شهدت الأيام الستون الأولى من ولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية تغييرات جذرية في المشهد السياسي الأميركي الداخلي، إلى جانب إعادة تشكيل واسعة لعلاقات واشنطن مع حلفائها وخصومها في الأميركيتين وفي أوروبا وآسيا. أما في الشرق الأوسط، فبقيت الأهداف الاستراتيجية الأميركية بحسب قراءة في موقع معهد الشرق الأقصى، على حالها إلى حد كبير. فهل من اختراقات تذكر؟
وفقاً للقراءة، “لا تختلف سياسة ترامب في الشرق الأوسط عموماً اختلافاً جذرياً عن نهج إدارة جو بايدن، إذ يتشاركان الالتزام بإنهاء الحروب الأخيرة في غزة وفي لبنان، والعمل على إحلال السلام لكن الأمر يتطلب بعض التنازلات الاسرائيلية للفلسطينيين. كما يولي كلاهما أهمية كبيرة للعلاقات الاقتصادية والتكنولوجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، سواء كهدف بحد ذاته أو كوسيلة لمواجهة النفوذ الصيني في المنطقة، إلى جانب الرغبة في التوصل إلى اتفاق تفاوضي مع إيران.
ويبدو أن إدارة ترامب تسعى الى تحقيق اختراقين استراتيجيين كبيرين، حيث أخفقت الادارات السابقة: الأول، إنهاء الصراع العربي-الاسرائيلي والثاني، التوصل إلى اتفاق مع إيران. كلا الأمرين سيمثل إنجازاً تاريخياً، لكن التقدم في هذين المسارين لا يزال بطيئاً ومتعثّراً.
وترك فوز ترامب تأثيراً مباشراً على ديناميكيات المنطقة حتى قبل أن يتسلم مهامه رسمياً. فبعد أسابيع من انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقّع لبنان وإسرائيل اتفاقاً لوقف إطلاق النار بوساطة أميركية لإنهاء 15 شهراً من القتال. وقبيل تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني)، تم التوصل إلى هدنة بين إسرائيل وحماس شملت تبادل الأسرى. ووفقاً لتقارير، لعبت تصريحات ترامب ورسائله غير الرسمية دوراً في إتمام هذين الاتفاقين.
ورفع ترامب شعار إنهاء الحروب وعدم بدء نزاعات جديدة خلال حملته الانتخابية، وبدا في البداية أن هذا الهدف يُترجم إلى واقع. لكن الوضع على الأرض تبدّل سريعاً. ففي غضون شهرين فقط، انهارت الهدنة في غزة إلى حد كبير، واستأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية واسعة النطاق، بينما لم يتم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بالكامل، حيث تصاعد التوتر من جديد وسجلت غارة في ضاحية بيروت. وفي الوقت نفسه، انخرطت الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية مباشرة مع الحوثيين في اليمن، عبر توسيع نطاق ضرباتها الجوية ضد الحركة. والأحد الماضي، وجّه ترامب تهديداً علنياً الى طهران بشن حرب غير مسبوقة إذا لم توافق على صفقة مع واشنطن، وهكذا، تتلاشى آمال السلام مع تصاعد مؤشرات الحرب.
الملف الفلسطيني
وحتى الأول من أبريل (نيسان)، لم تحرز إدارة ترامب تقدماً كبيراً في أي من الملفات الرئيسية في الشرق الأوسط. في غزة، لا تزال الولايات المتحدة غارقة في مفاوضات مع حماس عبر وسطاء قطريين ومصريين في محاولة لضمان إطلاق سراح بقية الرهائن، والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، ووضع ترتيبات ما بعد الحرب للقطاع المدمر. أما في الضفة الغربية، فيزداد الوضع سوءاً.
لبنان: التحدي المقبل
وعلى الرغم من أن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان يبدو أكثر استقراراً مقارنة بغزة، لا يزال هشاً. فإسرائيل تحتفظ بوجود عسكري داخل الأراضي اللبنانية في خمس نقاط كما وشهد الأسبوع الماضي تصعيداً كبيراً، بحيث شنت إسرائيل غارات على بيروت، ما يزيد المخاوف من انهيار الهدنة بالكامل.
اليمن: نهج بايدن.. عود على بدء؟
أما في اليمن، فتتبع إدارة ترامب نهجاً مشابهاً لما فعلته إدارة بايدن – أي تنفيذ ضربات عسكرية مباشرة لإجبار الحوثيين على وقف هجماتهم في البحر الأحمر. لكن حتى الآن، لم تؤدِ هذه الضربات الى ردع الحوثيين، الذين واصلوا هجماتهم الصاروخية.
إيران: بين الضغط والفرص
وتدرك كل من إداراتي بايدن وترامب أن إيران تلعب دوراً محورياً في العديد من الصراعات التي تواجهها واشنطن في المنطقة. وقد استأنف ترامب حملة الضغط الأقصى، مهدداً طهران بضربات عسكرية غير مسبوقة، بينما أرسل في الوقت ذاته رسالة إلى المرشد الأعلى يدعو فيها إلى التفاوض. يبدو أن ترامب مستعدٌ لإنجاز اتفاق تاريخي، لكن طهران لم تُبدِ أي إشارة إلى استعدادها لتقديم تنازلات جوهرية.
وفي المحصلة، لم تحقق إدارة ترامب حتى الآن اختراقات جوهرية في القضايا العالقة في الشرق الأوسط، لكن الوقت لا يزال مبكراً. ويبدو أن المنطقة تسير باتجاه مزيد من التصعيد بدلاً من تحقيق حلول ديبلوماسية كبرى. فهل يتمكن ترامب، الذي يفاخر بلقبه كصانع الصفقات، من إحداث تغيير حاسم؟”.