عن الدور الذي يؤديه الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية وإمكانية تغيّر نوع الكتابة الأدبية أو تراجع الأدب، بالإضافة إلى ردة فعل الأدباء وتقبلهم هذا الموضوع، وعن أدب الروبوت أو الأدب الاصطناعيّ الذي بات من الممكن أن نتحدث عنه حقًا في المستقبل القريب خصوصًا وأننا بدأنا نلمح حضورًا حقيقيًّا له، نقدّم هنا لقاءات حول هذه الإشكاليات مع مجموعة من الأكاديميين والكتّاب والمترجمين المهتمين بالأدب العربي، ومع الباحثين في مجال الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي، من لبنان وألمانيا:
د. ندى معوّض: نوع الكتابة الأدبية سوف يتأثر بوجود الذكاء الاصطناعي
أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا متزايد الأهمية في العديد من المجالات، بما في ذلك الكتابة الإبداعية. يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين وتسهيل عمليات الكتابة من خلال أدوات توليد النصوص، مثل مساعدات الكتابة والتوليد التلقائي، ما يتيح للمبدعين إبداع أفكار جديدة، أو إنتاج نصوص بأشكال مختلفة بسرعة وكفاءة.
دور الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية: الذكاء الاصطناعي يمكن أن يلعب دورًا مكملًا للكتابة البشرية بدلًا من أن يحل محلها. فمثلًا، يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الكتاب في تطوير الأفكار، أو تقديم اقتراحات لغوية، أو إنشاء مسودات أولية. في بعض الحالات، يتمكن من محاكاة الأساليب الأدبية للأدباء المعروفين، أو حتى كتابة نصوص جديدة بشكل مستقل. وبالرغم من أن هذه الأدوات قد تساعد الكتاب في تسريع عملية الكتابة وتحسين جودتها، إلا أنها لا تستطيع (حتى الآن) استبدال الإبداع البشري العميق الذي ينبع من التجربة الحياتية والتعبير الشخصي الفريد.
هل سيتغير نوع الكتابة الأدبية؟ من المحتمل أن يتأثر نوع الكتابة الأدبية بوجود الذكاء الاصطناعي، لكنه لا يعني بالضرورة تراجعه أو زواله. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم في ظهور نوع جديد من الكتابة أو أدب مُنتج بشكل شبه تلقائي، فإنه سيظل هناك دائمًا قيمة للأدب الذي يعكس المعاناة الإنسانية، والأفكار العميقة، والتجارب الشخصية. يمكن أن يساهم الذكاء الاصطناعي في التجريب الأدبي، ولكن الأدب الإنساني سيظل مهمًا، لأنه ينقل قيمًا وتجارب لا يمكن للروبوتات محاكاتها بشكل كامل.
أما عن ردة فعل الأدباء وتقبلهم لهذا الموضوع، فأرى أنّ العديد من الأدباء كانوا في البداية متشككين بشأن دور الذكاء الاصطناعي في الأدب. البعض يرى أن استخدام الذكاء الاصطناعي قد يهدد جوهر الكتابة الإبداعية، التي تتطلب إحساسًا شخصيًا وتفاعلًا مع العالم. لكن مع مرور الوقت، بدأ بعض الكتاب في قبول فكرة الذكاء الاصطناعي كأداة تساعدهم في الإبداع بدلًا من تهديده. يمكن أن يظل الجدل قائمًا حول حدود استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة، ولكن يبدو أن هناك تقبلًا تدريجيًا لهذا الموضوع.
أدب الروبوتات أو الأدب الذي يتم إنتاجه بواسطة الذكاء الاصطناعي هو فكرة بدأت في الظهور بالفعل، ونحن نشهد الآن بعض المحاولات في هذا الاتجاه. من المهم أن نتذكر أن الأدب الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي يختلف عن الأدب البشري في الطريقة التي يتم بها توليد النصوص. بالرغم من أن الذكاء الاصطناعي يمكنه إنتاج نصوص بشكل سريع وفعّال، فإنه يفتقر إلى العمق العاطفي والإنساني الذي يصاحب الكتابة الأدبية التقليدية. مع ذلك، يمكن أن نشهد تطورًا في هذا المجال، وربما يظهر نوع جديد من الأدب يُحتفل به كنتاج مشترك بين الإنسان والآلة.
