سلوى زكزك حارسة ذاكرة دمشق ومدونتها في التوثيق اليومي، وكاتبة نشرت ثلاث مجموعات (قصص قصير) هي على التوالي (المرأة الملونة) 2002 و(ما تبقى من حياة) 2016 و(يوم لبستُ وجه خالتي الغريبة) 2019 وهي لم تزل تبث سردياتها اليومية على (السوشيال ميديا) الوسيلة الأسرع في التداول والأقرب إلى نبض السوريين وما تلهج يه ضمائرهم.
فالسلوى حكايات أو أجزاء من حكايا على فيس بوك، تحدثنا فيها عن ظواهر دمشق الجديدة والغريبة، بعد أن بات كل شيء في دمشق المغلوبة على أمرها غريباً، حتى وجوه سكانها التي فقدت رونق الحياة وغدت القتامة وسما على جباههم وجفلة في محياهم، وكأنهم ليسوا أبناء دمشق التي عرفوها متلألئة في صباحات بردى وغوطتيها وقاسيونها وكل حواريها وأبوابها وسوق البهار والذهب وطرق النحاس وكل ما يخطر لك ببال.
ولا تبخل علينا سلوى بمشاهداتها في حواري دمشق وأسواقها وأفراحها وأتراحها، بل تذهب إلى تبسيط سردياتها وكل ملابساتها وتفصيلاتها، وتصوغها بحكاية شعبية دمشقية بلحمها ودمها وعبقها؛ فسلوى إذاً ظاهرة اجتماعية، تسير على حواف السياسة المشبوهة بالتجويع والعري والموت من دون أن تغرق في تفاصيلها، وتكتفي برصد ما ينفطر له قلبها من ظواهر الفقر والتشرد والبؤس والعري، وهي بطبعها السمكي، لا شيء يفصلها عن محيطها الفائر بالحركة ولا عن بسطاء الناس، الذين تعشقت من عقود ابتساماتهم الصباحية المضمخة بعبق نسائم الغوطتين وبردى وقاسيون، وابتسامتها المحبة هي رأسمالها الإنساني وقوتها الناعمة التي تجابه بها قوى التسلط الخشنة.
في تفاصيل ما تكتب وجه مُلَوّح بعاطفة العقل، التي تعلو بها إلى مستوى الرسالات التي تعلو بالهم الوطني والاجتماعي إلى وجهه الإنساني النبيل، فإن كنت ممن قفزوا من السفينة الغارقة وغابت عنك مشاهد الأهل في صراعهم الوجودي مع حيتان البرّ والبحر وقراصنة، يبيعون كل ما يخص القيم والكرامة ويستعرضون ثراءهم، بأحدث ماركات العهر والخلاعة، فستجد في نشرتها اليومية كل ما تحتاج إليه من أخبار دمشق وأسرارها وجراد اللطميات المنتشر في جنباتها.
سلوى الناشطة والمدربة الجندرية
وسلوى زكزك سيدة ستينية عصرية، أشرفت خلال أربع سنوات من عام 2018 لغاية 2022على مشروع جندري مدني، دربت فيه أعدادا غير قليلة من سيدات وفتيات سوريات فأهلتهنّ وحررتهنّ من تابويات العقل (الذكوري) التقليدي المتوافق مع سلبية قطاع واسع منهن وساعدت في تحفيز الطاقة النسائية المعطلة وتحرير الذكاء، فهبت كل واحدة منهن إلى التعبير بحرية عن كيانها ومشاعرها وهمومها وأحلامها، كأي امرأة حرة مستقلة، ندّ الرجال الأحرار ومساوية لهم أو متفوقة عليهم. وهنا دعوني أتذكر رواية (الخبز الحافي) للمغربي محمد شكري التي نال عليها جائزة نوبل لصدقها وواقعيتها وجمالية السرد والذكاء في بناء تفاصيل الحكاية، كذا تسرد سلوى وتبني من قطع مروياتها هرماّ حكائيا، تنتقل فيه من حكاية إلى أخرى وفي كل سردية جديدة، يأتي حديث دمشق، ليتعثر به رواد صفحات الفيس بوك ويستغرقون في أحاديث دمشق، ودمشق حديث، يبدأ ولا ينتهي.
