في تحول أمني نوعي، تعرضت قاعدة عسكرية لقوات البيشمركة الكردية في إقليم كردستان العراق إلى هجوم بمسيرتين مفخختين ليل السبت – الأحد، ما يُنذر بإمكان حدوث تصعيد عسكري بين الإقليم والأطراف السياسية الراعية للجهات التي كانت تتبنى الهجمات السابقة على مناطق من الإقليم، بما في ذلك القواعد العسكرية لقوات التحالف الدولي.
الإعلان الصادر عن حكومة الإقليم، قال إن مسيرتين انتحاريتين استهدفتا قاعدة لقوات البيشمركة في منطقة بيرمام، ولم يسفر الهجوم عن ضحايا واقتصرت الأضرار على الخسائر المادية. والمنطقة المستهدفة تقع على بعد 40 كيلومتراً شمال أربيل، وهي قريبة من المقار الرئيسية للحزب الديموقراطي الكردستاني، بما في ذلك مقر زعيم الحزب مسعود بارزاني، ورئاسة الإقليم.
الهجوم تزامن مع إعلان جهة تسمي نفسها “المقاومة الإسلامية في العراق” استهدافها قاعدة حرير العسكرية في إقليم كردستان التي يشغلها جنود من قوات استشارية من الجيش الأميركي والجيوش المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، والقريبة من الموقع المستهدف لقوات البيشمركة. البيان ذكر أن الاستهداف تم بـ”الطيران المسيّر”، في تطابق لوجستي مع ما تعرضت له قاعدة قوات البيشمركة، مضيفاً “أن الاستهداف جاء استمراراً لنهج مقاومة قوات الاحتلال الأميركي في العراق والمنطقة، ورداً على مجازر الكيان الصهيوني بحق أهلنا في غزّة”.
سجال بين أربيل وبغداد
حكومة إقليم كردستان حملت الحكومة المركزية مسؤولية الهجوم الذي نُفذ على قاعدة قوات البيشمركة، مسمية الجهة الفاعلة بـ”فصيل خارج على القانون، نفذ فعلته بمساعدة عملاء مأجورين”، متوعدة الفاعلين بقولها “ننتظر رداً وخطوات فعلية من رئيس مجلس وزراء الحكومة الاتحادية في معاقبة تلك المجاميع، وندرس أي رد في الوقت والساعة المناسبين، وندعو جميع الأصدقاء والأطراف إلى عدم الصمت إزاء هذا العمل الإرهابي، وإلى دعم حكومة الإقليم في أي رد تراه مناسباً”.
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني طلب من الأجهزة الأمنية فتح تحقيق شامل في الهجوم، وقال مكتبه الإعلامي إنه وجه الأجهزة الأمنية بالتنسيق مع نظيراتها التي في الإقليم، للوصول إلى النتائج المطلوبة، والوقوف على الجهة المنفذة وكشف أسباب التصعيد الذي “يمس السيادة الوطنية ويحاول العبث بالأمن والاستقرار الداخلي”.
لاحقاً ذكر بيان لخلية الإعلام الأمني في قيادة العمليات المشتركة العراقية، بأن القائد العام للقوات المسلحة “وجه الأجهزة الأمنية بفتح تحقيق شامل في الاعتداء الإجرامي على مصيف صلاح الدين في محافظة أربيل بطائرة الليلة الماضية في موقع توجد فيه وحدات من قوات حرس إقليم كردستان العراق”.
رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني دان الحدث الأخير، وكتب على حسابه الرسمي في منصة X: “أشعرُ بقلق عميق إزاء الهجوم الإرهابي الذي استهدف قاعدة للبيشمركة شمال شرق أربيل، وأدينُ بأشد العبارات الخارجين عن القانون والمتواطئين معهم، نحن ندرك جيداً الألاعيب التي يمارسونها هنا، والخارجين عن القانون الذين يقفون وراءها، ولدينا الحق في الدفاع عن شعبنا”، وأضاف أن “هؤلاء يستغلون أموال الدولة وأسلحتها لمهاجمة إقليم كوردستان، وزعزعة استقرار البلاد بأسرها، ما يعرضها لخطر إعادة إشعال الصراع في بلد عاش ما يكفي من سفك الدماء”.
لكنّ السجالات السياسية المباشرة جاءت عبر متحدثين باسم الحكومتين في بغداد وأربيل، إذ قال المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان بيشوا هورماني إن “هذا الهجوم الإرهابي الذي نفذته قوة خارجة عن القانون بمساعدة المتعاونين معهم على مقر للبيشمركة يُعد أمراً خطيراً واستفزازاً”.
