أُطلقت مبادرات فردية في مختلف المناطق السورية بهدف إغاثة أهالي الساحل بعد الأحداث الدامية التي شهدها، وقوبلت بالترحيب
يعمد المجتمع الأهلي في مختلف المناطق السورية إلى إطلاق مبادرات إغاثية في محاولة لإنقاذ مناطق وقرى الساحل المنكوبة، إثر الأحداث الطائفية الدامية التي شهدتها في السادس من مارس/ آذار الجاري، علّها تخفف قليلاً من الواقع الصعب. تقول مؤسسة مبادرة “ساعد” الإغاثية التطوعية في محافظة حمص، رحاب إبراهيم، لـ “العربي الجديد”، إنّه “كان للأدوية الحيز الأكبر من المساعدات نظراً للحاجة الكبيرة إليها في مثل هذه الظروف، في ظل عدم قدرة الأهالي على تأمينها. لذلك، شملت الحملة كميات كبيرة ومتنوعة منها”. تضيف أن حجم المساعدات التي وصلت إليهم خلال فترة قياسية كانت ضخمة “فعلى مدار خمسة أيام، استطعنا الوصول إلى مناطق مثل جبلة وريفها، وبانياس وبعض قراها، وقرى في ريف القدموس. أردنا الوصول إلى قرى تؤوي عائلات أهلنا المهجرين بسبب جرائم القتل التي تسببت بموجة نزوح”.
تتابع إبراهيم: “أنا ابنة مدينة حمص، فيما استهدفت الحملة بانياس، وضمت شبانا وشابات متطوعين. بالإضافة إلى المواد الغذائية والأغطية، عملنا على تأمين الحفاضات المخصصة لكبار السن وغيرها من التفاصيل التي قد يحتاجون إليها”. وتشير إلى أن “الأولويات تختلف من منطقة إلى أخرى. نعمل على التواصل مع الحملات التطوعية الأخرى لنتمكن من الوصول إلى أكثر الناس حاجة لإبقائهم سالمين. وكان هناك تسهيلات من قوات الأمن العام”. وتكشف إبراهيم أن الناس في حالة صدمة وذهول وخوف. خسر البعض أفراد عائلاتهم بالكامل، بالإضافة إلى ممتلكات وبيوت. تبدو بعض شوارع بانياس مثل مدينة أشباح، ومعظم الناس والأطفال الذين التقيناهم كانوا في حاجة إلى الدعم النفسي والشعور بالأمان مثل حاجتهم إلى الأكل والشرب. وتوضح أنه “رغم كل الوجع، يقابلنا الناس بابتسامة ما يدفعنا إلى مواصلة عملنا”، آملة أن تخفف هذه المساعدات من معاناتهم. تشرف إبراهيم بنفسها على توزيع المساعدات حتى تتأكد من وصولها إلى مستحقيها بشكل كامل، وتوضع المساعدات في أكياس ويتم إيصالها إلى كل بيت بالتنسيق والتعاون مع المخاتير.
في جبلة بمحافظة اللاذقية شمال غربي سورية – الساحل السوري – 12 مارس 2025 (عمر حاج قدور/ فرانس برس)
قضايا وناس
خوف وقلق يسيطران على أهالي الساحل السوري
من جهته، يقول مؤسس حملة “إيد بإيد”، رمضان ميّا، إن الحملة التي أطلقها تهدف إلى ترميم المنازل المحترقة في المناطق المنكوبة، وتضم عمالاً يعملون في مهن مختلفة. وتعتمد الحملة على التبرعات، على أن يبدأ لعمل على الأرض قريباً، إلى حين استكمال المبلغ المطلوب.
أما مؤسس مبادرة “كن عوناً”، محمد سليمان، فيوضح لـ “العربي الجديد”، أنها “مبادرة شبابية من دمشق، حاولنا من خلالها جمع معظم الفرق التطوعية التي بادرت إلى إغاثة أهلنا في الساحل، حتى لا تضيع الجهود ونستهدف المكان نفسه مرتين”. يضيف: “تواصلنا مع مجالس محلية في الساحل. وفي الأيام الخمسة الأولى، استطعنا إرسال حوالي 500 سلة غذائية تحتوي كل سلة منها على الأرز والسكر والبرغل والطحين والزيت والشعيرية، بالإضافة إلى شامبو ومحارم ومعطرات ومساحيق للتنظيف في حال عودة الناس إلى بيوتهم. استهدفنا القرى الأكثر حاجة بالتنسيق مع فريق يعمل هناك ويعرف الأماكن أكثر منّا”. ويوضح سليمان أنّ “تأثير الحملة ربما يشبه أثر الفراشة. المبادرة فردية وأردنا من خلالها التضامن مع الأهالي. حققنا إنجازاً في خمس قرى”.