كذا استنهضت الكاتبة العديد من نساء دمشق وحمص وريفهما ونساء السويداء وحماة والسلمية وحفزتهن للتعبير وإخراج مكنونات نفوسهن والفضفضة بالكتابة والمشافهة، بغية تقديم الذات المستقلة بكل حرية وشفافية، متجاوزة قيود مجتمع الذكورة، وكذا بنين معا مبادرة، تجلت عن أربع مجموعات قصصية مشتركة كتبت بأيدي سيدات تعلمت بعضهنّ من بعض واستعدن الثقة وشاركت 17 امرأة في إصدار مجموعة (نكتب لننحو) القصصية، بينما قرض بعضهنّ الشعر. وحين تسأل: وهل في الكتابة تنجون أيتها السيدات؟ يأتيك الجواب: نعم ننجو من حبس الأعراف والتقاليد ومن سلبية المرأة وهيمنة الذكورة في مجتمعنا البطريريكي (الأبوي) ولك أن تذهب وترى كيف نجون ماديا ورمزيا وكيف تعرفت المرأة على ذاتها وعرّفت بها معبرة عن كيان حر مستقل، تكامل بإدارة السيدة سلوى والروائي الحر المرحوم (خالد خليفة) ويا مرحبا بنساء وطني وقد أحرزن قصب السبق في المشاركة وبناء لبنة أولية للمجتمع المدني الجندري وتمتين عرى الصداقة والألفة المتجاوزة بينهنّ للحدود الديمغرافية والمذهبية والإثنية والانفتاح على آفاق الحرية المتوافقة مع قيم ثورة الحرية والكرامة.
توثيق أولي للحقائق
تقول السيدة سلوى وتبكي، كلما تذكرت أنها هنا في فرنسا، قد أصبحت غريبة وبعيدة عن دمشق، رغم وجودها بين ولديها الشابين العازفين المميزين (كرم وكنان) الحائزين على الجنسية الفرنسية والعديد من الجوائز الهامة:
بدأنا هذه الفعاليات عام 2018 عبر مجموعات نسائية متفاوتة الأعمار والبيئات الاجتماعية والثقافية، وقد وصل تعداد المشاركات الإجمالي إلى نحو 200 امرأة، شارك العديد منهن بإصدار أربع مجموعات قصصية مشتركة بعناوين لافتة، تشير إلى حساسية أدبية فنية ووعي جندري اجتماعي، يتخطّر على مشارف السياسة ويتعثر بمفاصلها من دون الدخول في متاهاتها. ثم بعد عام 2019 ومجموعة (نكتب لننجو) أصدرت المجموعة 2021 (النقش على جدران المدينة) وفي عام 2022 (اختباء على الحافة) وأخيرا مجموعة (عشبة الذاكرة) قبل أن يتوقف المشروع لغياب الممول.
وعلى سبيل المثال لقد برز في المجموعة الأولى (نكتب لننجو) 17 اسما من المشاركات بالكتابة القصصية وهنّ على التوالي (أحلام أبو عساف، أصالة قسّام، أمل نعيم، أوديت ديب، بانة خضور، جورج ميخائيل، حنان رستم، دلال لوقا، ريم عيزوق، فاطمة عمراني، لبانة غزلان، لجين عوض، ماجدة كدو، مالينا وطفة، منتهى ناصيف، مها هنيدي، ميشيلين هبي، يارا علوان) مما يعني أن المشروع، قد حقق تحفيزاً لافتاً للمرأة ودفعها للتعبير عن مشاعرها ومعاناتها وأحلامها وبهذه الكتابة، تذوقت المرأة طعم البوح الحرّ الخارج على تقاليد وعادات مجتمع الذكورة ووصلت إلى تأكيد الذات في معركة وجودية رمزية. وحققن مقولة (أنا أكتب فأنا موجودة).
هكذا غدا (نكتب لننجو) عنواناً لمشروع نشاط (جندري) مدني، يتوافق مع مناخ ثورة الحرية والكرامة ويأخذ رمزيته ودلالته من نهوضه من كابوس وتأثير العقل الذكوري (الأبوي) البطريركي، الذي يهيمن ويحجب نور الحرية ويعبر عن ضرورة إحياء جدلية (الرجل والمرأة) باعتبارها الوجه الموازي لجدلية (الحرية /الاستقلال / التكامل ) وذلك بغية تحقيق استقلالية المرء (ذكراً كان أم أنثى) وحيث كل منهما كائن بشري ، يسمو على كل موجودات الطبيعة ومخلوقاتها ويجب أن يتحقق لكل منهما الحرية والرفاه والسعادة وأن يكفل الدستور والأنظمة المرعية والسلوك هذه الحقوق، ليس بالقياس على حقوق الرجل، بل بالقياس على حقوق الإنسان النوع المجرد خارج التجنيس وخارج أي فروق أخرى!.