فيما تتساقط في سوريا بقايا الصواريخ والمسيّرات المستخدمة في الحرب بين إيران وإسرائيل، نفت دمشق بشكل قاطع فتح أجوائها لاعتراض الصواريخ الإيرانية، وسط مخاوف من أن يؤثر الصراع على تردي الوضع الاقتصادي المتهالك أصلاً.
ونفى مصدر مسؤول في وزارة الإعلام السورية بشكل قاطع ما يتم تداوله من ادعاءات حول أوامر من القيادة السورية باعتراض الصواريخ الإيرانية فوق أراضي البلاد.
وقال في تصريح خاص لجريدة «الوطن» السورية: ننفي بشكل قاطع المزاعم التي تدّعي أن الرئيس أحمد الشرع أعلن فتح الأجواء السورية لاعتراض الطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية، وهذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة.
وتتأثر سوريا بالمواجهة التي تخوضها إسرائيل وإيران بمختلف أنواع الصواريخ والطائرات المسيرة والطيران الحربي منذ أيام. وسقطت بقايا صاروخ فوق درعا، كما سقطت مسيرة مؤخراً في طرطوس تسببت بوفاة سيدة متأثرة بجراحها.
وحذرت أوساط اقتصادية مختصة من آثار الحرب الإسرائيلية – الإيرانية على الأوضاع السورية، مشيرة إلى أنها سترفع مستوى التضخم وأسعار السلع والخدمات في الأسواق السورية، مطالبة الحكومة بوضع إجراءات احترازية وخطة طوارئ مستعجلة لاحتواء التداعيات.
وترافقت التحذيرات مع إعلان كل من دمشق وعمان عن تخفيض الرسوم المفروضة على الشاحنات والبرادات السورية الفارغة والمحمّلة التي تمر في الأراضي الأردنية، بما ينعكس إيجابا على التبادل التجاري بين البلدين، وبين دمشق وباقي دول الخليج العربي.
الليرة تخسر
وحذر الأكاديمي والخبير الاقتصادي زياد أيوب عربش من نتائج الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران على الاقتصاد السوري. وقال لـ «القدس العربي» إن هناك تأثيرات بأبعاد متنوعة وستطال مجمل النشاط الاقتصادي والتجاري في سوريا، محذراً من أنها ستَتسّع بمنعكساتها بطول أمد الحرب، خاصة أن مجمل دول الإقليم وضعت خطط الطوارئ الاقتصادية.
وبيّن أن الامتصاص المرحلي لارتفاع أسعار مشتقات الطاقة، أي أسعار الوقود وحوامل الطاقة، خلال الأيام المنصرمة وانخفاض قيمة العملة المحلية الليرة السورية مقابل الدولار، بنسبة 10 ٪ مقارنة بالتداول عشية الحرب، سيرفع من مستوى التضخم المستورد ومن المستوى العام لأسعار السلع والخدمات في الأسواق السورية.
واعتبر أن إلغاء وتأجيل مجمل زيارات الوفود الاقتصادية وملتقيات الاستثمار العربية ومع تركيا التي كانت مقررة منذ أسبوعين، وإغلاق المجال الجوي في عدة دول في الإقليم، وخاصة المجاورة لسوريا، سيكبح، وإن مؤقتاً، الديناميكية الدولية والإقليمية الإيجابية تجاه سوريا، التي سادت بعد رفع العقوبات منذ شهر.
وقال: إن مجمل الآثار ستقوض عملية نهوض اقتصاد سوريا المتهالك بالأصل، والبلاد بغنى عنها لهشاشة الوضع عموماً ولصعوبة اعتماد خطة دعم للمنتجين والمستهلكين على حد سواء، موضحاً أن أسعار السلع بدأت ترتفع وخاصة تلك التي تدخل في إنتاجها سلع ومدخلات وسيطة مستوردة بما فيها مشتقات الطاقة، وذلك ليس فقط لارتفاع أسعارها في أسواق الدول الموردة، لكن أيضاً لارتفاع كلف تأمينها ونقلها لإمداد السوق الداخلي.
