فاجأني كم الأكاذيب والجهل الذي ظهر في وسائل التواصل الاجتماعي حول موقف حماس من الصراع في سوريا لدى حسابات أشخاص محسوبين على الجهة المعارضة لنظام الأسد. ظهر ذلك بمناسبة اغتيال الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران الأسبوع الماضي، فقد وصل الأمر بهم حد اعتبار هنية شريكاً للنظام في دم الشعب السوري! وانتشرت صورة لهنية وهو يقبل يد خامنئي، سرعان ما اتضح أنها مفبركة. واضح أن من صنعوا هذه الصورة يقودون حملة منظمة لتشويه صورة الرجل، ومن ورائه حركة حماس، وأن حملتهم تخاطب الطرف المعارض من السوريين. لا تتضمن الحملة أي نظرة نقدية لحركة حماس باعتبار أنها جلبت كارثة على غزة وعموم الفلسطينيين حين قامت بغزوتها في السابع من تشرين الأول، بل انصب الهجوم الحاقد على علاقة الحركة المزعومة بإيران والنظام السوري. في حين أن أي سوري معارض يعرف أن حركة حماس وقفت مع الثورة السورية منذ بدايتها، وساهمت في أعمال قتالية أيضاً إلى جانب من حملوا السلاح ضد النظام. وهو ما تسبب بطرد قادة الحركة من دمشق منذ مطلع تشرين الثاني 2012. ويتهم النظام مقاتلي حماس بأنهم دربوا فصائل معارضة على حفر الأنفاق إضافة إلى مشاركة بعض مقاتليها في الثورة المسلحة. ولم يغفر النظام هذه «الطعنة في الظهر» إلى اليوم، وبخاصة إسماعيل هنية وخالد مشعل اللذين لم يوافق على زيارتهما لسوريا ضمن وفد الحركة الذي جاء قبل بضع سنوات لفتح صفحة جديدة مع النظام. وبعد اغتيال هنية لم ينشر النظام أي تعزية بشأنه. لافت هذا التلاقي في الموقف بين النظام وبعض من يزعمون معارضته في الحقد على هنية وحركة حماس، الأمر الذي يبرر الشك في مطلقي هذه الحملة عما إذا لم يكونوا موالين للنظام متخفين في صورة معارضين. أما الجهل فقد يكون وراء كثير من التعليقات المحبذة على منشورات أصحاب الحملة. هذا أيضاً يدعو للتساؤل عن دوافع معارضة أولئك المعلقين للنظام، فيما إذا كانت تقتصر فقط على الدافع الطائفي. على أي حال يبقى هذا الانقسام السوري حول اغتيال هنية نموذجاً لقراءة أي حدث خارجي بمنظار محلي ضيق، فيطلق الأحكام على صراعات لا علاقة مباشرة لها بسوريا بدلالة الصراع السوري. بهذه الطريقة لا يخلو الأمر حتى من مصفقين لإسرائيل كلما ضربت هدفاً لإيران أو حزب الله أو حتى حركة حماس التي لم تتحالف تكتيكياً مع إيران إلا قبل سنوات قليلة.
أما في تركيا التي أعلنت حكومتها الحداد الرسمي على اغتيال هنية ليوم واحد، فقد ظهر سجال مشابه بعدما نشر الزعيم الكردي السجين صلاح الدين دمرتاش تغريدة على حسابه نعى فيها هنية الذي وصفه بأنه «أمضى حياته في مقاومة الظلم» وندد بإسرائيل التي قامت باغتياله. وجاءت ردود الفعل على هذه التغريدة من البيئة المؤيدة لدمرتاش، من كرد وأتراك على السواء. فانقسم المعلقون بين أكثرية انتقدت التغريدة من منطلق عداء أيديولوجي لحركة حماس بوصفها حركة إسلامية متشددة وحليفة للحكومة التركية التي يعارضها أصحاب التعليقات، كما ركز بعضها من منطلقات نسوية وعلمانية على اضطهاد حركة حماس للنساء في قطاع غزة.
الموقف الرسمي لجميع الأحزاب السياسية في تركيا، موالاة ومعارضة، هو إدانة الحرب الإسرائيلية على غزة والتضامن مع الشعب الفلسطيني
وثمة من أراد تذكير دمرتاش بأن إسماعيل هنية الذي ينعيه لم يقل كلمة واحدة في مواجهة الحكم الجائر الذي صدر بحق دمرتاش قبل بضعة أشهر! تعليقات قليلة فقط استصوبت تغريدة دمرتاش.
هنا أيضاً نلاحظ طغيان المنظور المحلي في قراءة حدث خارجي، بحيث يتحدد موقف التركي من اغتيال هنية، وكذا من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، من منظور التجاذبات المحلية بين معارضة كردية أو علمانية لم تر في حركة حماس غير علاقتها الودية مع الحكومة القومية/ الإسلامية في تركيا، ومؤيديها الذين يخرجون في مظاهرات تضامناً مع الشعب الفلسطيني.
ليس القصد تعميم الظاهرة المشار إليها أعلاه، فبين معارضي الحكومة التركية أصحاب مواقف حصيفة هالتهم الوحشية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين التي يدينونها، ويواظبون على التعبير عن تضامنهم مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، حتى لو كانوا على خصومة أيديولوجية مع حماس. أضف أن الموقف الرسمي لجميع الأحزاب السياسية في تركيا، موالاة ومعارضة، هو إدانة الحرب الإسرائيلية على غزة والتضامن مع الشعب الفلسطيني. إنما أرادت هذه المقالة تسليط الضوء على مواقف غريبة ناتجة عن عمى أيديولوجي وتمركز حول التجاذبات المحلية في النظر إلى كل ما يحدث في العالم.
أشار الصحافي يلدراي أوغور إلى ما حدث في إحياء الذكرى التاسعة والسبعين لضرب هيروشيما بالقنبلة النووية، حين تحدث محافظ المدينة عن «قتل النساء والأطفال» الآن في قطاع غزة من غير أن يسميها، تسلطت عدسات الكاميرات على السفير الإسرائيلي لدى اليابان الذي كان حاضراً في المناسبة، في حين أعلن محافظ ناغازاكي أن السفير الإسرائيلي لن يكون مدعواً لإحياء ذكرى القنبلة الثانية التي ألقيت على المدينة في التاسع من الشهر الجاري. وبهذه المناسبة نبش الصحافي التركي في أرشيف الصحافة المحلية لينقل ترحيب معظم تلك الصحف وبعض كتابها بإلقاء القنبلتين النوويتين! ويفسر هذا الموقف الصادم باصطفاف تركيا السياسي مع العالم الغربي، ونظرتها الاستعلائية إلى الشرق «المتخلف»! لينتهي إلى أن ثمة أناسا في تركيا يكررون الخطأ نفسه اليوم في تحديد مواقفهم من حرب الإبادة الجارية في غزة، في الوقت الذي تملأ المظاهرات التضامنية مع الفلسطينيين شوارع العواصم الغربية.
كاتب سوري