وحمّلت أربيل “الحكومة الاتحادية” المسؤولية “لأن هذه الجماعات الخارجة عن القانون يتم تمويلها من قبل الحكومة الاتحادية”. وأضافت أن تلك المجموعات “تتحرك بعلم الحكومة العراقية وينقلون الأسلحة والصواريخ والطائرات المسيرة وينفذون هجمات إرهابية ضد مواقع رسمية وعسكرية، في حين أن الحكومة العراقية صامتة ولا تتحرك لاتخاذ الإجراءات ضدهم، لكنها لا تتوانى عن قطع مستحقات شعب كردستان وتمويل هذه الجماعات بهذه الأموال”.
وردّ المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي على هذه التصريحات قائلاً إن “ما صدر يمثل تحاملاً غير مبرر على السلطات الدستورية، ومسؤوليتها الحصرية في حماية سيادة البلد”، منتقداً “التسرع في إطلاق الأحكام والإدلاء بتصريحات تفتقر للدقة”.
ووصف العوادي تصريحات المتحدث باسم حكومة الإقليم بأنها “غير بناءة وتضر بحالة الاستقرار السياسي والاجتماعي، ولا تتوافق مع سياسة الحكومة ومنهجها وبرنامجها الوطني، الذي التزمت فيه بالدفاع عن مصالح العراقيين في جميع أنحاء العراق وبلا تفرقة”.
أهداف سياسية
الباحث في الشؤون الأمنية جاسم عليوي الخضر شرح في حديث إلى “النهار العربي” الآليات التي تتخذها الجهات الضاغطة على الإقليم وقوات التحالف الدولي في العراق، للوصول إلى أهداف عدة داخلية وإقليمية، وقال: “أغلب الظن، لا تخفي الجهات المنفذة هويتها السياسية وتابعيتها ومراميها السياسية، فهي تملك شبكة واسعة من الإسناد السياسي والمنابر الإعلامية، المتناغمة في ما بينها، والمتطلعة إلى التحرش بقوات التحالف الدولي والجيش الأميركي في العراق، لمصلحة أجندة دولة إقليمية معروفة، لها حسابات وتوازنات خاصة مع الولايات المتحدة ضمن المشهد الإقليمي. كذلك تتوخى إضعاف إقليم كردستان أمنياً وسياسياً، كما فعلت مع الجهات والمناطق السُنية من العراق، لفرض هيمنة شاملة على الفضاء العراقي”، في إشارة واضحة إلى إيران.
وأضاف الخضر: “ثمة مكانة وموضع ما لا يُمكن لقوات البيشمركة وحكومة إقليم كردستان إلا أن ترد فيهما. فطوال الشهور والسنوات الماضية، حينما كانت العمليات العسكرية تستهدف قواعد التحالف أو المقار اللوجستية التابعة لها في الإقليم، كان الطرف الكردي يعتبر نفسه قابلاً لهضم المسألة من دون تصعيد، لكن وصول الأمر إلى حد مهاجمة مقار قواته المسلحة بقصد الإيذاء، هو ما لا يمكن أن يتحمله. وردوده يمكن أن تبدأ من الهجوم على بعض المقار والمنصات التي تستخدمها الجهات المهاجمة، ويمكن أن تصل إلى حد الانسحاب من الحكومة الاتحادية ومقاطعتها، محملاً إياها المسؤولية بوضوح لصمتها تجاه هذه الأعمال”.
من الجدير بالذكر أن العديد من الهجمات تُشن عن قاعدة حرير العسكرية للقوات الأميركية في إقليم كردستان، وإلى جانبها المقر اللوجستي لقوات التحالف بالقرب من مطار أربيل الدولي، وعادة ما تتبنى جهات عراقية مقربة من إيران تلك الهجمات، وتُصنف كأدوات ضغط إيرانية على الولايات المتحدة.
الأمين العام لمجلس تحرير العراق عبد الرزاق الشمري، قال لوسائل إعلام محلية في الإقليم إن “المجموعات المسلّحة التي تستهدف إقليم كردستان تهدف إلى تدمير الأمن والاستقرار في الإقليم، وتعطيل العلاقات بين أربيل وواشنطن… إذا كانت الولايات المتحدة دولة غازية، بحسب ادعاءات هذه المجموعات، فمن أتى بهؤلاء إلى السلطة؟ ولماذا لم تصفوا واشنطن بأنها غازية قبل عام 2003 ورحبتم بها بالورود؟!”.