حفاوة سعودية بالرئيس اللبناني
شكلت زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى الرياض فرصة للبناء على الإيجابية التي تحققت خلال الشهرين الماضيين بين البلدين، ويبقى أيّ تطور على الصعيد الثنائي مرتبطا بمدى قدرة القيادة اللبنانية الجديدة على الإيفاء بتعهداتها سواء على مستوى تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية أو إنهاء الحالة العسكرية لحزب الله.
الرياض – عكست حفاوة الاستقبال التي لقيها الرئيس اللبناني جوزيف عون من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارته المملكة، رغبة سعودية في فتح صفحة جديدة مع بيروت والعودة إلى الساحة اللبنانية بعد سنوات من الانكفاء، لكن من دون أن يعني ذلك الاندفاع لضخ أموال كما حصل في السابق.
واختتم الرئيس اللبناني صباح الثلاثاء زيارة إلى المملكة العربية السعودية بدأت الاثنين، وهي أول زيارة خارجية له منذ توليه المنصب في يناير الماضي.
ويرى مراقبون أن اختيار عون للرياض كوجهة أولى أمر متوقع، فالمملكة لعبت دورا محوريا في إقناع الكتل النيابية في لبنان بانتخاب قائد الجيش، لرئاسة الجمهورية، بعد أكثر من عامين من الفراغ.
ويشير المراقبون إلى أن القيادة اللبنانية الممثلة في رئاستي الجمهورية والحكومة تراهنان على السعودية وباقي الدول الخليجية للمساهمة في إنجاح العهد الجديد، سواء من خلال تقديم الدعم المالي لإنعاش الاقتصاد المأزوم منذ سنوات، أو في إعادة إعمار ما هدمته آلة الحرب الإسرائيلية، في ظل عدم اهتمام غربي بالقيام بهذا الدور.
ويقول المراقبون إن ما صدر حتى الآن من مضامين عن الزيارة التي أجراها عون للرياض، لا يؤشر عن استعجال سعودي لتقديم الدعم المتوقع لبنانيا، فالرياض كما باقي العواصم الخليجية لم تعد كما كانت في السابق تقدم مساعدات هكذا دون حسابات، وأن أي دعم من قبلها لا بد أن يقابل بما يخدم سياستها.
اتفاق على البدء في دراسة المعوقات التي تواجه استئناف التصدير من الجمهورية اللبنانية إلى المملكة العربية السعودية
ويوضح هؤلاء أن السعودية تريد أولا رؤية تحركات عملية من القيادة اللبنانية الجديدة سواء في علاقة بتطبيق خطاب القسم الرئاسي، أو في تنفيذ مضامين البيان الوزاري، مشيرين إلى أن أهم خطوة بالنسبة للمملكة هو إنهاء الحالة العسكرية لحزب الله وحصر السلاح في يد الدولة، والانطلاق في ورشة الإصلاحات الاقتصادية.
وكان خطاب القسم والبيان الوزاري تضمنا الإشارة إلى هذه النقاط، لكن الالتزام بها على أرض الواقع لا يخلو من صعوبات وتعقيدات، لاسيما في علاقة بحزب الله، فالأخير لن يقبل بالمرة إلقاء سلاحه رغم حالة الضعف التي يعاني منها، جراء الضربات القاصمة التي مني بها خلال مواجهته الأخيرة مع إسرائيل.
وأكد حليف حزب الله رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الثلاثاء، أن لبنان “لن يقبل أي محاولات لمقايضة المساعدات بشروط سياسية أو عسكرية، سواء أكانت متعلقة بسلاح المقاومة (حزب الله) شمال الليطاني أو غيره من الملفات الداخلية.”
وأشار بري إلى أن “إعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي يجب أن يكون أولوية وطنية، وأن لبنان يسعى للحصول على الدعم الدولي دون التفريط بحقوقه السيادية أو تقديم تنازلات تمس بمبادئه الوطنية.”
المملكة لعبت دورا محوريا في إقناع الكتل النيابية في لبنان بانتخاب قائد الجيش، لرئاسة الجمهورية، بعد أكثر من عامين من الفراغ
وفي ختام زيارة عون إلى الرياض، أعلنت السعودية ولبنان في بيان مشترك عن “اتفاق يقضي ببدء دراسة المعوقات التي تواجه استئناف التصدير من الجمهورية اللبنانية إلى المملكة العربية السعودية، والإجراءات اللازمة للسماح للمواطنين السعوديين بالسفر إلى الجمهورية اللبنانية.”
وخلا البيان المشترك من أي خطوات دعم عملية.
ومنعت السعودية في 2021 دخول الفواكه والخضار اللبنانية إليها بعد ضبط شحنات استُخدمت في تهريب المخدرات، لاسيما مخدر الكبتاغون، واتهام بيروت التي كانت حينها تخضع لهيمنة حزب الله بعدم التحرك.
وكانت السوق السعودية وجهة أساسية للصادرات اللبنانية من الفواكه والخضار، ففي العام 2019 شكلت الصادرات إلى السعودية 22,1 في المئة من إجمالي الصادرات اللبنانية في هذا القطاع، وفق تقرير حكومي لبناني نُشر عام 2020. كذلك، يعد التصدير متنفسا للمزارعين اللبنانيين في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.
وحثت السعودية قبل ذلك في العام 2016 مواطنيها على عدم السفر إلى لبنان والموجودين فيه على مغادرته، قبل أن ترفع الحظر لاحقا بعد ثلاث سنوات.
القيادة اللبنانية الممثلة في رئاستي الجمهورية والحكومة تراهنان على السعودية وباقي الدول الخليجية للمساهمة في إنجاح العهد الجديد
وعادت المملكة وفرضت في مايو 2021 حظرا على سفر مواطنيها إلى لبنان لا يزال ساريا.
وأعلنت الرياض قبل ذلك في العام 2016، أنها أوقفت برنامجا بقيمة 3 مليارات دولار لإمدادات عسكرية إلى لبنان احتجاجا على حزب الله.
وجاء في البيان المشترك تأكيد البلدين أهمية “بسط الدولة سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، والتأكيد على الدور الوطني للجيش اللبناني، وأهمية دعمه.”
وكانت الرياض، إحدى الدول النافذة تاريخيا في لبنان، ابتعدت خلال السنوات الماضية عن المشهد السياسي اللبناني وفترت علاقاتها مع السلطات اللبنانية بسبب تحكّم حزب الله بالقرارات السياسية الأساسية وولائه لإيران، خصم السعودية الإقليمي.
لكن الضربات العسكرية التي تلقاها حزب الله من إسرائيل خلال حرب امتدت على مدى عام أضعفته في الداخل اللبناني. وعلى هذه الخلفية، انتُخب عون رئيسا جديدا للبلاد، بدعم من دول عدة على رأسها الولايات المتحدة والسعودية.
وأكدّ الجانبان في البيان أيضا “ضرورة انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من كافة الأراضي اللبنانية.”
والأسبوع الماضي، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن قواته “ستبقى إلى أجل غير مسمى” في المنطقة العازلة على طول الحدود مع لبنان وأن انتشارها هناك “يعتمد على الوضع.”
وفي ختام الزيارة، وجه الرئيس اللبناني دعوة لولي العهد السعودي لزيارة لبنان، حيث أعرب الأمير محمد بن سلمان عن “تقديره لهذه الدعوة والترحيب بها.”