ولو أن الفكرة قديمة قدم الوجود البشري، إلا أن وسائلها تتطور بشكل خطير، وقد ذكر لنا القرآن الكريم تلك الظاهرة التي تصف شخصاً سيئ الأخلاق يكثر من الطعن في الناس وذمّهم ويشيع الفتنة والكراهية. هذه الصفة المكروهة، أخذت في عصرنا بعداً ضخماً تجاوز الأفراد ليصل من خلال البعض إلى التقنية الحديثة، أو ما تسمى وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يجد فيها ذلك الشخص أو تلك المجموعة طريقاً سهلاً لرمي الناس أو الدول أو المجتمعات بما يشينها ويخلق رأياً عاماً سلبياً حيالها
ذلك ما يسمى اليوم التضليل الإعلامي، وهو عملية نشر معلومات مغلوطة أو مزيفة، بهدف التأثير على الرأي العام أو تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية محددة.
يتمثل التضليل في تقديم معلومات غير دقيقة أو محرفة بطريقة تجعلها تبدو كأنها صحيحة، مما يؤدي إلى تكوين تصور خاطئ لدى الجمهور، عن الشخص أو المجتمع أو الدولة، وإلى حرف رأي الناس، وتوجيههم نحو قناعات وأفكار معينة تتوافق مع مصالح الشخص أو الجهة التي تقوم بالتضليل.
ومن مظاهره الكثيرة تعد الأخبار المزيفة المختصرة والسريعة، أحد أبرز مظاهر التضليل الإعلامي، إذ يتم نشر أخبار كاذبة أو محرفة بشكل متعمد، بهدف إثارة البلبلة أو تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية. قد تتضمن هذه الأخبار معلومات ملفقة أو مبالغاً فيها حول أحداث معينة أو شخصيات عامة، عادة ما يتلقفها الجمهور، بخاصة إن كانت غريبة وخارجة عن السياق، بقبول وربما بإعادة توزيع. كمثال أخير انتشر خبر عن طرد وزير الخارجية السوري الجديد من اجتماع الدول الأوروبية، وقتها طاف هذا الخبر على وسائل التواصل، واعتمده من له رغبة في تشويه الوضع السوري، حتى صدقه كثيرون، وتبين بالطبع كذبه.
اليوم يمكن تعديل الصور والفيديوهات المتوافرة باستخدام برامج التحرير، لإظهار الموضوع بشكل يوحي حدوثه بالفعل، وهو أمر لم يحدث فعلاً. قد يتم تحريف الصور والفيديوهات لإظهار شخصيات أو أحداث بطريقة معينة تخدم أجندة معينة.
من ضمن التضليل التلاعب بالأرقام والإحصاءات؛ ويتضمن هذا النوع من التضليل استخدام الإحصاءات والمعلومات بطرق مغلوطة أو محرفة، لدعم وجهة نظر معينة. قد يتم تقديم البيانات بشكل يبرز جانباً واحداً من القضية، ويتجاهل الجوانب الأخرى، مما يؤدي إلى خلق صورة غير دقيقة عن الحقيقة، معتمداً على كسل المتلقي في تدقيق الأرقام أو عدم إلمامه بها.
ويتم كل ذلك من خلال الحسابات المزيفة أو الروبوتات الرقمية (أي غير الشخصية) التي تنشر معلومات كاذبة، أو تحريضية، بهدف تحقيق تأثير معين على الرأي العام.
يهدف التضليل الإعلامي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، منها:
التأثير على الرأي العام: يسعى التضليل إلى تغيير وجهة نظر الجمهور بشأن قضية معينة لمصلحة الجهة التي تقوم بالتضليل. ومنها تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية؛ يمكن استخدام التضليل لدعم حملة انتخابية أو لتحقيق مكاسب اقتصادية معينة. ومنها إثارة البلبلة والفوضى؛ قد يهدف التضليل إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي أو السياسي من خلال نشر معلومات مثيرة للقلق أو الخوف.
ربما ما سبق كله أو بعضه تعرفه شريحة من الجمهور، المهم هو كيفية التصدي للتضليل الإعلامي.
وفي التقدير أن هذا الموضوع، وبخاصة مع تقدم الذكاء الاصطناعي، يتوجب أن يكون أولاً مساقاً مقرراً في برامجنا التعليمية، على كل مستوياتها؛ فشريحة الشباب هي المقصودة أولاً بالتضليل وتوعيتها هي الخطوة الأولى لوقف الاختراق المعلوماتي.
ثانياً، تمكين الشباب من طرق التحقق من المصادر، والتأكد من صحة المعلومات من خلال الرجوع إلى مصادر موثوقة وذات صدقية يتعرف عليها الطلاب.
وثالثاً، إشاعة منهج التفكير النقدي حتى يكون لدى الأفراد القدرة على تحليل المعلومات وتقييمها بشكل نقدي، بما يعزز المناعة المعرفية قبل تصديقها وإعادة نشرها.
وأخيراً التوعية والتثقيف في وسائل الإعلام المقروءة والمشاهدة ونشر الوعي بشأن مخاطر التضليل الإعلامي، وكيفية التعرف عليه والتصدي له.
يمثل التضليل الإعلامي تحدياً كبيراً للمجتمعات الحديثة، والدول والمؤسسات وحتى الأفراد ، بحيث يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الرأي العام، ويقود إلى اتخاذ مواقف خاطئة بل مميتة. من هنا، تأتي أهمية التوعية إلى ظاهرة “مشاء بنميم” المستجدة.