هل هناك توجهات نحو الانفتاح على “سوريا الأسد”؟ نورث برس

دمشق ـ نورث برس

كان للزلزال وجه آخر بالنسبة للشعب السوري ونظامه أيضاً، ففي حين يتوق الشعب إلى أي تحسن في العلاقات العربية والدولية، علّه يمكنه من الخروج من مستنقع الفقر الذي يعيش فيه منذ عقد، كان الزلزال بالنسبة للحكومة، فرصة لحضور جديد على الساحة العربية والدولية، فبدء التنسيق معها لإيصال المساعدات للمتضررين، يوحي ببداية علاقات عربية ودولية جديدة.

وهذا ما ينظر إليه المعارضون بمختلف انتماءاتهم بأنه نوع من “تعويم النظام” الذي كان يعيش الحصار والمقاطعة منذ عقد من الزمن، بينما يراه آخرون بأنه لن يكون هنالك أي تحسن بالعلاقات السياسية قبل أن تتحقق مصالح الدول المعنية بالصراع في سوريا.

فهل يكون الزلزال هو بداية “انعتاق النظام” في سوريا مما يعيشه؟

ما زال بعيداً

الإعلامي المختص في المجال السياسي أنيس حمزة (اسم مستعار) قال في تصريح لنورث برس، إن حادثة الزلزال “كانت الباب، لإظهار طبيعة العلاقات الدولية والإقليمية مع النظام في سوريا”. وكانت مناسبة لكشف بعض ما كان يُعمل عليه في السنوات الأخيرة بخصوص الأزمة السورية.

وأضاف “حمزة” أن كل حرب تنتهي بتفاوض وبحل سياسي، إلا أن هذا الحل في سوريا “ما زال بعيداً عن التبلور”، رغم كل ما يتم تداوله في الإعلام، وما يجري من زيارات وجولات واتصالات.

ولفت “حمزة” إلى أن الأزمة في سوريا ما زالت “معقدة وبعيدة عن حل حقيقي”، وخطوات التقارب يمكن أن تكون نوعاً من التفاوض بين القوى ذات التأثير في القرار السياسي السوري، وذات الحضور الفعلي على الأرض في سوريا.

وأشار الإعلامي إلى أن المصالح المتضاربة لتلك القوى هي التي تجعل الأزمة “أكثر تعقيداً”، فالحل الذي يرضي جميع الأطراف الفاعلة “ما زال صعب التحقق”، وخاصة ما يتعلق بالحضور الإيراني في سوريا، وإن كانت المعلومات التي نشرتها اليوم وكالة “تسنيم” الإيرانية عن الاتفاق على استئناف العلاقات الثنائية بين السعودية وإيران، سيكون له تأثيره بالتأكيد على الأزمة في سوريا، فيما يتعلق بدور القوتين الإقليميتين في الأزمة السورية.

رسائل نارية

وإن كانت معظم القوى الفاعلة لا ترحب بدور إيراني في سوريا، كما أن إسرائيل توجه رسائل “نارية” بهذا الخصوص، إذ إنها تواصل استهداف مراكز الوجود الإيراني في سوريا منذ سنوات، ولا تكتفي بالإدانات أو المواقف السياسية.

وهو ما يشير إلى رفض إسرائيل المطلق لهذا الأمر، وهو رفض تدعمه الولايات المتحدة، التي تضغط أيضا باتجاه إخراج إيران من سوريا، حسب قول الإعلامي السياسي.

وأشار “حمزة” إلى أن الكوارث الطبيعية لا تدفع الدول إلى تغيير سياساتها، “بل تكون فرصة لإظهار أي تحول في العلاقات بين الدول”، وهو ما بدا مؤخراً في سوريا، نتيجة المساعدات التي وصلت إلى هناك، من دول عدة.

وهذا الأمر ما كوّن انطباعاً يشير إلى تغير، أو بداية تغير، في المواقف الدولية من الأزمة السورية، لكن الواقع أن الاتصالات والتفاوض بين القوى المؤثرة في سوريا لم تنقطع يوماً، لكنها حتى الآن لم تصل إلى حل، أو بداية حل تتفق عليه جميع القوى، ويحقق في الآن ذاته مصالحها جميعاً.

