اتفاق أم لا اتفاق بشأن حرب غزّة؟ سؤال بلا إجابة حتى الآن، في زحمة تسريبات ومعلومات متضاربة بشأن ما جرى نقاشه والاتفاق عليه خلال جولة المفاوضات التي عُقدت لمدّة يومين في الدوحة، لبحث صفقة محتملة بين إسرائيل وحركة “حماس”.

بدأ الجدل مع نشر صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً بشّرت فيه بقرب تحقيق إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الإنجاز المنتظر بعد مفاوضات صعبة استمرّت أشهراً، والمتمثّل باتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي كبير قوله إنّه “تم الاتفاق على إطار العمل، والطرفان يتفاوضان على تفاصيل مرتبطة بكيفية تنفيذه”.

ووفقاً لما نشر، فإنّ المرحلة الأولى تقضي بوقف إطلاق نار لمدة ستة أسابيع، تفرج “حماس” خلالها عن 33 أسيراً من ضمنهم جميع الرجال والنساء فوق سن 50 عاماً، إضافة إلى الجرحى. في المقابل تُفرج إسرائيل عن مئات الأسرى الفلسطينيين، وتسحب قواتها من المناطق المكتظة بالسكان إلى الحدود الشرقية لقطاع غزة.

وخلال هذه المرحلة ستتدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني، ويبدأ إصلاح المستشفيات وإزالة أنقاض الدمار الذي خلّفه القصف الإسرائيلي خلال 9 أشهر من القصف العنيف والاجتياح البري.
وعلى ما يبدو، فإنّ هذه المرحلة لا خلاف عليها، بعدما تراجعت “حماس” عن مطلبها بالحصول على ضمانات خطية بشأن وقف الحرب بشكل دائم، مقابل تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي، الذي ورد فيه أنه “إذا استغرقت المفاوضات أكثر من ستة أسابيع للمرحلة الأولى، فإن وقف إطلاق النار سيستمر طالما استمرت المفاوضات”.

ووفقاً للتفاهمات، فإنّ الوسطاء الأميركيين والقطريين والمصريين سيعملون على ضمان استمرار المفاوضات حتى يتم تنفيذ جميع النقاط المتفق عليها وبدء المرحلة الثانية، إلا إذا قرّر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عرقلة استكمال الصفقة برفض أسماء الأسرى الفلسطينيين الذين ستطلب “حماس” الإفراج عنهم. وكذلك لا خلاف مبدئياً على المرحلة الثالثة، وعمادها إعادة إعمار قطاع غزة في خطة تستمر لسنوات.

لكنّ المشكلة الحقيقية تكمن في المرحلة الثانية، أو ما سُرّب بشأنها، فقد روّجت “واشنطن بوست” لموافقة “حماس” وإسرائيل على ألا يحكم أيّ منهما القطاع، مؤكدة قبول التنظيم الفلسطيني بالتنازل عن السلطة لصالح ترتيب حكم موقت، وإيكال مهمّة توفير الأمن فيه إلى قوّة تدرّبها الولايات المتحدة وتدعمها دول عربية معتدلة تتكوّن من مجموعة أساسية تضم نحو 2500 عنصر من أنصار السلطة الفلسطينية.

“لم تُبحث”
هذه الرواية الأميركية التي تبنّتها وسائل إعلام إسرائيلية ونوقشت لساعات على التلفزيونات ومواقع الصحف والأخبار، نفتها “حماس” بشكل قاطع.

وقال قيادي كبير في التنظيم، في اتصال مع “النهار العربي”، إنّ “كل ما تمّ تداوله بشأن موافقة حماس على تقديم تنازلات جديدة غير صحيح بالمطلق”.

وأضاف: “منذ أن تسلّمنا الورقة الأخيرة من الوسطاء قبل أسبوع، ووافقنا عليها، لم يتكلّم معنا أحد بأي تفاصيل جديدة. ونتوقّع أن يبلغنا الوسطاء خلال الساعات المقبلة ما جرى خلال المفاوضات، وبعدها نعلن عن موقفنا الواضح”.