بعض من آثار الأحداث الدامية في الشمال السوري، 12 مارس 2025 (عمر حاج قدور/فرانس برس)
بعض من آثار الأحداث الدامية في الشمال السوري، 12 مارس 2025 (عمر حاج قدور/فرانس برس)
ويشير إلى أن بعض المبادرات ركزت على تحويل وحدات للاتصالات، إلا أن الجهود الأكبر تقع على عاتق المنظمات والجهات الحكومية. يضيف: “قابلنا أهلنا بالامتنان والسعادة”، لافتاً إلى أنّ “الاحتياجات كثيرة من مواد بناء ودهان وغير ذلك. الكثير من البيوت حُرقت وسُرقت، فيما يحتاج آخرون إلى سلل غذائية وأدوية أو ثياب للأطفال”.
ويقول سليمان إن فريق العمل مؤلف من شباب متطوعين موجودين في 13 نقطة متفرقة من العاصمة دمشق، وقد استجابوا بعد وضع منشور وشعار الحملة “كُن عوناً” على فيسبوك. الصعوبة في البداية كانت التنسيق بين أعضاء هذه الحملة، ونقل المواد إلى النقطة المركزية قبل أن توضع في السيارات للتوزيع. “استطعنا تجاوز الصعوبات بسبب حماسة الجميع”.
بدورها، تتحدث الناشطة من حمص، وهي متطوعة في فريق حملة “ساعد”، حنين خليفة، لـ “العربي الجديد”، عن بعض صعوبات العمل. وتقول: “عانينا قليلاً بسبب ارتفاع أجور سيارات النقل وخوف السائقين من التوجه إلى قرى الساحل، لكن تم التنسيق مع شباب من المجتمع المدني مثل مبادرة السيدة رحاب إبراهيم الفردية. عملنا مع مبادرات انبثقت من أحياء حمص المدينة، وانضمت إليها مباشرة قوافل من الريف الغربي”. تضيف خليفة أن “إقبال الناس كان مدهشاً رغم وضعهم الاقتصادي السيئ، واستطعنا تقديم كميات كبيرة من المساعدات وصلت إلى حوالي عشرة أطنان حتى تاريخ 13 مارس الجاري، و15 طناً حتى تاريخ 15 من الشهر نفسه. وشملت المساعدات مواد غذائية ومستلزمات للنساء وثيابا لمختلف الأعمار، ومواد تنظيف”.
تصاعد أعمدة الدخان بعد اشتباكات وقعت في بانياس، مارس 2025 (Getty)
قضايا وناس
سوريون في بانياس يروون تفاصيل 5 أيام من الألم جراء أحداث الساحل
إلى ذلك، تواصلت “العربي الجديد” مع بعض المستفيدين في المناطق المتضررة. يقول عادل سليمان سعيد من قرية حريصون في ريف بانياس، إن عائلته حصلت على سلة غذائية كون الغذاء هو الأولوية في هذه الفترة بسبب صعوبة الحصول عليه. يضيف: “رغم الجراح الكبيرة، إلا أن إحساس الآخرين بمصابنا وجبرهم لخواطرنا المكسورة خفف قليلاً من معاناتنا”.
من جهته، يقول حسن سلمان: “حصلت على سلة غذائية وبطانيات بعدما أحرق منزلي بالكامل. لا أستطيع إخفاء حزني لما آلت إليه الأمور. بعدما كانت أحوالي ميسورة، أصبحت في حاجة إلى المعونات، ما جعلني أشعر بالانكسار والخجل”.
أما هيثم عروس المتضرر بشكل كبير من الأحداث الأخيرة، فيعرب عن امتنانه لكل شخص ساهم في جمع التبرعات وإيصالها للناس. ويقول إنه حصل على سلة غذائية تضم السكر والأرز والطحين والأدوية. فيما تشير زينب إلى أنها حصلت على مساعدات هي في أمس الحاجة إليها، منها الحليب والحفاضات لطفلتها الرضيعة، بالإضافة إلى ثياب لأولادها.
إلا أن هذه المبادرات لم ترض الجميع؛ إذ لم يكن التوزيع عادلاً في بعض قرى جبلة، بحسب أحد المصادر هناك الذي فضل عدم الكشف عن اسمه. يقول لـ “العربي الجديد” إن المساعدات وصلت لأشخاص وجمعيات بعينها وبعض المتنفذين، الذين حصلوا على معظم الحصص، فيما كان نصيب آخرين منها قليلاً.