لن يحل الذكاء الاصطناعي محل الإبداع البشري. الكتابة الأدبية التي تعكس الحياة الإنسانية والجوانب العاطفية والروحية ستظل تتطلب اللمسة الشخصية للكاتب. ربما سيظهر نوع جديد من الأدب يكون أكثر تفاعلية أو قائمًا على التعاون بين البشر والذكاء الاصطناعي، ولكن الأدب التقليدي سيظل دائمًا محط تقدير.
غسان مراد/ ندى معوّض
د. غسان مراد: يمكن للتكنولوجيا تقديم المساعدة
إن التقنيات بشكل عام في الزمن الرقمي، وقبل ظهور الذكاء الاصطناعي، ساعدت كُتّاب الروايات كثيرًا. بعض الروايات الموجودة في لبنان تتحدث عن مدن لم يزرها الكتّاب قطّ. اليوم، يمكن للتكنولوجيا أن تقدم المساعدة عبر طلب شرح لأهم شوارع نيويورك أو مكتباتها، أو تقديم معلومات مساعدة. وبعد ذلك، يمكن للكاتب أن يطلب من الحاسوب إضافة بعض الاقتباسات أو إزالة الالتباس، ليضفي على النص طابعًا أدبيًا.
لا أسمي هذا إبداعًا، بل أسمّيه توثيقًا. ومن جهة أخرى، التحولات في العالم الأدبي أمر طبيعي، لأن الأدب هو أحد العلوم الإنسانية. تحولات الحياة تؤدي إلى تغيرات في هذه العلوم، بما في ذلك الأدب، نظرًا لارتباطه بمنهجيات الكتابة والنقد. العلوم الإنسانية ترتبط بسلوكيات الأفراد، وهي سلوكيات يصعب صياغة قوانين صارمة لها كما هي الحال في العلوم الطبيعية. لذلك، من الصعب أن تكون الأمور الأدبية مبرمجة بالكامل.
سيحدث تحوّل في الأدب، لكننا لا نعرف كيف سيكون. علينا الانتظار، والاعتماد على الكتابات وردود فعل القراء، لأن القارئ جزء أساسي من الإبداع الأدبي. أعتقد أنه سيكون هناك نوع جديد من الأدب المرتبط بالتحولات الرقمية، كما تغيرت الكتابات الأدبية في العقود السابقة. الأدب دائمًا ما يرتبط بالتغيرات الإنسانية، سواء في زمن أرسطو أو خلال التحولات الاقتصادية والثقافية التي أثّرت في الفكر الإنساني. الأدب، والفنون بشكل عام، يتبعان حركة الفكر والتغيير. لا يمكننا الحكم الآن على ما هو في بداياته، ويبقى السؤال: أي أدب نريد أن نكتب؟
هناك أجيال تختلف عن بعضها البعض في العمر والظروف الزمنية. لدينا الجيل القديم، وجيل “زد” الذي يبلغ أفراده اليوم 25 عامًا، وجيل “ألفا” الذي وُلد مع التكنولوجيا. إذًا، أي نوع من الأدب سنكتب لهؤلاء الأجيال؟ الأدب يحتاج إلى أن يحاكي هذه الأجيال الجديدة وأن يفهم طريقة تفكيرهم. نحن في عصر “ثقافة التّمظهر”، وسيكون لهذا تأثير في الإنتاج الأدبي. الخوف يكمن في أن يتوجه صُنّاع الأدب نحو كتابة أدب يتماشى مع هذه الثقافة الجديدة المبنيّة على البساطة والسهولة. وهذا قد يكون أحد التحدّيات الكبرى التي يواجهها الأدب، لأنه يعكس ثقافة المجتمع.