واعتبر المصدر القيادي في “حماس” أنّ “هذه التسريبات تأتي في سياق الضغوط التي تمارس على الحركة لدفعها نحو القبول بالشروط الإسرائيلية، وبالتالي تحقيق مطالب نتنياهو”.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية فراس ياغي أنّ هناك سببين لتسريب هذه المعلومات.

ويقول ياغي، في حديث لـ”النهار العربي”، إنّ “الهدف الأوّل هو مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي والإيحاء أنّ نتنياهو يعمل على خطّة لاستعادة الأسرى، والترويج لفكرة أن التوصّل إلى صفقة جيدة جاء نتيجة للضغط العسكري الإسرائيلي لإثبات صحّة سردية رئيس الحكومة”.

أما الهدف الثاني فهو “إيهام الفلسطينيين بأنّ حماس تنازلت، لتعود لاحقاً وتحمّلها مسؤولية تراجعها عن قبول هذه البنود، مع العلم أنّ الحركة غير مشاركة أصلاً في المفاوضات وهي تتبلّغ بتطوّراتها من الوسطاء”.

سحب ذرائع نتنياهو
إلى ذلك، وصل رئيس جهاز الشاباك رونين بار، مع ممثلين عن الجيش الإسرائيلي، إلى القاهرة، للانضمام إلى الوفد الأمني الموجود في العاصمة المصرية منذ الثلاثاء، وذلك بهدف استكمال المحادثات الأمنية المتعلقة بفتح معبر رفح والانسحاب من محور فيلادلفيا في إطار صفقة شاملة.

ويضيف ياغي: “حقيقة الأمر أنّ الوسطاء، وفي مقدمهم الولايات المتحدة، حاولوا عبر المفاوضات سحب الذرائع وتفكيك العقد التي طرحها نتنياهو”.
ويتابع: “لذا طرح وزير الدفاع يوآف غالانت والجيش تسليم معبر رفح ومحور فيلادلفيا لمصر. واقترحت واشنطن بناء جدار إلكتروني حدودي فوق الأرض وتحتها يمنع تهريب السلاح. وطلبت إسرائيل ضمانة مصرية – قطرية بعدم قيام حماس بترميم وضعها العسكري تحت طائلة العودة إلى الحرب، إضافة إلى منع حركتي حماس وفتح من إدارة معبر رفح والاكتفاء بموظفين سابقين في السلطة لم يعودوا على علاقة بها”.

لكن يبدو أنّ كلّ ذلك لم يرضِ نتنياهو، الذي أكّد في خطاب ألقاه خلال حفل تخريج وحدات عسكرية جديدة في النقب، أنّه مع صفقة تعيد أكبر عدد ممكن من الأسرى أحياء، وبعدها العودة للقتال “حتى القضاء على حماس”، مع تشديده على إبقاء السلطة الإسرائيلية على المنطقة الحدوديّة مع غزة، ما يعكس إصراره على ألا تكون هناك نهاية للحرب في القطاع.

لكن يبدو أنّ “حماس” ليست مستعدة لتقديم هدايا مجانية لإسرائيل. ويقول المصدر القيادي في الحركة: “على نتنياهو أن يوافق على ما هو مطروح، والتصعيد العسكري لن يُبدّل موقفنا، كما لن يدفعنا للموافقة على شروط جديدة، لكنّه يماطل بهدف إفشال هذه الجولة كما فعل سابقاً”.

وربما تؤشر هذه التطورات إلى أنّ الصفقة ليست وشيكة مثلما يروّج مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الذي قال من البيت الأبيض إنّ “المؤشرات باتت أكثر إيجابية والقضايا المتبقية قابلة للحل”.

وإن كانت مماطلة نتنياهو مرتبطة بزيارته المرتقبة لواشنطن، حيث تفيد معلومات بأنّه سيسعى خلالها إلى توقيع معاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، يبقى السؤال الأساسي: ماذا بعد ذلك؟ هل سيسعى “ملك إسرائيل” إلى توريط حليفه بحرب إقليميّة تنقذه من مستنقع غزة وتريحه من عبء “وحدة الساحات”؟