خطة طوارئ ومنحة
وطلب من الجهاز الحكومي السوري وضع خطة طوارئ مستعجلة لاحتواء التداعيات وتعديل النهج الحالي من حبس السيولة، واستنزاف مدخرات السوريين بالدولار، المضر بالاقتصاد ككل، بهدف حماية المُنتج المحلي فعلياً عبر إجراءات جمركية مستعجلة كإلغاء كافة الرسوم على السلع الوسيطة ومستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي ورفع جوهري للرسوم على المستوردات الكمالية، وتلك المُهدِدة للنسيج الصناعي والصناعات الغذائية ككل، مع تفعيل أدوات التدخل الإيجابي إن لجهة تدخل المصرف المركزي لحماية الليرة السورية وحشد جهود المصارف لتأمين السيولة للمنتجين والمستهلكين، أو لجهة إعطاء منحة عاجلة تشمل كل شرائح المجتمع الهشة، وأن لا تقتصر فقط على موظفي القطاع العام.
وحذر من الآثار السلبية لاستمرار الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران وتوسع المستهدفات، بما يعني استمرار تعطل حركة الإمدادات بين دول الاقليم، وخاصة مع إغلاق مضيق هرمز والمجالات الجوية للشحن الدولي تجاه دول الإقليم وبين دول المنطقة.
وقال إن تعثر لوجستيات الإمدادات سينعكس على ارتفاع مزدوج لما تستورده سوريا، حيث سترتفع أسعار كل السلع الجاهزة والوسيطة لعمليات الإنتاج في دول المنشأ وفي دول العبور ومن ثم إلى سوريا، وستزداد كلف التصنيع مع الارتفاع الملموس لأسعار الطاقة وتعطل ممرات الإمداد البري والجوي والبحري، سيما وأن معظم دول المنطقة تبنت اجراءات الطوارئ اللازمة، والتي منها التوقف عن تصدير مدخلات انتاج عديدة نظراً لحاجتها لها وعدم ضمان التوريدات اللازمة لتجديدها.
ارتفاع مرتقب للسلع
وتوقع الأكاديمي والمستشار الاقتصادي أن تشهد سوريا في الأيام المقبلة ارتفاعاً ملموساً في تكاليف السلع الوسيطة للإنتاج وارتفاعاً بقيمة المنتجات المستوردة، إلى جانب صعوبات إضافية لاستعادة أسواق التصدير مع تزايد إعاقة حركة التجارة، متوقعاً أن تشهد السوق المحلية مزيداً من ارتفاع أسعار الوقود والسلع المستوردة وخاصة الغذائية، مع انخفاض طفيف في سعر عدد من منتجات الفاكهة التي كانت معدة للتصدير.
وبيّن أن تواصل الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران سيؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي ككل وخاصة السياحة التي شهدت عودة حميدة للمغتربين والجاليات العربية قبل عيد الأضحى، كما سيؤدي إلى تعطيل خطوط الإمداد وشبكات النقل البري خاصة مع الأردن والعراق، ومن لبنان أو تركيا في اتجاه دول الخليج العربي وبالاتجاه المعاكس، مع اغلاق طرق حيوية لكل دول المنطقة.
وأكد أن الحرب ستؤدي أيضا إلى ارتفاع كلف التأمين وإعادة التأمين، وتجميد مشاريع التعاون والاستثمارات الموقع عليها في الأسابيع الأخيرة، معتبراً أن استمرار إغلاق طرق حيوية جوية وبرية مع صعوبات وصول النواقل الى الموانئ السورية، وإعاقة حركة التجارة، يعني ليس فقط ارتفاعاً في الاسعار لكن ربما نشهد نقصاً في الوقود والمواد الأساسية إن طال أمد الحرب ولم تتخذ الحكومة الإجراءات الاحترازية، حسب أفقها الزمني.
إعفاءات أردنية
وبما يمكن أن يساهم بتخفيف ارتدادات الهجمات الإسرائيلية والإيرانية المتبادلة، أعلنت كل من دمشق وعمان عن تخفيض حجم الرسوم المفروضة على الشاحنات والبرادات السورية في الأردن. وكشفت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا، عن إجراءات جديدة لتنظيم عملية عبور الشاحنات السورية عبر الأراضي الأردنية.