تجربة الأدب الرقمي في العالم العربي لم تنجح حتى الآن، ولم تترك تأثيرًا واضحًا في الصورة الثقافية والأدبية القائمة. أدب الروبوتات يكرر ما هو موجود ولا يبدع شيئًا جديدًا. نحن في مرحلة “الاجترار الرقمي”، بحيث تُعاد الأفكار من دون إضافة نكهة أدبية أو تنوّع. البرامج التوليدية تنتج نصوصًا متشابهة، وتفتقر إلى العمق. الأدب، كونه فنًّا، يحتوي على مشاعر لا يمكن برمجتها أو حوسبتها. ليس الأدب معادلات إحصائية أو رياضية، وما زلنا بعيدين من التطبيقات التي يمكن أن تحل محل الإدراك البشري المرتبط بالحواس.
لكي يكون هناك إنتاج أدبي عربي رقمي، يجب أن تكون التطبيقات الداعمة موجودة، وهي غير متوفرة توفّرًا كافيًا حتى الآن. الإنتاج الأدبي باللغة العربية ما زال غير مرقّم أو مفهرس بطريقة تتيح فهمه رقميًا. إدراك الناس للنصوص يقلّ إذا علموا أنّها مكتوبة بوساطة الحاسوب. يبقى السّؤال: كيف ستستوعب الأجيال المستقبلية هذا الأدب خلال السنوات المقبلة؟ من الصعب الحكم حاليًا، لأننا لا نستطيع التنبؤ بدقة بشأن كيفيّة التغيرات المستقبلية. نحن بحاجة إلى مفاهيم جديدة تتماشى مع التحولات الرقمية. إنّ ردة فعل الأدباء تجاه الذكاء الاصطناعي تُظهر رفضًا، برغم أنهم يستخدمونه في بعض الأحيان. هناك فرق واضح بين التوثيق والإبداع. يجب التمييز بين الإبداع كعملية إنتاج الفكرة وتنفيذها، وبين التوثيق كعمل تقني داعم.
د. سالي حمود (كاتبة وأكاديمية مختصّة في الذكاء الاصطناعي): من المهم ألا نعتمد اعتمادًا كاملًا على هذه الأدوات
تُعدّ الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي مساعِدة في مجال الأدب والإبداع. فكثيرًا ما يواجه الكُتّاب حبسة الكتابة وقد تكون موقتة، بمعنى حين يعجزون عن تحديد نقطة الانطلاق أو تطوير الحبكة. هنا تأتي هذه الأدوات لتقديم الدعم، ولتساعد الكاتب في بناء الحبكة وترتيب الأفكار والكلمات في سياق مترابط.
ومع ذلك، يجب أن نكون واعين للتحديات النّاجمة عن هذا التطوّر، لأنّه أصبح واقعًا. فقد شهدنا حديثًا احتجاجات في هوليوود، حيث بدأت بعض الشركات باستخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة النصوص التلفزيونية والسينمائية. هذا التحول أثار تساؤلات عن تأثير التكنولوجيا في المجالات الإبداعية، وأصبح من الواضح أننا نقترب من مرحلة يتعين علينا فيها التكيف مع هذا الواقع الجديد.
من جهتنا، يجب أن نكون مستعدين لاستيعاب هذه الأدوات والتعامل معها بوعي. على سبيل المثال، ألاحظ أن العديد من طلّابي في الجامعة يعتمدون على هذه التقنيات، ما يدفعني للتأقلم مع هذا التغيير وتوجيههم للاستفادة منها إيجابيًّا. فالتكنولوجيا، في نهاية المطاف، أدوات نطوّرها لتحسين حياتنا وتسريع العمل.
