.
زوجة تصفع زوجها، مشهد غير مألوف بين زوجين عاديين، فكيف بين رئيس وسيّدة أولى؟! إنّه مشهد ما اصطُلح على تسميته “كفّ ماكرون”. ما هي سوى لحظات حتّى انتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعيّ. لا أسرار في عصر التكنولوجيا. ولا يمكن “لملمة” الفضيحة في هذا الزمن.
تكذيب المشهد
بعد مرور أيّام لا يزال فيديو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو يتلقّى “صفعة” من زوجته “ترند” (Trend) على مواقع التواصل الاجتماعيّ على اختلافها. وكالعادة بدأت مخيلة المتابعين والناشطين عليها باختراع صور ومشاهد له. إنّه عصر الذكاء الاصطناعيّ الذي يمكنه رسم الشخصيّات وتركيب الصور والفيديوهات بدقّة. هذا ما حاول قصر الإليزيه استعماله حجّة لتكذيب مشهد “صفعة” بريجيت ماكرون لزوجها وهو يهمّ بالنزول من الطائرة الرئاسيّة التي أقلّته من باريس إلى هانوي، العاصمة الفيتناميّة، في رحلة استراتيجيّة سياسيّة واقتصاديّة واستثماريّة تقوده إلى عدد من دول جنوب شرق آسيا.
بيد أنّ التكذيب كان ضعيفاً. سترة بريجيت الحمراء ساهمت بإيضاح المشهد، وقد خرجت بها بعد لحظات من باب الطائرة. زاد من تأكيد المشهد تجاهُلُها ليد زوجها، الذي حاول تأبُّط يد زوجته كعادته، على سلّم الطائرة. فغالبيّة النساء لا يمكنهنّ ضبط مشاعرهنّ.
حاول قصر الإليزيه اتّهام المخابرات الروسيّة بتركيب الفيديو والوقوف خلف انتشاره. بعدها حاول ماكرون تفسير ما حدث بأنّه “مزحة”. ولكنّ الصفعة كانت أقوى من “مزحة”. حينها لم يعد بالإمكان سوى الاعتراف بأنّ الفيديو غير مفبرك، وما شاهده مئات ملايين الناس هو الحقيقة. وراح المحيطون بالرئيس يبرّرون ما حدث بأنّه شجار بين زوجين يمكن أن يحدث بين أيّ زوجين عاديّين. ولكنّ ماكرون وزوجته ثنائي غير مألوف.
نقل والدا ماكرون مكان سكن العائلة إلى العاصمة باريس أملاً أن ينسى ولدهما حبّ معلّمته. ولكنّه استمرّ في مراسلتها. وبقيت هي على اتّصال به
زواج غير مألوف
منذ انتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً لولاية أولى (2017) ظهر إلى الفرنسيين والعالم ثنائيٌّ “غير مألوف”. ليس فقط لأنّها تكبره بـ24 عاماً فحسب، إنّما أيضاً لغرابة العلاقة التي جمعت بين معلّمة وتلميذها.
قصّة الحبّ هذه بدأت في عام 1992. كانت بريجيت مدرّسة الفنّ الدراميّ في مدرسة في مدينة أميان الفرنسيّة وماكرون تلميذها. بدأ الإعجاب بين الاثنين أثناء نشاط مسرحيّ كانت المدرّسة تنظّمه وإيمانويل يشارك فيه مثل باقي رفاقه. ما هي إلّا أيّام حتّى بدأ الزملاء، الأساتذة والتلاميذ، يلاحظون العلاقة الخاصّة بين المعلّمة وتلميذها.
“سأتزوّجك مهما تفعلي”
يروي أحد رفاق ماكرون على مقاعد الدراسة أنّ بداية العلاقة كانت صعبة. كان هو بعمر الخامسة عشرة، وكانت هي متزوّجة ولها ثلاثة أولاد. ضغطُ الأهل والمجتمع كان كبيراً. بيد أنّ “العاشقين” واجها بقوّة. قال لها صراحة: “سأتزوّجك مهما تفعلي”. لم تستجب لضغوطات والدَي ماكرون اللذين خافا على ابنهما “القاصر” وحاولا حمايته من حبّ ربّما سيؤثّر سلباً على دراسته ونفسيّته. طلبا من المعلّمة عدم الاقتراب منه قبل بلوغه سنّ الـ18. فأجابتهما: “لا أعِدكما بذلك”.
ماكرون
نقل والدا ماكرون مكان سكن العائلة إلى العاصمة باريس أملاً أن ينسى ولدهما حبّ معلّمته. ولكنّه استمرّ في مراسلتها. وبقيت هي على اتّصال به.
