على نحوٍ غير مسبوق خلال السنوات الماضية، تشهد الولايات التركية هذه الأيام حركة عودة مكثفة للعائلات السورية يومياً لمختلف مناطق بلادهم، إثر الرُّهاب الذي خلّفته اعتداءات قيصري على مستقبلهم.
وتمتلئ المجموعات الخاصة والعامة في منصة “فيسبوك”، برسائل يومية رصدها موقع “ارفع صوتك”، للاجئين سوريين يرغبون بـ “العودة الطوعية” إلى بلادهم. وتتنوّع بين أسئلة حول طريقة وإجراءات العودة، وإمكانية نقل أغراض المنزل من المعابر الحدودية، وأخرى تستوضح حول الأمكنة المناسبة للرحيل إليها في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام.
وارتفعت وتيرة الأمر منذ أحداث الاعتداء العنصرية التي طالت محلات وبيوت لسوريين في ولاية قيصري وسط تركيا خلال الشهر الحالي، إذ باتت البقية تخشى أن تلقى المصير نفسه.
“نحن هنا وحيدون، ولا أحد يدافع عنا”، تقول السورية إنعام طه لموقع “ارفع صوتك”، بعد أن عزمت مع زوجها وعائلتها على العودة إلى ريف حلب الشمالي.
توضح إنعام (35 عاماً) التي تسكن في ولاية إسطنبول، أن ما جرى في قيصري جعل العائلة تراجع حساباتها بشأن البقاء في تركيا، لا سيّما أن عناصر الشرطة “عجزوا عن إيقاف الاعتداءات أو تواطؤوا معها”، وفق تعبيرها.
وتقول إنها باتت تخشى حتى الخروج من المنزل، مستدركةً “رغم أننا لم نشهد أي مواقف سلبية من الجيران”.
وتعتقد إنعام أن المتورطين في اعتداءات قيصري “لم يكونوا من نفس المنطقة” فهم “مجرمون وأصحاب سوابق تم جلبهم عبر شاحنة نقل”.
نحو مناطق النظام أيضاً
سليمان حاجي (46 عاماً) قرر العودة الطوعية للشمال السوري بعد اعتداءات قيصري، يقول لـ”ارفع صوتك”: “نرحل بكرامتنا أفضل من أن يعتدي أحد علينا أو يتمّ ترحيلنا بشكل مفاجئ”.
ويضيف سليمان الذي يقيم في غازي عنتاب، أن القرار “بالغ الصعوبة، خصوصاً بعد 10 سنوات من العيش في تركيا”.
يتابع: “مناطق الشمال السوري ليست ملائمة للعيش بعد، لكن لا يجبرك على المرّ إلا الأكثر مرارة منه”.
ورغم أن أحداث قيصري بدت هي الدافع الرئيس وراء هذه الموجة، إلا أن عدداً من اللاجئين الذين التقيناهم أشار أيضاً إلى التقارب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، من خلال التصريحات الإعلامية الأخيرة لكليهما.
يقول عمران مصطفى “إذا حصل اللقاء بينهما سيكون ملف اللاجئين الأول في النقاش، ما يجعل مصيرنا مجهولاً”.
يضيف عمران الذي يقيم في إسطنبول منذ 7 أعوام، إن “اعتداءات قيصري تزامنت مع خطاب أردوغان حول التقارب مع الأسد، وهذا ليس صدفة، ودليل ذلك الموقف البارد من السلطات التركية إزاء الاعتداءات، وعدم لقاء وزير الداخلية باللاجئين المعتدى عليهم رغم زيارته المدينة بعد ساعات”.
وكانت منظمات حقوقية دولية وثقت ورصدت ترحيل السلطات التركية للاجئين سوريين بـ”الإكراه” نحو مناطق الشمال السوري تحت مسمّى “العودة الطوعية”.
في تقرير نشرته “هيومن رايتس ووتش” فبراير الماضي، قالت إن المناطق التي يوجد فيها النفوذ التركي شمال سوريا “تزخر بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها في المقام الأول فصائل من الجيش الوطني السوري”.
وتتسم حياة سكان المنطقة البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة بالفوضى القانونية وانعدام الأمن، بحسب المنظمة التي نقلت قول أحدهم الذي عاش هناك ثلاث سنوات قبل أن يرحل “كل شيء بقوة السلاح”.
ورغم أن منطقة الشمال الخارجة عن سيطرة النظام السوري هي المقصد الرئيس للعائلات العازمة على العودة، بناءً على ما حصل خلال العام الأخير، إلا أن بعض العائدين باتوا يفضّلون العودة نحو مناطق النظام، في ظل “أوضاع قاتمة يعيشها الشمال”، وفق تعبير محيي الدين شيخو.
يقول لـ”ارفع صوتك” إنه يستكمل الآن إجراءات روتينية للدخول إلى مناطق النظام من معبر “كسب” الذي يربط بين محافظة اللاذقية وولاية هاتاي التركية، وأبرزها “استخراج ما يُعرف بورقة التسوية من القنصلية السورية في إسطنبول”.