بدأ الاثنين عدد من السياسيين المعتقلين في تونس إضراباً عن الطعام احتجاجاً على استمرار توقيفهم. وجاء في بيان صادر باسمهم أن ملف القضية “مفبرك وفاقد أي إثباتات أو أدلة مادية من شأنها أن تبرر ترسانة التهم التي وُجهت إلينا من قبل وكالة الجمهورية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب”.
وطالب المضربون، وفق البيان الذي أصدرته باسمهم هيئة الدفاع عنهم، بإطلاق سراحهم “والكفّ عن الملاحقات الأمنية والقضائية في حق كل السياسيين ونشطاء المجتمع المدني الذين طاولهم الظلم والتعسف”.
وأعلن رئيس “حركة النهضة” راشد الغنوشي بدوره الدخول في إضراب جوع “تضامناً معهم”، وجاء في بيان نشر على حسابه الرسمي في موقع “فايسبوك” أن إضرابه عن الطعام “يدخل في إطار التضامن مع المعتقلين المضربين عن الطعام ومساندة لكل المعارضين في مختلف السجون التونسية ولكل معتقلي الرأي”.
وخلال نحو عام أوقف القضاء التونسي عدداً من رجال السياسة والأعمال بتهمة التآمر على أمن البلاد، من بينهم قيادات حزبية أغلبها من حزب “حركة النهضة”، في مقدمهم الغنوشي، رئيس مجلس النواب السابق، الذي يواجه تهماً تتعلق بشبهات التورط في الإرهاب وتبييض الأموال.
والأسبوع الماضي أصدر القضاء حكماً بسجن الغنوشي لمدة 3 سنوات بتهمة متعلقة بتلقي تمويل أجنبي.
قرار اضطراري
وقال عضو هيئة الدفاع عن المضربين عن الطعام سمير ديلو إن المضربين أجبروا على هذا الخيار للتعبير عن رفضهم للوضع الذي يعيشونه قانونياً وصحياً وقضائياً.
وشدّد على أن الموقوفين يواجهون السجن منذ أكثر من سنة، وهم اليوم مجبرون على هذه الخطوة للتعبير عن رفضهم لما نسب إليهم ويعتبرونه “تصفية سياسية للمعارضة”.
والمضربون هم، بحسب هيئة الدفاع، الأمين العام لـ”الحزب الجمهوري” عصام الشابّي والقياديان في “جبهة الخلاص الوطني” جوهر بن مبارك ورضا بلحاج والأمين العام السابق لـ”التيار الديموقراطي” غازي الشواشي والناشط السياسي خيام التركي والقيادي السابق في “حركة النهضة” عبد الحميد الجلاصي.
وتقول هيئة الدفاع إن الموقوفين لديهم قناعة راسخة ببراءتهم.
وترفض السلطات التونسية هذه التهم، وتقول إنّ المتهمين يحاكمون لتورطهم في أفعال يجرّمها القانون.
وقال الرئيس قيس سعيّد في أكثر من مناسبة إن القضاء مستقل، وذهب إلى حدّ مطالبة الأجهزة القضائية بالتسريع في النظر في هذه القضايا وفصلها.
“خطوة يائسة”
والإضراب عن الطعام طريقة استخدمت في مناسبات عديدة من جانب المعارضة على امتداد تاريخ تونس.
وسبق للمشاركين في الإضراب الحالي أن خاضوا قبل فترة أيضاً إضرابات عن الطعام.
وتعوّل المعارضة على إضرابات الجوع لإحراج الرئيس سعيّد وللضغط على القضاء، وفق المحلل السياسي باسل ترجمان الذي يرى أن هذا الإضراب الجديد عن الطعام الذي دخل فيه المعتقلون في قضايا التآمر “هو حركة يائسة لتذكير الشارع التونسي بوجودهم”.
ويقول ترجمان لـ”النهار العربي” إن هؤلاء الموقوفين خاضوا كل أشكال الاحتجاج وعبّروا عن اعتراضهم على سجنهم، وكانوا قد عارضوا سياسات سعيّد بأشكال مختلفة لم تأت جميعها أكلها، ولم يكن لها أي أثر في الشارع التونسي الذي لم يعد يلقي بالاً لهم وللطبقة السياسية برمّتها، وفق تقديره.
ويعتبر أن الغنوشي مثلاً الذي نجح عام 2015 في حشد آلاف المتظاهرين في شارع محمد الخامس في العاصمة تونس لم يعد اليوم قادراً على حشد العشرات من الأنصار، ويستشهد بآخر وقفة احتجاجية نظمتها “جبهة الخلاص” المعارضة (ائتلاف من أحزاب وشخصيات معارضة) والتي كان عدد المشاركين فيها يعدّ على الأصابع.
ويضيف أن “التحجج بالمظلومية الذي طالما كان سلاحاً تاريخياً للإسلاميين لم يعد له تأثير على الشارع التونسي الذي لفظ كل النخبة السياسية الحاكمة طيلة العقد الذي أعقب أحداث كانون الثاني (يناير) 2011، بسبب فشله في إدارة البلاد ودفعها نحو أزمات خانقة لا تزال تتخبط فيها”.
ويرى ترجمان أن إضرابات الجوع التي تنفذها المعارضة اليوم لا قيمة ولا صدى لها، سواء على المستوى الداخلي أم الخارجي، لافتاً إلى أن المنظمات الدولية التي كانت تسارع إلى إصدار بيانات التنديد في مثل هذه الحالات صارت بعد الـ7 من تشرين الأول (أكتوبر)، تاريخ اندلاع حرب غزة، غير قادرة على القيام بذلك، “لأن اعتمادها ازدواجية المعايير صار مفضوحاً”، وفق تعبيره “وسكوتها عمّا يحدث في غزة يجعلها اليوم لا تتجرّأ على انتقاد السياسات الداخلية للدول تحت ذريعة الدفاع عن الحقوق والحريات”.