ملخص
في الأوساط السياسية والعسكرية برزت تساؤلات حول آليات إعادة “حماس” بناء قدراتها وإذا كانت طريقة الجيش الإسرائيلي في استئصال قدرات الحركة ستنجح
في وقت بدأ فيه الجيش الإسرائيلي العمل على ما اعتبره عملية تدمير كتائب “حماس” الأربعة في محافظة رفح أقصى جنوب غزة، عادت القوات البرية للتوغل في شمال القطاع لأجل تدمير ما حاولت الحركة إعادة بنائه لقدراتها العسكرية.
في بداية العام الحالي انتهى الجيش الإسرائيلي من عمليته العسكرية الموسعة في النصف الشمالي لغزة وحديثه عن تدمير “حماس” وأعلن أنه قضى على هيكلة الفصيل الفلسطيني وأحكم سيطرته العملياتية والاستخباراتية والعسكرية على نصف القطاع ونقل عملياته القتالية إلى الجنوب لتدمير كتائب وقدرات الحركة هناك.
عودة للقتال
بمجرد انسحاب القوات الإسرائيلية من شمال غزة ارتفعت وتيرة تقارير تؤكد مساعي “حماس” إلى إعادة ترميم ما تبقى من قوتها العسكرية وشرعت في هيكلة عناصرها مرة أخرى لبناء نفسها، وبدأت ممارسة نشاطها العسكري والمدني ولو وصل الأمر إلى مقارعة تل أبيب مجدداً.
وعلى رغم تطهير الجيش الإسرائيلي شمال غزة من حركة “حماس” فإن مقاتلي الفصيل دمروا جرافة عسكرية من منطقة الزيتون في مدينة غزة، وقنصوا جندياً بالقرب من بيت لاهيا شمال القطاع، وأطلقوا صاروخاً وقطعة جوية من جباليا في الشمال أيضاً.
تحرك “حماس” العسكري دفع تل أبيب إلى العودة لشمال غزة، إذ يقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري “عدنا للقتال في شمال القطاع لأن الحركة تحاول إعادة بناء قدرات عسكرية، نحن نحاول منع ذلك من طريق تنفيذ عمليات تطهير سريعة”.
أهداف الحرب وتساؤلات
في الأوساط السياسية والعسكرية برزت تساؤلات حول آليات إعادة “حماس” بناء قدراتها، وإذا كانت طريقة الجيش الإسرائيلي في استئصال قدرات الحركة ستنجح، إضافة إلى هل سقطت أهداف معركة رفح قبل أن تبدأ بخاصة مع إعادة تعزيز الحركة قدراتها مجدداً؟
وفقاً للرؤية الإسرائيلية فإن أحد أهداف الحرب على غزة تدمير قدرات “حماس” العسكرية وضمان عدم عودة الحركة للحكم في القطاع، إضافة إلى عدم تشكيل قطاع غزة مصدر تهديد لإسرائيل مرة أخرى.ولتحقيق هذه الأهداف عمل الجيش الإسرائيلي بقوة من الجو وفي البر والبحر للقضاء على حركة “حماس”، وأكد المتحدث هاغاري أنه تم سحق حركة “حماس” في شمال غزة وخان يونس كما يجري تفكيك الحركة في رفح لكن بعد عودة “حماس” بناء قدراتها يبقى التساؤل كيف جرى ذلك؟
هل “حماس” فصيل منظم؟
يقول الباحث في الشؤون الاستراتيجية داوود كساب “حسب مجريات القتال فإنه من المؤكد أن (حماس) باتت ضعيفة للغاية، ولم تعد حركة تتمتع بهيكل تنظيمي قوي ومترابط وذلك بسبب الضربات الإسرائيلية، لكن هذا لا يعني أن الفصيل انتهى للأبد، بل من المؤكد أن هناك بقايا له”.
ويضيف “بقايا (حماس) تعمل على إعادة هيكلة نفسها على أساس كتائب متناهية الصغر، وهذا يحدث نتيجة قرار من مجلس الحركة العسكري، الذي من الواضح أنه مازال يتمتع بتشكيلة لم تصب بضرر”.
ويوضح كساب أن إعادة هيكلة “حماس” لنفسها يأتي لأن هناك عناصر للحركة لم تكن تحمل السلاح واليوم تم استدعاؤها للقتال، إضافة إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يعمل على تدمير جميع البنية التحتية للحركة وهذا يعني أن بعض أنفاقها مازالت مترابطة ولم يتم تدميرها.
ويشير إلى أن وجود بقايا لـ”حماس” وعودتهم للعمل العسكري يجعل الاعتقاد بأن الجيش يجهل أرض غزة أمراً مؤكداً وكذلك الأمر بالنسبة إلى تمتع قوات الحركة بقدر جيد من حرية التنقل في شمال غزة، ومبرر ذلك أن الجيش الإسرائيلي سحب قواته كاملة من المناطق التي قال إنه طهرها دون رؤية سياسية واضحة.
ماذا عن قدرات حماس العسكرية؟
وفي ما يتعلق بقدرة “حماس” على القتال مجدداً يقول الباحث العسكري رأفت حلس “فشلت إسرائيل في تدمير جميع قدرات “حماس” العسكرية ولهذا معنى واحد أن هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في استئصال الحركة بعيد المنال وأن عليه مراجعة عملية رفح العسكرية.
ويضيف حلس “بعد أخذ الدروس المستفادة من الحرب في شمال غزة، يتضح أن مقاتلي (حماس) أعادوا تنظيم صفوفهم في وحدات صغيرة أشبه بالعصابات، وهذا ما سيحدث في جميع مناطق القطاع إذا لم تكن هناك رؤية سياسية”.
ويوضح حلس أنه يتوجب على إسرائيل تغيير رؤيتها في رفح وفقاً للعبر من الحرب وإعادة بناء (حماس) قدراتها العسكرية، وهذا ما أكدته الولايات المتحدة واستنتجته بعد دراسة مجريات الحرب ونتائجها”.
غياب رؤية سياسية
فعلياً حذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أن هجوم إسرائيل على رفح سيخلق الفوضى ولن يؤدي إلى القضاء على حركة “حماس” وأقر بوجود آلاف العناصر المسلحين من الفصيل الفلسطيني في جميع مناطق القطاع.
وبحسب بلينكن فإن الولايات المتحدة ناقشت مع إسرائيل طريقة أفضل للتوصل إلى نتيجة دائمة للقضاء على “حماس” مشيراً إلى أن سبب وجود بقايا للحركة يعود إلى أن تل أبيب لم تضع خطة ما بعد الحرب وهذا يجعلها تملأ الفراغ السياسي.
انقسام وجهات النظر الإسرائيلية
يقول الباحث السياسي وائل شعبان “عدم وجود جهة تسيطر على غزة بعد تطهير القطاع من عناصر (حماس) يدفع الحركة إلى إعادة بناء قدراتها، وهذا يرهق إسرائيل ويجعلها تعود للمربع الأول من الحرب”.
ويؤكد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنهم يواجهون تآكلاً للإنجازات التي حققها الجيش الإسرائيلي حتى الآن في الحرب، لأنه لم يتم وضع استراتيجية لليوم التالي، ولهذا يضطر الجيش إلى العودة والعمل في المناطق التي أنهي فيها القتال بالفعل.
لكن لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وجهة نظر أخرى ويقول “(حماس) لا يمكنها إعادة تنظيم نفسها، ولا يمكنها بناء قدراتها العسكرية ولا يوجد لها إمدادات، هذا يعني أننا نغلق على الحركة جميع منابعها، لكن ما يجري هو القضاء على جيوب الفصيل الفلسطيني”.