لكن من المهم ألا نعتمد اعتمادًا كاملًا على هذه الأدوات، لأن الأدب الذي تنتجه الروبوتات سيبقى ناقصًا، يفتقر إلى العمق الإنسانيّ والبعد الأدبيّ النّابع من التأملات الشخصية والتجارب الفردية لكل كاتب. ربما تبدو النصوص الناتجة عن الذكاء الاصطناعي مبهرِة عند القراءة الأولى، ولكنّها تفتقر إلى الصدى العاطفي الذي يميز الأدب الإنساني. لا شكّ في أنّنا نحتاج إلى وقت للتكيّف مع هذه التغييرات، لكن الأدب الإنساني سيبقى دائمًا متفوقًا بفضل الروح الإنسانية والتجارب الشخصية التي تضفي عليه عمقه وأصالته.
الإبداع والابتكار يرتبطان بالإنسان وحده، فهما نتيجة مباشرة لاستخدام ذكاء الإنسان وتحليله وتفكيره. الإبداع لا ينشأ من فراغ، بل من المخيّلة التي تحمل تجارب الإنسان وأفكاره التي تتقاطع مع قيمه وشروط حياته، إضافة إلى تأثير تربيته ونمط عيشه.
قبل أن نتحدث عن أدب الروبوتات، من المهم استعراض أنواع الأدب المختلفة التي تعكس البيئة والمحيط، مثل الأدب الروسي، والعربي، والإنكليزي. هذه الأنواع تحمل ثقلًا تاريخيًا عظيمًا، وعبرها ربما يمكننا فهم وتحليل تاريخ كامل لحقبة ما، يعكسها الأديب بكتاباته. الأدب هو مرآة للمجتمع والثقافة، وهو تعبير عن التجربة الإنسانية بجميع تعقيداتها وآلامها وأفراحها.
وعند الإجابة عن السؤال المتعلق بأدب الروبوتات، يمكن القول إنه نوع جديد ومبتكر سيؤثر بلا شك في الأدب الإنساني وسينافسه. ومع ذلك، يبقى الأدب الإنساني أكثر أهمية ورواجًا لأنه ينبع من تجربة الإنسان الشخصية. أدب الروبوتات، بالرغم من ذكائه القائم على البرمجة، يظل محكومًا بالبيانات المُدخلَة إليه. فهو قادر على الربط والتحليل واسترجاع المعلومات، ولكنّه يفتقر إلى العاطفة والتجربة الحية التي تميز الكتابة الإنسانية.
لا يمكن استنساخ تجربة الأديب، لأنه يكتب انطلاقًا من مشاعره وآلامه وأفكاره التي تشكلت عبر مراحل حياته المختلفة. عندما نقرأ الأدب، نعيش وجع الكاتب وتفكيره ونفهم ما يمرّ به، مهما كانت خلفياته الثقافية. على سبيل المثال، عندما نقرأ لجبران خليل جبران الذي ترك لبنان منذ زمن بعيد، نجد في كتاباته صدىً عميقًا لعلاقته بوطنه وتجربته فيه، حتى في ظلّ غربته تعبر كتاباته عن آلامه وارتباطه بجذوره، لتظهر مساحاته الخاصّة وشخصيّته الفريدة. الأدب الإنساني، إذًا، سيبقى متفوقًا بفضل عمقه وأصالته، فضلًا عن تعبيره الصادق عن التجربة البشرية.
مارلين نوسباوم/ سالي حمود (يسار)
د. مارلين نوسباوم: الذكاء الاصطناعي لا يؤدّي دورًا مهمًّا في الكتابة الإبداعية
برأيي، لا يؤدّي الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًّا في الكتابة الإبداعية. إن دوره يقتصر على تقديم المساعدة في البحث أو إعداد المراجع الأدبية. ومع ذلك، حتى في هذه المهام، يجب على الإنسان أن يعيد التحقق من النتائج لضمان دقتها وصحتها.
