إن لم يوجه الرئيس جو بايدن ضربة قاسية لإيران رداً على استهداف ميليشيا “حزب الله” العراقي للبرج الرقم 22 في الجانب الأردني من قاعدة التنف العسكرية التي قتل جراءها ثلاثة جنود وجرح أكثر من أربعين آخرين، فلا يتعجبن الأميركيون إن استمرت هجمات الفصائل الإيرانية ضد قواتهم في كل من العراق وسوريا وصولاً إلى اليمن.
فاستهداف الوكيل لم يعد الوسيلة المثلى للبعث برسالة ردع أميركية جدية. فسلوك إدارة الرئيس جو بايدن خلال الأشهر الماضية، لا بل الأعوام الماضية، عكس ضعفاً كبيراً في تصميم القوة العظمى الأولى في العالم عندما يتعلق الأمر بإيران. وهذا الضعف، إن لم يكن التواطؤ الضمني، ليس بجديد.
إنه إرث ولايتي الرئيس الأسبق باراك أوباما المحابي لإيران. ومنذ أن أتى الرئيس جو بادين إلى البيت الأبيض لمس معظم المراقبين أن ولايته تكاد برجالها وسياساتها في ما يرتبط بالملف الإيراني أشبه بولاية ثالثة للرئيس باراك أوباما. فهرولة بايدن منذ الأيام الأولى لولايته نحو إيران، وتقديم تنازلات مهولة لطهران تحت عنوان تسهيل المفاوضات حول البرنامج النووي في فيينا، كان إعلاناً صريحاً عن أن خيار جو بايدن وإدارته لا يختلف عن خيار باراك أوباما بالنسبة إلى إيران. أكثر من ذلك، ذهب الرئيس بايدن مذهب سلفه الديموقراطي في البيت الأبيض في استعداء الحلفاء العرب التاريخيين في الشرق الأوسط. وفيما كان يفرج عن أصول إيرانية محتجزة في المصارف العالمية، ويغض الطرف عن خرق طهران نظام العقوبات على النفط لكي يرتفع منسوب التصدير من 400 ألف برميل يومياً إلى 3,5 ملايين برميل يومياً، كان يضيق على صفقات السلاح المعقودة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ويحارب الدولتين المتحالفتين ضمن التحالف العربي لاستعادة الشرعية اليمنية بعد الانقلاب الحوثي. وللتاريخ فإن الولايات المتحدة وبريطانيا حالتا بالضغوط الكبيرة على التحالف العربي دون استعادة الشرعية لمدينة الحديدة التي تنطلق منها الهجمات ضد السفن العابرة باب المندب والبحر الأحمر.
ما تقدم غيض من فيض. فبعد استهداف الفصائل الإيرانية القوات الأميركية في العراق وسوريا أكثر من 170 مرة، أتى الرد عليها ببضع ضربات خجولة، بما كشف موقفاً تصالحياً إلى أبعد الحدود، ووصل الأمر إلى قتل جنود أميركيين. أكثر من ذلك، بدأت دوائر أميركية بعد استيعاب صدمة الساعات الأولى في الترويج لسيناريو مفادهأن مقتل الجنود الثلاثة حصل بسبب خطأ في تمييز الدفاعات الجوية الأميركية بين طائرة مسيرة أميركية كانت في طريق عودتها من مهمة لتحط في القاعدة، والطائرة المسيرة الإيرانية الصنع (شاهد- 136) التي هاجمت البرج 22. كل ذلك للتخفيف من الحادثة، وتبريد ردود الفعل عليها. طبعاً الاتصالات جارية بين واشنطن وطهران بخصوص الحادثة. وطبعاً تصر طهران على روايتها أن الفصائل التي تمولها وتدربها وتسلحها، وتأتمر بها أيديولوجياً ثم سياسياً وأمنياً مستقلة تماماً في كل ما تقرره وتفعله. وأن الهجمات مرتبطة بحرب غزة وردة الفعل على الجرائم الإسرائيلية ودعم الولايات المتحدة لها. ولا يخفى على المراقب أن الاتصالات حثيثة وهدفها أن يقتصر الرد الأميركي على الفصائل، وألّا يتجاوز الأميركيون خطوطاً إيرانية حمراء. تقديرنا أن إدارة الرئيس بايدن ملزمة برد ما. وملزمة بأن يكون الرد أقسى من الردود المحدودة السابقة في العراق وسوريا. وإدارة الرئيس بايدن تفضل الرد ضمن حدود وطي صفحة الحادثة. لكن السؤال المطروح: ماذا لو رد الأميركيون رداً ضعيفاً؟ هل ستوقف الفصائل هجماتها في سوريا والعراق واليمن؟ وفي المقابل ماذا لو أتى الرد قوياً جداً ضد الفصائل، إضافة إلى أهداف للحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق؟ هل ستتوقف الهجمات؟
في مطلق الأحوال، إن واشنطن تعرف تماماً أن النظام في إيران يحترم مظاهر القوة الفائقة وليس العكس. والرد هذه المرة سيحدد صورة الولايات المتحدة لدى الحلفاء الإقليميين قبل الخصوم.