مقدمة
لا تُعتبر السلطة القائمة اليوم في دمشق سلطة شرعية، ولا حتى انتقالية، والقول بأنها تستمد شرعيتها من الثورة ينطوي على قدر كبير من عدم المصداقية والأمانة في الطرح، إذ إن توليها السلطة لا يتقاطع مع الثورة الشعبية بأي شكل من الأشكال. إن كنت تؤيدها، يمكنك تسميتها بـسلطة الطوارئ أو سلطة الأمر الواقع، وإن كنت لا تؤيدها، يمكنك تسميتها سلطة انقلابية. الأخيرة هي الأدق.
مسار لإصلاح سياسي عاجل
لا شك أن سوريا بحاجة ماسة إلى انتخابات برلمانية عاجلة تُجرى وفق دستور 1950، الذي تم التوافق عليه ديمقراطيًا آنذاك، قبل أن تلغيه سلطة انقلابية غير شرعية عام 1963. وبموجب هذا الدستور، يعود العمل به شرعيًا حتى تُجرى الانتخابات النيابية مرة أخرى. فقط استمع الأراء القانونيين السوريين عنه وستعرف مدى شرعيته. تُوزع السلطات وفق النظام البرلماني المعتمد فيه على النحو التالي:
” اعتمد دستور 1950 نظامًا برلمانيًا ديمقراطيًا يقوم على الفصل بين السلطات وتوازنها. كانت السلطة التشريعية بيد مجلس النواب، المنتخب من الشعب، وهو الجهة الأقوى في الدولة، حيث يشرّع القوانين، يراقب عمل الحكومة، يقر الميزانية، وله حق حجب الثقة عن رئيس الوزراء، مما يجبره على الاستقالة.
أما السلطة التنفيذية فتوزعت بين رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء. كان رئيس الجمهورية يتمتع بصلاحيات محدودة، حيث يُنتخب من البرلمان، ويمثل الدولة في العلاقات الخارجية، لكنه لا يستطيع توقيع الاتفاقيات أو إعلان الحرب دون موافقة مجلس النواب. كما يعيّن رئيس الوزراء، لكن الأخير بحاجة إلى ثقة البرلمان لممارسة سلطاته. كانت الحكومة مسؤولة عن إدارة الدولة، تنفيذ القوانين، والإشراف على السياسات العامة، لكنها خاضعة لمساءلة البرلمان.
أما السلطة القضائية فتمتعت باستقلال تام، حيث نص الدستور على عدم جواز تدخل السلطتين التشريعية أو التنفيذية في شؤون القضاء، وكان القضاة غير قابلين للعزل إلا وفق إجراءات قانونية محددة.”
بفضل هذا التوزيع، كان البرلمان هو الجهة الأقوى، بينما لعب رئيس الجمهورية دورًا رمزيًا أكثر منه تنفيذيًا، مما جعل النظام أقرب إلى النماذج البرلمانية الأوروبية، وعزز الممارسة الديمقراطية في سوريا قبل أن يتم تعطيلها لاحقًا بعد انقلاب 1963. وكل هذا معمول به على نطاق واسع اليوم عام 2025 في أفضل الديمقراطيات في العالم.
النتائج الأولية المرجوة
ستُنتج هذه الانتخابات سلطات منتخبة شرعيًا يمكن تسميتها سلطة انتقالية تملك تفويضًا شعبيًا لمعالجة القضايا الملحة في سوريا، مثل حصر السلاح بيد الدولة، وإرساء العدالة الانتقالية، وعودة المهجرين، وإعادة الإعمار، وغيرها من الملفات العالقة التي تحتاج إلى حلول جذرية.
النتائج النهائية المرجوة
يهدف هذا المسار إلى إنهاء الفترة الانتقالية، ومدتها أربع سنوات، عبر صياغة دستور جديد، بدءًا من حوارات محلية وصولًا إلى مناقشات برلمانية. كما يشمل إعادة توزيع السلطات وتنظيم الأقاليم بما يتناسب مع طموحات الشعوب السورية، سواء كان ذلك بنظام فيدرالي أو لا مركزي، إضافة إلى وضع البلاد على مسار ديمقراطي واضح المعالم مدعومًا بخطط تنموية مستقبلية.
الخاتمة
لا تملك سلطة الأمر الواقع اليوم أي أساس شرعي أو قانوني للتصرف بمصير سوريا وأتخاذ القرارات، لأنها لم تأت عبر صناديق الاقتراع. وأفضل ما يمكنها فعله هو التعاون مع المنظمات المدنية السورية والدولية لنقل السلطة بسلاسة إلى حكومة منتخبة ديمقراطيًا عبر انتخابات حرة ونزيهة.
إذا افترضنا حسن النية والإرادة السياسية لدى هذه السلطة، فمن الممكن تنفيذ هذه الانتخابات خلال فترة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر. أما إذا أصرت على التمسك بالسلطة وخلق شرعية زائفة عبر مؤتمرات وحوارات شكلية، فإن سوريا لن تشهد أي تقدم، بل على العكس، قد تجد نفسها في حالة تفكك جغرافي وسكاني تهدد كيانها الوطني على المدى المتوسط وحتى تلاشيها من خارطة العالم، فليس هناك فرصة للمزيد من القمع والأستبداد الذي اوصل البلد إلى حافية الهاوية اليوم ولم يبقى سوى دفعة صغيرة أخرى لتسقط في القاع.