هل سيتغير نوع الكتابة الأدبية أو يختفي؟ السؤال مطروح لكني لا أعتقد أنّ ذلك سيحدث. ليست أدوات الذكاء الاصطناعي قادرة على الإبداع بمستوى البشر؛ يمكنها إعادة تركيب البيانات الموجودة مسبقًا بطرائق جديدة فقط. أمّا الإنسان، فعبر خياله وإبداعه، يستطيع ابتكار عوالم وأفكار جديدة. لهذا السبب، سيظل الذكاء الاصطناعي متأخرًا بخطوة عن البشر في موضوع الإبداع، وهو عنصر أساسي ذو أهمية كبيرة في الكتابة الأدبية.
ما زال العديد من الناس يعتبرون منتجات الذكاء الاصطناعي أقل جودة بالمقارنة مع ما يبدعه البشر. يعود ذلك جزئيًا إلى الأخطاء التي ما زالت تقع فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي عند تقديم نتائجها، إضافةً إلى الجهد البشريّ الأقل الذي يتطلبه إنجاز المنتج النهائي عند استخدام هذه الأدوات.
الكاتب أو الكاتبة الأدبية يستخدمان خيالهما وأسلوبهما الخاص في الكتابة لإبداع كل عمل جديد. أمّا الذكاء الاصطناعي، فلا يمكنه إلّا الاعتماد على المعلومات المستمدّة من مصادر موجودة سابقًا ليعيد تركيبها وتشكيلها. وعلى الرغم من أن هذا قد يؤدي إلى إنتاج عمل جديد، إلّا أنّه لن يكون بالإبداع ذاته الذي تتميز به الأعمال التي يبدعها البشر. ذلك لأنّ البشر يمتلكون القدرة على الابتكار واتّباع مسارات جديدة تمامًا، وهو ما يعجز الذكاء الاصطناعي عن تحقيقه.
في الوقت الحالي، يمكن غالبًا التعرف بسهولة إلى النصوص التي تُنتجها تقنيات الذكاء الاصطناعي، لأنّها تتضمن عادةً أخطاء لغويّة أو مضمونًا يفتقر إلى الدقة. كما أن هذه النصوص تعتمد بالكامل على نصوص مكتوبة سابقًا، مما يعني أنّها لا تقدّم أيّ جديد، إلّا إذا توفّرت لها أفكار جديدة من قبل الإنسان.
برأيي، يمكن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي كوسيلة مساعِدة في الكتابة الأدبية، ولكنّها لن تستطيع أبدًا أن تحل محل الإبداع، أو غنى الأفكار، أو الجهد الكبير الذي يضعه الكتّاب والكاتبات في أعمالهم. إن الإبداع الإنساني سيبقى العنصر الذي يميز الأدب ويجعله فريدًا.
د. سرجون كرم: نحن بمرحلة مخاض والجيل بعدنا سيصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا من حياته
إن موضوع الذكاء الاصطناعي يواجههنا بشكل متزايد في كل تفاصيلنا الحياتية. فمن الجدال الدائر في المدارس ما إذا كان وسيلة يستفيد منها الطلاب إن تمت مراقبتها، إلى طرف من الأساتذة والأهل يرفض هذا الموضوع تمامًا. يضاف إلى ذلك التحدي الذي نواجهه في المجال الأكاديمي، ما إذا كانت أطاريح البكالوريوس والماستر تتم صياغتها عبر الذكاء الاصطناعي، وبطريقة لا يمكن اكتشافها بسهولة رغم بعض البرامج التي تراقب هذا الأمر، إلا أن التحدي كبير. ولكن في المحصلة نجد أن الذكاء الاصطناعي بدأ يحتل مجالات كثيرة في الحياة وإجاباته مركزة في اتجاه نظام عالمي جديد، سواء في الاسئلة المتعلقة بالصراعات والسياسة والإنسانية والجنس الثالث وحتى في تصوره للمضمون في النصوص الأدبية والفلسفية التي في رأيه يجب أن تكون في اتجاه عام محدد. وخلال عملنا في مشروع ترجمة الشعر العربي الحديث إلى الألمانية كنا قد طرحنا هذا السؤال مرارًا وتكرارًا خلال عملنا على نصوص شعرية تتشابه في موضوعها ومضمونها في الغربة والألم والقلق الإنساني والجسد والحرية وسقوط مفاهيم القومية وهوياتها، وهذه المواضيع يتبناها الذكاء الاصطناعي تمامًا. نحن نعيش في مرحلة مخاض، والجيل بعدنا سيكون مختلفًا عنا، وسيصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا من حياته من دون مناقشات، وهذا الجيل ستكون أفكاره هي أفكار الذكاء الاصطناعي، أي الذائقة الجمعية ستكون واحدة لدى الطرفين في مفهومها للجمال والأخلاق. صحيح أن الذكاء الاصطناعي اليوم ما زال مقصّرًا نوعا ما في صياغة النصوص الشعرية ولكنه يطوّر نفسه بنفسه، وسيأتي اليوم لأن يكون هو كاتب نصوص وليس مجرد عامل مساعد للشعراء والروائيين الذين يلجأون إليه حاليًا لتوسيع دائرة الأفكار.