الفضيحة
تروي تيفان، ابنة بريجيت، في كتاب لها صدر نهاية عام 2024، كيف أحدثت العلاقة “فضيحة” في المجتمع. شقيقتها لورانس كانت زميلة إيمانويل في الصفّ ذاته، وشقيقها يكبر ماكرون بسنتين. والكلّ كان يلاحظ تردّد إيمانويل إلى منزل العائلة. عند انتخابه رئيساً لولاية أولى كان ماكرون بعمر الـ39. كان أصغر رئيس في الجمهوريّة الخامسّة. وربّما أصغر رجل يصبح “جَدّاً” بعدما رزق أحد أبناء بريجيت ولداً.
تراجع شعبيّته
تأتي “صفعة” بريجيت في وقت دقيق وصعب في ولاية الرئيس الفرنسيّ الثانية وفي حياة الجمهوريّة الخامسة.
تأتي “صفعة” بريجيت في وقت دقيق وصعب في ولاية الرئيس الفرنسيّ الثانية وفي حياة الجمهوريّة الخامسة
منذ انتخابه لولاية ثانية (2022) يعاني ماكرون تراجع شعبيّته التي وصلت قبل أشهر إلى أدنى مستوياتها (20%)، قبل أن تعود لترتفع إلى 29%. ويعاني تعثّر السياسات الإصلاحية التي بدأها في ولايته الأولى. أجبره اعتراض الفرنسيّين على الإصلاحات على إسقاط حكومة إليزابيت بورن واستبدالها بحكومة غبريال أتال أملاً في إحداث صدمة إيجابية في بداية ولايته الثانية. بيد أنّ نتائج الانتخابات البرلمانيّة الأوروبيّة وتقدّم حزب “التجمّع الوطنيّ” بزعامة مارين لوبان أظهرا العكس، فاتّخذ قراراً مفاجئاً بحلّ الجمعيّة الوطنيّة.
تخبّط الجمهوريّة
أفرزت الانتخابات النيابيّة المبكرة جمعيّة وطنيّة مركّبة من عدّة كتل كبيرة من دون أن يكون لأيّ منها الأغلبيّة. فنشأ واقع سياسيّ غير مسبوق في الجمهوريّة الخامسة. استغلّ ماكرون حينها استضافة فرنسا للألعاب الأولمبيّة لتأجيل تسمية رئيس للحكومة أملاً بفضّ تحالف اليسار الذي جمع الحزب الاشتراكي وحزب “فرنسا الأبيّة” اليساري المتطرّف. لكنّه لم ينجح. بعدها التفّ على نتائج الانتخابات وعيّن ميشال بارنييه اليمينيّ لتشكيل حكومة سقطت بعد ثلاثة أشهر تحت قبّة الجمعيّة العامّة في سابقة هي الأولى في الجمهورية منذ 1958. بعد ذلك اضطرّ ماكرون إلى العودة إلى داعمه الأوّل فرانسوا بايرو. ولكن بعد ستّة أشهر على تشكيله الحكومة أكّدت استطلاعات الرأي تراجع شعبيّة بايرو إلى 20%.
زوجة تصفع زوجها، مشهد غير مألوف بين زوجين عاديين، فكيف بين رئيس وسيّدة أولى؟! إنّه مشهد ما اصطُلح على تسميته “كفّ ماكرون”.
معركة الرّئاسة
تأتي “صفعة” بريجيت أيضاً قبل سنتين من انتخابات الرئاسة الفرنسيّة. ربّما يرى البعض أنّ من المبكر ربط المشهد “الفضيحة” بانتخابات ستجري في 2027. بيد أنّ المعركة بدأت منذ صدور نتائج الانتخابات البرلمانيّة الأوروبيّة. القرار القضائي الذي صدر في آذار الفائت وحرم مارين لوبان من إمكان الترشّح شكّل أحد فصولها. صدر الحكم في إطار إدانة لوبان بملفّ فساد في البرلمان الأوروبيّ مع عدد من نوّاب حزبها ومساعديها.
إقرأ أيضاً: فرنسا تواجه الإخوان: أداة ناعمة لضرب المجتمع والدّولة
كان كثرٌ من المعجبين بثبات الارتباط “غير المألوف” الذي يجمع بين الرئيس الفرنسيّ وزوجته، لكن بعد الصفعة صار لا بدّ من السؤال عن مدى سيطرة بريجيت، المعلّمة السابقة، على تلميذها الذي هو اليوم رئيسها. هل هي صفعة المعلّمة أم صفعة الزوجة؟