«هذه ضربةٌ لإرادة الشعب». كانت تلك كلمات إمام أوغلو عقب مظاهرات حاشدة في تركيا بعد اعتقال أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، بدوافع سياسية، والذي يُعدّ أحد أكثر الشخصيات السياسية شعبية في تركيا معارضًا ومنافسًا قويًا للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الاحتجاجات بدأت ردَّ فعل على اعتقاله بتهم فساد وإرهاب، مما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا بسبب الأزمات الاقتصادية وتضييق الحريات.

المعارضة التركية عدّت هذا الاعتقال ذا دوافع سياسية ويهدف إلى إقصاء إمام أوغلو عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة أن المعتقلين جميعهم من أنصار إمام أوغلو مثل مراد أونغون، مستشار رئيس بلدية إسطنبول، ومراد جاليك، رئيس بلدية بيليك دوزو، ورسوم عمرة شاهان، رئيس بلدية شيشلي، الأمر الذي وصف بـ«انقلاب على الديمقراطية»، في ظل تداعيات كثيرة منها سياسية واقتصادية تهدد استقرار البلاد.

وفي مظاهر غير مسبوقة في حقبة حكم إردوغان وحزب العدالة والتنمية، ولكنها تعود لعهود الانقلابات العسكرية، يأتي مشهد إشهار بعض الضباط سيوفهم وترديدهم هتاف «نحن جنود مصطفى كمال»، في ظل مخاوف عبرت عنها بعض النخب السياسية التركية بأنها إشارة رمزية بسل السيوف، وليست مجرد هتاف ضباط يلوحون بسيوفهم، خاصة أنها جاءت متزامنة مع أزمة هوية سياسية تركية بين تركيا الإخوان وحزب العدالة والتنمية، وتركيا كمال أتاتوك العلمانية في مقابل حالة استمرار حكم حزب العدالة والتنمية (AKP) المستمر من 24 عاماً.

الصراع في تركيا حالياً بين حزب الشعب الجمهوري (CHP)، حزب المعارضة الرئيسي وحزب إردوغان العدالة والتنمية المحسوب على جناح الإسلام السياسي، وكلا الحزبين يعاني داخله من صراع زعامات في الصف الثاني والثالث، واتهامات بتوظيف المال السياسي واستغلال السلطة والنفوذ وجميعها تهم يتبادلها الطرفان وصلت لاعتقال إمام أوغلو ومحاميه في سابقة اعتبرت من مراقبين «توظيفاً سياسياً» للقضاء بشكل غير مقبول.

التفاعل الدولي لم يتأخر عن حملة الاعتقالات في تركيا، حيث سارع الاتحاد الأوروبي ومفوضيته بلسان فون دير لاين بالقول: «على تركيا أن تلتزم بالمعايير الديمقراطية إذا كانت تسعى للحفاظ على علاقاتها مع أوروبا».

فوبيا إمام أوغلو بدأت عند حزب إردوغان منذ خسارتهم بلدية إسطنبول، في انتخابات كاسحة تلقى فيها حزب إردوغان وجماعته هزيمة كاسحة في البلدية التي لا تزال في أيدي منافسه إمام أوغلو وحزب الشعب الجمهوري المعارض رغم محاولات إردوغان استعادة المدينة في الانتخابات البلدية عام 2024، التي شهدت فوز إمام أوغلو مجدداً بنسبة 51.14 في المائة ممَّا جعل الفوبيا خطراً محققاً على الانتخابات الرئاسية في تركيا، خصوصاً أن إمام أوغلو يعد المنافس الأوفر حظاً لإردوغان وحكم حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه إردوغان.

مظاهرات حاشدة وكبيرة لم تخلُ من التحشيد وحتى التضليل واستخدام الذكاء الاصطناعي لإظهار شخصيات عالمية مثل بيكاتشو الكرتون الياباني والجوكر، تشارك في مظاهرات تركيا ولو من خلال الذكاء الاصطناعي، ولكن هذا لا ينكر وجود مظاهرات حاشدة وكبيرة في أغلب المدن التركية رافضة الاعتقالات والإجراءات التعسفية وتقييد الحريات.

فالسلطات التركية حجبت مواقع التواصل وقيدت الوصول والنشر فيها، في محاولة لكبح المظاهرات ومنع انتشارها. المظاهرات صحيح أنها أعقبت اعتقال إمام أوغلو، ولكن لا ننسى تدهور الوضع الاقتصادي، وانخفاض سعر الليرة وانهيارها في سوق العملات العالمية، حيث فقدت 12 في المائة من قيمتها أمام الدولار، مما تسبب في حالة تضخم غير مسبوق وفقاً لإحصائيات رسمية، فقد زادت نسبة التضخم في البلاد بمعدل تجاوز 60 في المائة، ما أدى إلى استياء شعبي، ومن ثمّ تتقاطع مع طموحات الرئيس إردوغان بعودة العثمانية الثانية التي يكررها دائماً في خطاباته.

لعل خطابات إردوغان المتكررة بشأن حق «إرث أجداده» في الإمبراطورية العثمانية، هي ما يثير ويغيظ بعض القوى السياسية الداخلية قبل الخارجية، التي لا تريد العودة للحقبة العثمانية في تركيا الحديثة، التصريحات في الحقيقة تستند إلى مغالطة تاريخية.

المشكلة في تركيا أن هناك من هو متأثر بأفكار الشعبوي والمنظر والمؤرخ التركي قادر مصر أوغلو، الذي كان يردد «أنا وريث إمبراطورية الكون، ولقد كنت دوماً عثمانياً، وأنا ضد أي شخص يعادي الدولة العثمانية» التي جعل منها رؤية وطنية تمكن الأمة الطورانية من حكم باقي الأمم، ولكن هذا مجرد هوس.

تركيا لن تعود للعثمانية مجدداً تحت أي شعار فلا الظروف الإقليمية تسمح، ولا القوى الدولية ستسمح ولا الولايات العثمانية السابقة لديها حنين للماضي العثماني الكئيب، ومن ثمّ على ساسة تركيا معالجة الأزمة التركية بعيداً عن أحلام عودة العثمانية التي يتبنى فكرتها حزب العدالة والتنمية بصحبة الإسلام السياسي، مما سيجعل من شعبية حزب الشعب الجمهوري ترتفع على شعبية العثمانيين الجدد.

كُتّاب الشرق الأوسط
المزيد
الأكثر قراءة
اليوم
الأسبوع
خادم الحرمين يهنئ المسلمين بعيد الفطر ويشكر موظفي الدولة العاملين على تيسير العمرة
1
خادم الحرمين يهنئ المسلمين بعيد الفطر ويشكر موظفي الدولة العاملين على تيسير العمرة
2
تفاعل في مصر مع رحيل صاحب مطعم شعبي لبيع اللحوم
3
عُمان تحبط تهريب طائرات مُسيّرة وأموال على الحدود مع اليمن
4
ولي العهد السعودي يقضي بقية رمضان في مكة المكرمة
5
حصيلة زلزال ميانمار وتايلاند ترتفع إلى 700 قتيل