سرجون كرم/ هبة شندب
د. هبة شندب: الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى عنصر الإلهام
إن الأدب هو مصدر الإبداع الذي يشع من أعماق النفس الإنسانية للكاتب، فهو يعبر عن العاطفة التي تفيض من القلوب والمشاعر وعن الأحاسيس التي تلامس أرواح القراء، وهذه هي الركائز الأساسية للأدب الإنساني. في الحقيقة، يؤدي الذكاء الاصطناعي دورًا لا بأس به في الكتابة الإبداعية ولكن أحيانًا يسرد العبارات الأدبية سردًا ببغائيًا، ويفتقر إلى عنصر الإلهام الذي يميّز التعبير البشري وإلى الوحدة اللغوية وتماسك النص الأدبي.
وإن الذكاء الاصطناعي قادر على أن يقدم لنا صورًا بيانية، وهي في الحقيقة نوعًا ما إبداعية ولكن ما زالت بعيدة الى حد ما عن الإحساس الإنساني الذي يميز النفس البشرية في تعبيرها. وإن السبب في قدرة الذكاء الاصطناعي على تقديم أجمل العبارات الأدبية البيانية هو وفرة البيانات التي يتم تخزينها سحابيًا Cloud Storage من خلال الأنظمة المعززة AI-Powered Systems التي تحاكي العقل البشري في جزء منها.
أنا أفضّل أن أنظر فقط إلى النصف الملآن من الكوب لأنني أرى أن أبواب الإبداع الأدبي أصبحت مشرعة أكثر أمام الكتاب والشعراء بفضل توفر أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative Artificial Intelligence على وجه الخصوص. وهذا يعني أن الأدب سيشهد تقدمًا على مستوى الغنى التعبيري واللغوي على حد سواء، ولكن بالرغم من براعة أدوات المعالجة الطبيعية للغات Natural Language Processing في إنتاج محتوى يحاكي ما يخطه الإنسان، إلا أنها تبقى عاجزة عن أن تحل مكان المبدعين الحقيقيين، فالحس الإنساني والمشاعر النابضة بالحياة هما ما يروي عطش الإنسان للتعبير البلاغي الأدبي وهما من يمنح الكلمات روحها.
برأيي، إنّ لدى البعض منهم الكثير من المخاوف من تأثير المحتوى الذي يولده الذكاء الاصطناعي على آفاق الكتابة ومستقبل الإبداع البشري، وهم يخشون أن تتراجع روح الابتكار أمام خوارزميات AI-algorithms لا تحمل نبض القلب الإنساني. ومن هنا أنا أدعو الأدباء والشعراء إلى التعرف أكثر على أدوات الذكاء الاصطناعي لأن ذلك سيسبب لهم صدمة إيجابية حول قدرة الذكاء الاصطناعي على تعزيز الكتابة الإبداعية وإغناء المخزون اللغوي وخاصة للأدباء الحديثي العهد بالكتابة الإبداعية. فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية ومفيدة في عدة مجالات، ومن أبرز الفوائد التي يقدمها ما يلي:
– تحفيز الإبداع
يستطيع الذكاء الاصطناعي اقتراح أفكار جديدة أو بناء جمل وأبيات شعرية تُحفّز الكاتب على استلهام أفكار مبتكرة.
يساعد في توليد نصوص أو قصائد أولية يمكن تطويرها لاحقًا.
– تحليل النصوص
يساعد الأدباء في تحليل أعمالهم من حيث الأسلوب، النمط، والتكرار، مما يمكنهم من تحسين كتاباتهم.
يوفر أدوات لتحليل نصوص أدبية كلاسيكية واستلهام تقنيات وأساليب منها.
– التدقيق اللغوي والإملائي
يسهّل الذكاء الاصطناعي عمليات التدقيق اللغوي والإملائي للنصوص، مما يوفر الوقت والجهد على الكتّاب.
يقدّم اقتراحات لتحسين الصياغة والأسلوب.
– استكشاف أساليب أدبية جديدة
يمكن أن يحاكي أساليب أدبية مختلفة (مثل الكتابة بأسلوب شكسبير أو المتنبي)، مما يفتح آفاقًا لاستكشاف طرق تعبير جديدة.
– الترجمة الأدبية الذكية
يقدّم ترجمة أدبية دقيقة للنصوص، مع مراعاة الأسلوب والمعنى، مما يساعد الأدباء في الوصول إلى جمهور عالمي.
– الإلهام من قواعد البيانات
يمكن للذكاء الاصطناعي البحث في قواعد بيانات ضخمة عن اقتباسات، أحداث تاريخية، أو رموز ثقافية يمكن توظيفها في الكتابة.
– الترويج للأعمال الأدبية
يساعد في تصميم استراتيجيات تسويق فعّالة للأعمال الأدبية عبر تحليل الجمهور وتوقع اهتماماتهم.
– التجارب التفاعلية
يمكن للذكاء الاصطناعي المشاركة في بناء تجارب تفاعلية أدبية مثل القصص التي يشارك القارئ في تشكيل أحداثها. إذ يستطيع إنشاء روبوتات دردشة Chatbots أدبية تتيح للكتّاب التفاعل مع قرائهم، والإجابة عن أسئلتهم، أو تقديم مقتطفات من أعمالهم، خاصة إذا كان مصممًا لفهم عميق للأدب واللغة، مثل الـChatGPT. ويمكن لروبوت الدردشة تحليل وتفسير الأعمال الأدبية، ومناقشة الموضوعات، والرمزية، وتطور الشخصيات، والمشاركة في إنشاء القصائد أو القصص بشكل مشترك، أو استكشاف نهايات بديلة لأعمال أدبية شهيرة. يمكنه أيضًا مناقشة الحركات والفترات الأدبية والكتّاب وتأثيرهم على الأعمال الحديثة، أو مقارنة الأساليب الأدبية عبر العصور، كذلك يستطيع روبوت الدردشة تقديم توصيات حول الكتب أو المؤلفين أو الأنواع الأدبية بناءً على التفضيلات التي يتم مشاركتها أثناء المحادثة. ولكن على الرغم من أن روبوتات الدردشة يمكنها محاكاة النقاشات الأدبية وتقديم رؤى مثيرة للاهتمام، إلا أنها تفتقر إلى التجربة العاطفية الشخصية والإبداع الذاتي الذي يميز التفاعل البشري. ويبقى الحوار مفيدًا ولكنه يظل مختلفًا عن النقاش مع محبّي الأدب أو المختصين فيه.
