يبدو أن عالمنا يمضي بتوقيت الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسياسته القائمة على مركزية العداء حيال الصين، المنافس الاقتصادي الأول لبلاده. فعند تعليقه على التوتر القائم بين الهند وباكستان، أشار إلى أنه أمر اعتيادي يحدث منذ 1500عام وستتم معالجة الأمر في النهاية، في حين أن الهند وباكستان حصلتا على استقلاليهما عام 1947والتوتر بينهما مرتبط بشكل رئيسي بتقسيم شبه القارة الهندية والنزاع على منطقة كشمير عند الحدود مع التنين الصيني.
وكأن الرئيس الجمهوري يعبّر عن جهله وتجاهله للأزمة بين البلدين النوويين، أو أنه يلمح ضمناً إلى تاريخ ميلاد الإسلام وانقسام الأمة الهندية لأسباب دينية، وهو ما يمكن توظيفه في إذكاء الصراع داخل منطقة كشمير التي تمثل بوابةً على طول مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان الذي هو ضمن مبادرة الحزام والطريق، بخاصة عبر الجزء الباكستاني (آزاد كشمير)، وهو ما تعترض عليه الهند باعتبار أن إقليم كشمير متنازع عليه.
فلسطين شبه القارة الهندية
الرواية التي تدعمها السلطات الباكستانية أن منطقة جامو وكشمير ذات الغالبية المسلمة التي تسيطر عليها الهند، تواجه المعاناة نفسها التي يعيشها الفلسطينيون داخل أراضيهم المحتلة، فقد قام الجيش الهندي بهدم منازل أهالي المتهمين بالتورط في عملية بهلجام الإرهابية بالإضافة إلى شن عمليات اعتقال وتنكيل واسعة، بينما تنتشر داخل الشطر الهندي من كشمير حركات مقاومة ضد السلطات الهندية. ولذلك تتهم وسائل الإعلام الباكستانية رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بتقليد نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قتل شعب كشمير، أو ربما وضع خطة لإحداث تغيير ديموغرافي من أجل القضاء على مراكز المقاومة هناك. كما تقوم بنشر تقارير عن تعاون عسكري واستخباري بين إسرائيل والهند يستهدف أمن كشمير وباكستان.
وتبدو رواية نيودلهي عن وقوف إسلام آباد وراء الهجوم على السياح في كشمير الهندية غير مبرّرة لكل هذا التصعيد والذهاب نحو شفا الحرب أو القيام بعملية عسكرية واسعة داخل الإقليم المتنازع عليه، لأن الهند هي الأخرى متهمة من باكستان بتقديم الدعم العسكري الى جماعات انفصالية داخل إقليم بلوشستان، آخرها عملية الهجوم على قطار “جعفر إكسبريس”، بخاصة أن الاضطرابات الأمنية في ذلك الإقليم تستهدف، في المقام الأول، مصالح الصين التي تسعى من هناك إلى إيصال تجارتها نحو مياه المحيط الهندي ومضيق باب المندب. كما أن الخطوات التصعيدية التي اتخذتها الهند ومنها تعليق معاهدة مياه نهر السِند التي وقعتها مع باكستان عام 1960، تبدو كأنها تهدف إلى فرض سياسة مائية جديدة.
تغيير في المعادلة الإقليمية
إن عودة حركة “طالبان” إلى الحكم في أفغانستان، وهو ما خطط له الرئيس الأميركي ترامب خلال ولايته الأولى، كانت بمثابة تغيير واضح لمكانة باكستان في المعادلة الإقليمية بالنسبة إلى أميركا، فمهمتها الاستخبارية الآن يجب أن تركز على أعداء الولايات المتحدة الصينيين، إذ لم تعد هناك حاجة أساسية لى الدور التقليدي الذي لعبته إسلام آباد في إسناد القوات الأميركية في أفغانستان واحتواء الجماعات المتطرفة.
وأمام هذا التغيير يمكن اعتبار هذا الهجوم، إن تورطت فيه إسلام آباد، بمثابة تحذير لنيودلهي التي احتلت مكانتها في أفغانستان إلى درجة تهديد الداخل الباكستاني، بخاصة أنها سعت إلى تحقيق توازن أمام الهند هناك باتخاذ خطوات إيجابية بدأتها بزيارة وزير خارجيتها محمد إسحاق دار لكابول. لكن تصريحات حكومة “طالبان” التي دانت عملية بهلجام كشفت بشكل واضح حجم هذا التغيير في المعادلة الإقليمية، بخاصة أنها تتهم أيضاً إسلام آباد بإيواء عناصر من تنظيم “داعش-خراسان” الذي ينفذ عمليات ضد نفوذ “طالبان” في أفغانستان.
وفي المحصلة، فإن صراع الهند مع باكستان بدا كأنه مُدبّر من أميركا، بهدف إبعاد باكستان عن المحور الصيني أو إزعاج بكين بالقلق على ممراتها التجارية، بدلاً من الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة معها.