وأوضحت أن «التعديلات المعتمدة تشمل فرض رسوم على الشاحنات والإدارات السورية الفارغة والمحمّلة التي تمر بالأراضي الأردنية، سواء في الاتجاه إلى الداخل الأردني أو إلى المناطق الحرة، على أن يُعتمد بدل خدمات المرور «وزن الشاحنة القائم (بالطن) × المسافة المقطوعة (بالكيلومتر) × نسبة 2٪ (بالدولار الأمريكي) مع تحويل القيمة إلى الدينار الأردني عند تنظيم البيانات الجمركية».
كما أعلنت الهيئة، حسب وكالة الأنباء السورية «سانا» عن إيقاف العمل بالغرامة المفروضة على الشاحنات الآتية من جمرك نصيب السوري إلى مركز جمرك جابر الأردني، والتي كانت تبلغ 200 دينار أردني.
وأعلنت وزارة المالية الأردنية أمس تخفيض وتوحيد الرسوم المستوفاة عن الشاحنات والبرادات السورية، سواء كانت محملة أو فارغة، والعابرة إلى الأراضي الأردنية، ترانزيت، أو الداخلة والخارجة من وإلى المناطق الحرة الأردنية، وذلك بدل خدمات المرور على الطرق.
ووفقاً للقرار الذي نشرته وكالة الأنباء الأردنية «بترا» فإن الرسوم تحتسب وفق معادلة معينة، لتصبح بنسبة 2 بالمئة بدلامن 5 في المئة، وتُستثنى من ذلك الشاحنات والبرادات السورية القاصدة والخارجة من أراضي المملكة.
وقالت وزارة النقل السورية في بيان صحافي نشرته على صفحتها الرسمية إن القرار جاء بالتنسيق بين وزارات المالية، والصناعة والتجارة والتموين، والنقل، ودائرة الجمارك العامة، بهدف تسهيل حركة العبور وانسياب البضائع بين الأردن وسوريا، ودعماً للتبادل التجاري بين البلدين الشقيقين.
وأشارت «النقل» السورية إلى أن هذا القرار جاء ثمرة مباشرة لزيارة وفد وزاري أردني إلى سوريا مؤخراً، حيث تم الاتفاق على مجموعة من الخطوات من شأنها تعزيز الاقتصاد المشترك، وتنشيط حركة النقل والتجارة البينية.
قفزات تجارية
وشهدت الحركة التجارة بين سوريا والأردن قفزات نوعية منذ سقوط النظام السوري السابق في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وأعلنت دائرة الإحصاء العامة الأردنية الشهر الماضي، ارتفاع صادرات السلع من الأردن إلى سوريا خمسة أضعاف خلال الشهرين الأولين من العام الجاري 2025.
وذكرت دائرة الإحصاء الأردنية أن الصادرات الوطنية الأردنية ارتفعت خلال الشهرين الأولين من العام الحالي بنسبة 482 في المئة، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.
وبداية الشهر الجاري، أعلن رئيس غرفتي تجارة عمّان والأردن، خليل الحاج التوفيق، عن ارتفاع ملحوظ في حجم التبادل التجاري مع سوريا، واصفاً الأرقام بأنها «غير مسبوقة».
وذكر في تصريحات لتلفزيون «المملكة» الأردني، أن اليوم الثاني من الشهر الجاري شهد قفزة كبيرة في عدد الشاحنات المحملة بالأسمنت، حيث وصل إلى 1700 شاحنة، مقارنة بالمعدل اليومي الذي يتراوح بين 600 و700 شاحنة منذ استئناف العمل في معبر «جابر» الحدودي في 23 آذار/ مارس الماضي.
وبلغ إجمالي عدد الشاحنات التي دخلت الأردن عبر معبر «جابر» الحدودي من الجانب السوري 55566 شاحنة، منها 30154 شاحنة أردنية، و5768 شاحنة سورية، و19644 شاحنة أجنبية، وذلك خلال الفترة الممتدة بين منتصف كانون الأول/ديسمبر 2024 ونهاية أيار/مايو الماضي.
في المقابل، بلغ العدد الكلي للشاحنات المغادرة من الأردن 59788 شاحنة، تتضمن 21574 شاحنة صادرات وطنية، و36805 شاحنات ترانزيت من مراكز أخرى، و1409 شاحنات فارغة.