يمكننا بالفعل أن نتحدث عن ظهور أدب الروبوتات Robot Literature كظاهرة مستقبلية بدأت تلوح في الأفق، ويبدو أنها ستصبح جزءًا من المشهد الثقافي والأدبي. هذا النوع الجديد من الأدب يمكن أن يتمثل في نصوص يُنتجها الذكاء الاصطناعي بشكل مستقل أو بالتعاون مع البشر، ويمكن أن يحمل سمات وإشكاليات فريدة تميزه عن الأدب البشري التقليدي. ومن أسباب ودلائل بروز أدب الروبوتات:
– تطور تقنيات الكتابة الإبداعية:
أصبحت نماذج الذكاء الاصطناعي قادرة على إنتاج نصوص أدبية بمستوى عالٍ من التعقيد والابتكار، بدءًا من الشعر والقصص القصيرة إلى الروايات التي تتبع حبكات مترابطة.
– التجريب الأدبي:
يفتح أدب الروبوتات المجال لتجريب أساليب جديدة، مثل النصوص متعددة النهايات أو القصص التي تتكيف مع مشاعر القارئ بناءً على تفاعلاته.
– الكم الهائل من البيانات:
تستفيد الروبوتات من قواعد بيانات ضخمة تضم آلاف الأعمال الأدبية، مما يمكّنها من استلهام الأنماط والأساليب المختلفة، بل وحتى تقليد كتابات كبار الأدباء.
– التعاون بين الإنسان والآلة:
قد ينتج أدب الروبوتات من شراكة بين الكاتب البشري والذكاء الاصطناعي، حيث يقدم الأخير الأفكار أو الأساليب، بينما يضفي الإنسان روحه وأحاسيسه.
على الرغم من هذه الفوائد، يبقى الإبداع البشري وروح الكاتب بمثابة العنصر الأساسي الذي لا يمكن للذكاء الاصطناعي استبداله، فالأدباء والشعراء يمكنهم استخدام هذه الأدوات لتعزيز أعمالهم، ولكن الأصالة والوجدان الإنساني سيظلان في صميم كل إبداع.
ديزيريه كايزر/ كورنيليا تسييرات (يسار)
د. كورنيليا تسييرات: الذكاء الاصطناعي سيؤدي دورًا متزايد الأهمية في الأدب
أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سوف يلعب دورًا متزايد الأهمية في الأدب. سيغير طريقة إنشاء النصوص وتحليلها. يمكن للمؤلفين استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة إبداعية أو مؤلف مشارك، ويصبح من الممكن إعداد الأدبيات الشخصية المصممة وفقًا لتفضيلات القارئ.
يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل كميات كبيرة من النصوص والتعرف على السمات الأسلوبية، مما يفتح آفاقًا جديدة للبحث الأدبي. يمكن أيضًا تصور الروايات التفاعلية والترجمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، هناك تحديات مثل الأسئلة حول الأصالة وحقوق النشر. لن يحل الذكاء الاصطناعي محل المؤلف البشري، لكنه يمكن أن يكون بمثابة أداة قيمة.
حقيقة أن الذكاء الاصطناعي أمر لا مفر منه في الأدب، كما هي الحال في المجالات الأخرى، تظهر من خلال أن الموضوع كان حاضرًا أيضًا في معرض فرانكفورت للكتاب في العامين الماضيين.
د. ديزيريه كايزر: الذكاء الاصطناعي غير قادر على خلق ترابط سردي أو إثارة داخلية في النصوص
بفضل الذكاء الاصطناعي، يبدو أن كل عقبة إبداعية يمكن تجاوزها، بحيث يمكن لهذه التقنية أن تحوّل الورقة البيضاء الفارغة مصدرًا زاخرًا بالنصوص. ومع ذلك، يتضح من الرواية الأولى الّتي أنتجها الذكاء الاصطناعي في الأدب الألماني، والتي كتبها الفيلسوف هانس بايور عام 2023، أنّ الذكاء الاصطناعي غير قادر على خلق ترابط سردي أو إثارة داخلية في النصوص. قد يساعد الذكاء الاصطناعي في توليد الأفكار عبر الاعتماد على تجميع الأفكار المُدخلة مسبقًا، ولكنّه ينتج محتوىً نمطيًا ومتشابهًا يفتقر إلى العاطفة والرؤية الإبداعية. هذه العناصر تبقى حكرًا على الإنسان وحده.