قضايا محددة

فهل يمكن أن يكون هناك تحول باتجاه النظام في دمشق؟ يجيب “حمزة” أن “هذا لن يحدث، ما لم تكن هناك توافقات على قضايا محددة كانت تُطلب من النظام طوال السنوات الماضية، وبينها موقفه من إيران، وموقعه ضمن سياساتها الخارجية، وهو ما لم يبدو أن ثمة أي تغير فيه”، وربما كانت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الأخيرة إلى سوريا، “رسالة واضحة في هذا الخصوص”.

بل إن الرسالة الأهم هي أن “عبد اللهيان بدأ زيارته من اللاذقية، قبل أن يتوجه إلى دمشق، وهو ما ليس شائعاً في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، فالعاصمة غالباً هي التي تكون محطة الزيارة، وليس محافظة ضمن الدولة”.

ارتباط كبير

وفي السياق ذاته، قال رجل الأعمال المعارض فراس طلاس، نجل وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس، إن التطبيع  مع الأسد حديث الساعة، لكنه بين أنه “لا يؤمن به نهائياً”.

وأضاف طلاس في منشور على صفحته على فيس بوك، أن القصة ليست في أن الدول العربية تريد التقارب مع سوريا، فهناك  بعض الدول العربية الوازنة تريد دوماً التقارب مع سوريا، وتريد دوماً أن يكون لها دور في دعم الشعب السوري، وأيضاً الحكومة السورية فيما لو اتجهت بشكل منطقي.

لكن القصة برأيه، في التطبيع “هي أن الأسد مرتبط بإيران أكثر بكثير مما تعتقدون، وأصبح هو الرديف الآخر لرئيس حزب الله اللبناني حسن نصر الله”، حسب قول طلاس، “وبذلك لا هو يقبل ولا يستطيع أن يكون أي تطبيع ثمنه ابتعاده ولو قليلاً عن إيران”.

ونشر طلاس أيضاً، أن الأحاديث بين ضباط المخابرات “الأسدية”، وضباط المخابرات في بعض الدول العربية الوازنة يدور حول وجوب تقربهم من إيران، وليس وجوب ابتعاده عن إيران. لأنهم يعلمون أن الرئيس السوري غير قابل وغير قادر على أي ابتعاد عن إيران.

إعادة تأهيل

في حين قال المحلل السياسي محمد هملو، لنورث برس، إن الخطوات التي يشهدها العالم منذ كارثة الزلزال، باتجاه “إعادة التواصل مع النظام السوري، لم تكن وليدة لحظتها، بل هي نتيجة سنوات سابقة من التحرك في ذلك الاتجاه، ولم يكن الزلزال سوى المناسبة للإعلان عن ذلك”.

الدول المعنية بالشأن السوري، وحتى تلك التي كانت تعارض بقاء الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه، صارت على قناعة بأنه “لا بديل عن هذا النظام، وخاصة وسط عجز المعارضة عن إيجاد البدائل، ولهذا أسبابه الكثيرة”.

ويعتقد “هملو” أن الأزمة السورية تتجه نحو “إعادة تأهيل الأسد”، في مرحلة أولى، ثم محاولة “تشذيب النظام”، عبر إعادة “خلق شكل جديد للنظام وتوزيع سلطات الرئيس، بحيث يكون فيه للمعارضة حصة غير وازنة”.

مؤشرات التقارب العربي باتجاه دمشق، لا تظهر فقط بمواقف مصر والإمارات، والجزائر، والعراق، بل أيضا في السعودية التي لا يمكن أن تسمح بتقاربات كتلك إن لم تكن تدعمها، ولو بشكل غير معلن، حسب “هملو”.

ويعتقد أن ما سيقدم صورة أكثر وضوحاً في هذا الشأن هو مؤتمر بروكسل القادم للمانحين، والمقرر في 20 من الشهر الجاري، إذ أن مشاركة سوريا، أو الهلال الأحمر السوري، في المؤتمر سيشكل ما يمكن وصفه بـ”الاعتراف الأوروبي بالأسد، وإعادة تأهيله”.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله