لا يبدو أن معاناة السوريين المطلوبين لأجهزة النظام البائد الأمنية وأفرعه المخابراتية قد انتهت، حتى بعد سقوطه، مع استمرار سريان القرارات والإجرءات التي تقيد حركة الكثيرين وتمنع امتلاكهم الوثائق الرسمية، رغم إلغاء الحكومة الجديدة جميع البلاغات الخاصة بالملاحقات الأمنية وأحكام الاعتقال ومنع السفر بحق المعارضين.
ثلث الشعب السوري
وفي وقت سابق من شهر أيار/مايو المنقضي، أعلنت وزارة الداخلية السورية وجود أكثر من ثمانية ملايين شخص، أي ما يقارب نحو ثلث الشعب السوري، كانوا مطلوبين لأجهزة المخابرات والأمن التابعة للنظام البائد، لأسباب سياسية.
وفي شهر آذار/ مارس الماضي، أصدرت الداخلية قراراً بإلغاء جميع بلاغات منع السفر المتضمنة طلبات التوقيف والإعلام والمراجعة والتخلف عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية الصادرة بحق المواطنين، وبالتالي تحرير قدرة هذه الفئة على مغادرة البلاد أو الحصول على الأوراق الرسمية.
فيش الجوية
ومع ذلك، ما يزال طيف من المطلوبين السابقين، ومنهم محمود رسلان، يعانون في سبيل الحصول على وثائق سفر بسبب بلاغات صادرة عن الأجهزة المخابراتية والدعاوى الكيدية بحقهم خلال سنوات الثورة، ما يجعلهم مطالبين بمراجعة هذه الأفرع ورفع دعاوى لإزالة أسمائهم من قوائم منع السفر وتبييض ملفاتهم.
فوجئ محمود، وهو معتقل سابق في فرع المخابرات الجوية بحلب نهاية عام 2011، بوجود بلاغ منع سفر بحقه، خلال توجهه لاستخراج جواز سفر، ما يفرض عليه الذهاب إلى مقر الفرع لإزالة البلاغ والحصول على الوثيقة.
يقول لـ”المدن”: “من سخرية القدر أنني مجرد من حقوقي ومقيد الحركة في بلدي، بعد سنوات من الحرية عشتها في تركيا كلاجئ، تقدمها لي هوية الحماية المؤقتة، وذلك بسبب بلاغ منعي مغادرة سوريا وطلب مراجعتي لفرع المخابرات الجوية في حلب صدر.
ويرفض محمود الذي عاد رفقة أسرته إلى حلب نهاية شهر آذار/ مارس الماضي، مراجعة أي من الأفرع الأمنية والمخابراتية، وحتى الذهاب إلى دمشق لتقديم طلب إزالة اسمه “فهذه القضية من مخلفات النظام المجرم، وذهابي يعني اعتراف داخلي بمن أصدرها والخضوع لأمره”.
ويضيف: “فعلياً يمكن للشخص المطلوب التوجه بنفسه أو من ينوب عنه لتقديم طلب إلغاء الفيش من الحاسبة الرئيسية في دمشق، أو في محافظته، إن كانت خاصة بالمخابرات الجوية أو فرع الأمن السياسي والعسكري، وانتظار عملية الإزالة التي قد تأخذ وقتاً”.
ويؤكد انتظاره قراراً جديداً أو تفعيل الإجراءات السابقة لإلغاء فعلي وحقيقي لجميع القضايا الصادرة عن النظام البائد بحق من انتفض بوجهه ويشير إلى أن “العودة والاستقرار في حلب هذه المرة كانت دائمة، ومحاولة امتلاك الجواز كان لخطوة الحج أو العمرة”.
تعقيدات القضايا الجنائية
ومع التسهيلات المقدمة لأصحاب القضايا والبلاغات الصادرة عن الأفرع الأمنية والمخابراتية ذات الصلة بالحراك الثوري، يواجه المطلوبون للأفرع والمحاكم الجنائية، تعقيدات كثيرة ومعاناة في سبيل تفنيد التهم الموجهة إليهم والحصول على الوثائق الرسمية.
ويؤكد محمد من مدينة حلب، مراجعاته الدورية وانتظاره منذ نحو شهر عملية إزالة اسمه من قائمة المطلوبين للأمن الجنائي من الحاسبة الرئيسية في العاصمة دمشق، بعد تقديم جميع الاثباتات التي تفند دعاوى النظام البائد الموجة إليه، للحصول على ورقة “لا حكم عليه”.
ويوضح محمد أن “أبرز التهم التي لفقها النظام لاعتقالي هي السرقة وتشكيل عصابات خطف وسلب في أحياء مدينة حلب، خلال الفترة بين عامي 2013 و2015، والتي تضمنت أيضاً تهم سرقة لسيارات شرطة”.
ويقول: “جميع التهم ومذكرات القبض الصادرة بحقي، كانت خلال فترة عيشي في مخيمات المناطق المحررة ذلك الوقت، وانخراطي الحراك المدني، وهو ما قدمته لتبرئة ذمتي في دمشق، حيث يشترط إزالة فيش المنع من الحاسبة الرئيسية”.
ويشير محمد إلى وجود المئات من المراجعين يومياً للحصول على وثائق لا حكم عليه، بعد تفعيل المديرية في دمشق شهر أيار/مايو الماضي، والكثير منهم يتشابهون معه بالوضع الأمني “وتلفيق التهم عليهم بالسرقة والسلب وحتى وجود متهمين كثر بتجارة الأعضاء البشرية مع جماعات إرهابية أجنبية”.
حالات استثنائية
ويؤكد الخبير القانوني عبد الناصر حوشان، إلغاء الحكومة السورية جميع البلاغات الصادرة عن النظام البائد، الخاصة بالثورة ومحاكم الإرهاب والعسكرية، وبالتالي فإن كل مطلوب يواجه مشكلة، يستطيع مراجعة المركز المناسب لإنهائها.
ويوضح في حديثه لـ”المدن” أن النظام البائد لم يترك وسيلة للتضيق على السوريين عموماً، ومعارضيه على وجه الخصوص، ولفق مختلف أنواع التهم مع التركيز على تهم قضايا الإرهاب والانتماء للجماعات الإرهابية، وذلك بسبب حساسيتها لدى المجتمع الدولي.
ويقول: “دائماً ما كان النظام يدرج تهم متعلقة بالإرهاب في مذكراته، لعرقلة حياة الناس وجعلهم ملاحقين خارجياً، وهدفاً لأجهزة الأنتربول الدولي، وبالتالي يطلب من الشخص مراجعة الفرع أو المحكمة المختصة لإزالة اسمه، بهدف تسهيل حركته”.
ويشير إلى أن القرارات الحكومية ضمنت كل التهم والبلاغات، إلا أنه بطبيعة الحال يمكن أن يواجه بعض الأشخاص مشاكل، إذا كانت تهمهم مرتبطة بضبط شرطة أو ادعاء شخصي أو ما شابه ذلك، وما تزال قيد الدراسة ما يحتم عليهم المراجعة لحل المشكلة، التي تجري بسلاسة.
يذكر أن كثيراً من السوريين العائدين قد تفاجؤوا، مع وصولهم إلى المطارات أو المعابر الحدودية، بصدور بلاغات منع سفر بحقهم من جهات تابعة لحكومة النظام المخلوع، مما يفرض عليهم تسوية أوضاعهم ليتمكنوا من السفر، حيث قدرت الداخلية السورية أعدادهم بأكثر من 5 ملايين مواطن.
increase