البيض والعرب والترك. بينما يحصل دونالد ترامب على دعم 12.8 في المئة من المسلمين البيض والعرب والترك، و12.6 في المئة من المسلمين الآسيويين، و9.8 في المئة من الناخبين المسلمين السود.
بينما لا تملك ستاين فرصاً حقيقية للفوز، فإن حصولها على نسبة كبيرة من أصوات المسلمين قد يؤدي إلى خسارة هاريس عدداً كبيراً من الأصوات التي تحتاجها بشدة للفوز، بخاصة وأن ستاين تُعرف بدعمها للقضية الفلسطينية.
يقول روب لوري، مقدم ومدير تحرير برنامج Florida This Week على قناة WEDU الأميركية، في مقابلة لموقع “درج”، “جزء من حملة دونالد ترامب تقوم على ادعائه بأنه يمكنه وقف الحروب في الشرق الأوسط بين ليلة وضحاها. أعتقد أنه لا يمتلك تلك القدرة وأنه سيمنح رئيس الوزراء نتانياهو شيكاً على بياض ليفعل ما يشاء”.
ويشير لوري إلى أن هناك الكثير من الناس في الولايات المتحدة يريدون أن تتوقف هذه الحروب، بخاصة في ميشيغان التي تعتبر ولاية متأرجحة وتضم عدداً كبيراً من الأميركيين العرب، “كامالا هاريس لا تفوز بشكل قاطع في ميشيغان، جزئياً لأن المجتمع العربي الأميركي مستاء من بطء إدارة بايدن في الاعتراف بالأضرار المدنية في غزة والآن في لبنان. أعتقد أن ذلك سيؤثر على الانتخابات. إذا ذهبت ميشيغان لصالح دونالد ترامب، أعتقد أنه يمكن إرجاع ذلك إلى تصويت الأميركيين العرب الذين يشعرون بالاستياء من الرئيس بايدن”.