ملخص
في هذه اللحظة وحتى نهاية يناير المقبل لا أحد بإمكانه إيقاف إسرائيل من استمرارها في توجيه الضربات إلى المحور الخميني، ولا أحد بإمكانه أن يوقف آلة الحرب الإيرانية من إطلاق الصواريخ غرباً.
في مقارنة بين الحرب الحالية الدائرة في غزة ولبنان مع الحروب العربية- الإسرائيلية السابقة على مدى أكثر من نصف قرن، يمكن القول إن معظم تلك الحروب لم تستمر لفترات طويلة وكانت تنتهي إما بحسم عسكري لإسرائيل أو يتمكن العرب من وقف التقدم الإسرائيلي وذلك بحسب الساحات.
وإذا وضعنا جانباً أشهراً من الاشتباكات التي وقعت بين المنظمات اليهودية الصهيونية التي أسست إسرائيل بين عامي 1947 و 1948 بعد الانسحاب البريطاني، والحرب العربية- الإسرائيلية الأولى التي طالت لأشهر وانتهت بشكل حاسم لإسرائيل عبر قيام دولتها وتوسعها على أراض لم تكن موجودة ضمن القرار الأممي 181، نرى أن معظم الحروب التي تلت أكانت حرب السويس عام 1956 والتي لم تدم أكثر من أسابيع وحرب الأيام الستة التي لم تستمر أكثر من أسبوع وكانت نتائجها هائلة على صعيد الجغرافيا والسياسة والاقتصاد، أو حرب 1973 حرب العبور أو حرب يوم الغفران ولم تطل أكثر من ثلاثة أسابيع وضف إليهم اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 والذي امتد منذ يونيو (حزيران) حتى سبتمبر (أيلول) أي بضعة أشهر، وغير ذلك من صدامات حصلت بين إسرائيل وخصومها والمنظمات الفلسطينية قبل اتفاق كامب ديفيد وبعده.
لم تستمر أي حرب بين إسرائيل وأي طرف آخر سواء دول عربية أو منظمات فلسطينية ولبنانية كما هي الحال اليوم في غزة، إذ نشهد اليوم انتهاء العام الأول للمواجهة الدموية التي بدأت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 مع غزوة “حماس” للنقب وقتل أكثر من 1400 مدني إسرائيلي ثم الرد الإسرائيلي العسكري الذي جاء بشكل ثقيل، حيث دمر الجيش الإسرائيلي معظم أجزاء قطاع غزة وفكك معظم تشكيلات “حماس” العسكرية والأمنية.
هذه الحرب التي بدأت بوحشية مع ذبح مئات المدنيين الإسرائيليين على رغم وجود وقف إطلاق نار بين “حماس” وتل أبيب، وعلى رغم أن “حماس” لم تهاجم محتلاً بل هاجمت خصماً يشاطرها الهدنة مما أدى إلى قرار إسرائيلي قومي باقتلاع عدوها من جذوره، أي باجتياح كامل لقطاع غزة ولا يزال الاجتياح قائماً حتى تقرر إسرائيل.
وبعد ذلك انتقلت الحرب إلى الشمال حيث تبادلت إسرائيل و”حزب الله” القصف بشكل متبادل وبمنحى تصاعدي حتى أذنت إسرائيل بالهجمة الكبرى التي بدأت أولاً بتفجير أجهزة اتصالات “حزب الله”، ثم الإطاحة بقيادة الحزب على كامل الأراضي اللبنانية ولا تزال الحرب تدور رحاها، حيث نشهد على تدمير البنية التحتية لـ”حزب الله”.
ومع مرور عام كامل على بدء المعارك لا نرى وجود قوة في العالم قادرة الآن على وقف الحرب، لا سياسياً ولا قانونياً ولا عسكرياً، فأميركا منشغلة بانتخاباتها، ومجلس الأمن منقسم على نفسه منذ حرب أوكرانيا، لذلك فالخلاف الروسي- الأميركي العميق يمنع الحل الدولي، أضف إلى ذلك أن من أطلق شرارة هذه الحرب بحسب قناعتنا هو النظام الإيراني الذي اعتقد أنه وعبر إصدار الأوامر لـ”حماس” لمهاجمة إسرائيل بهذا العنف قد يحصل على نتائج ثلاث هي:
أولاً- إيقاف قطار السلام السعودي- الإسرائيلي الذي كان قطع شوطاً كبيراً، ثم توقف بعد بدء الحرب.
ثانياً- وضع ضغط عسكري على القوات الأميركية وقواعدها في المنطقة ودفعها إلى المغادرة وهذا لم يحصل حتى الآن.
ثالثاً- قمع الثورة الإيرانية في الداخل وشد الأنظار عنها ومنع أي تدخل دولي يدعمها، وهذا سوف نرى نتائجه في المستقبل.
لاحظوا الفروقات الكبيرة في ما يتعلق بالفترات الزمنية للاجتياحات، في حرب 1967 اجتاحت إسرائيل كامل قطاع غزة بثلاثة أيام، واجتاحت سيناء والضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان بستة أيام، بالمقارنة لا تزال إسرائيل تقاتل بعد عام في غزة، وبالمقارنة مع اجتياحها للبنان الذي دام شهرين في 1982 لا تزال تشتبك مع “حزب الله” ولم تقحم قواتها بشكل كثيف إلا أنها استخدمت إلكترونياتها الجديدة لإلغاء أو تحييد قيادات “حزب الله” العليا والوسطى، أما بعد ذلك فالبعد الجديد للحرب تبادل ضربات الصواريخ بين تل أبيب وطهران، وهذه حرب لا يمكن لأي طرف حسمها إلا باستخدام السلاح النووي، وبنظر كل القيادات أن هذا السلاح لا يمكن استخدامه إلا إذا كان أحد الطرفين على وشك الانهيار، فلا إسرائيل ستستخدمه ولا النظام الخميني سيبادر إلى تفعيله، إلا إذا وجد نفسه هارباً من طهران أو كما يقول البعض إذا كان اجتياح ضاحية بيروت مطروحاً على الطاولة.
في هذه اللحظة وحتى نهاية يناير (كانون الثاني) المقبل لا أحد بإمكانه إيقاف إسرائيل من استمرارها في توجيه الضربات إلى المحور الخميني، ولا أحد بإمكانه أن يوقف آلة الحرب الإيرانية من إطلاق الصواريخ غرباً، لنرى.