لإدراك أهمية فوز زهران ممداني الصادم في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي التي جرت الشهر الماضي لمنصب عمدة نيويورك، يجدر بنا أن نتذكر مفاجأة أخرى حدثت قبل 11 عاماً وعلى بُعد نحو 300 ميل إلى الجنوب، في انتخابات تمهيدية للحزب الجمهوري في الكونغرس بالقرب من ريتشموند بولاية فرجينيا. ففي عام 2014، تحدى ديف برات، أستاذ الاقتصاد غير المعروف في كلية راندولف ماكون، إريك كانتور، الذي كان آنذاك زعيم الأغلبية في مجلس النواب. وكان برات قد تفوق عليه بفارق هامشي يزيد على 10 إلى 1، وعلى الرغم من ذلك، فاز بـ11 نقطة مئوية، ليصبح بذلك أول منافس رئيسي يطرد زعيم الأغلبية في مجلس النواب في التاريخ الأميركي.
من الناحية الآيديولوجية، لا توجد قواسم مشتركة تُذكر بين برات وممداني. ولكنهما فازا في الانتخابات التمهيدية لأسباب متشابهة: فقد استغل كل منهما الهوة بين القاعدة الشعبية في حزبه ونخبته. في عام 2014، أبدى العديد من الناخبين الجمهوريين كراهية لمؤسسة الحزب الجمهوري. واليوم، يشعر العديد من الديمقراطيين بقدر مماثل من الغضب إزاء الساسة الذين يزعمون أنهم يمثلونهم. وفي عام 2014، استخدم برات قضية واحدة على وجه الخصوص لتوضيح تلك الهوة: الهجرة. أمّا اليوم، فقد صار الاغتراب الديمقراطي أكثر غموضاً. ولا يبدو أن أي موضوع واحد يلوح في الأفق بقدر ما كانت عليه قضية الهجرة بين الجمهوريين قبل عقد من الزمان. ومع ذلك، فإن فوز ممداني يوضح الهوة الكبيرة بين العديد من الديمقراطيين العاديين وبين المؤسسة الديمقراطية حول موضوع واحد على وجه الخصوص: إسرائيل. وركز ممداني في رسالته على جعل مدينة نيويورك في متناول الجميع. وقد ركزت حملة المرشح الأوفر حظاً في السباق أندرو كومو – بالإضافة إلى مهاجمة ممداني باعتباره عديم الخبرة ومتهاوناً في مكافحة الجريمة – بشكل مكثف على التزام خصمه الصريح للغاية بحقوق الفلسطينيين. وكان هذا الالتزام أحد الأسباب التي جعلت العديد من المعلقين السياسيين والعملاء يفترضون أن ممداني، وهو عضو شاب في مجلس الولاية، لن يتمكن من الفوز. ولم يُقدّروا مدى التغير واسع النطاق في الرأي العام بشأن هذه القضية.
كان هذا التحول على الصعيد الوطني. ففي عام 2013، وفقاً لمؤسسة «غالوب»، تعاطف الديمقراطيون مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين بفارق 36 نقطة مئوية. وقد تراجعت هذه الأرقام الآن، بعد أكثر من 10 سنوات من الحكم اليميني غير المنقطع تقريباً لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وصعود المتعصبين غير المحترفين إلى السلطة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، والمذابح الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل وحملات التجويع ضد الفلسطينيين في قطاع غزة: في فبراير (شباط) من العام الحالي، وجدت مؤسسة «غالوب» أن الديمقراطيين يتعاطفون مع الفلسطينيين على حساب إسرائيل بهامش قدره 38 نقطة مئوية. ووفقاً لمسح أجرته مجلة «إيكونوميست» وصحيفة «يوغوف» في فبراير، يريد 46 في المائة من الديمقراطيين أن تخفض الولايات المتحدة المساعدات العسكرية للدولة اليهودية. وهناك 6 في المائة فقط يريدون زيادتها، فضلاً عن 24 في المائة يريدون بقاءها في المستوى الراهن.
ولا تقتصر هذه الآراء على الشباب التقدميين. تأرجحت آراء الديمقراطيين الأكبر سناً بشكل أكثر حدة من آراء الشباب ضد إسرائيل في السنوات الأخيرة. بين عامي 2022 و2025، ووفقاً لمركز بيو للأبحاث، ارتفعت نسبة الديمقراطيين الذين تبلغ أعمارهم 50 عاماً فأكثر – ممن لديهم وجهة نظر سلبية تجاه الدولة اليهودية – بنسبة ملحوظة بلغت 23 نقطة مئوية.
واحد فقط من كل 3 ديمقراطيين ينظر إلى إسرائيل الآن بشكل إيجابي، وفقاً لمؤسسة «غالوب». وهذا من شأنه أن يجعل إسرائيل أقل شعبية من كوبا إلى حد كبير، وأكثر شعبية من الصين بقليل. وعلى الرغم من ذلك، فإن أقوى الشخصيات في الحزب – من قادة الأقلية السيناتور تشاك شومر والنائب حكيم جيفريز إلى العديد من الديمقراطيين الذين من المرجح أن يترشحوا للرئاسة في عام 2028 – تعارض اشتراط ربط الدعم العسكري الأميركي باستعداد إسرائيل لتأييد حقوق الإنسان. وهذا يضعهم في صراع واضح مع قاعدة حزبهم. إن دعم إسرائيل ليس السبب الرئيسي الذي يجعل 62 في المائة من الديمقراطيين، وفقاً لوكالة «رويترز»، يريدون قادة جدد. أكثر ما يثير غضب القاعدة الشعبية من الديمقراطيين هو عدم قدرة حزبهم على هزيمة دونالد ترمب في صناديق الاقتراع والوقوف في وجهه كرئيس. ولكن الدعم الذي لا جدال فيه لإسرائيل أصبح، بالنسبة للكثيرين، رمزاً لخزي واضح وعدم أصالة نخبة الحزب – وهذا يجعلهم عرضة للمتمردين السياسيين الذين لا يخالفون قيم المساواة ومكافحة التمييز. بهذه الطريقة ربط ممداني دعمه لحرية الفلسطينيين برسالته الأوسع. على مستوى الكونغرس، من الصعب اتباع مسار ممداني. ففي الخريف الماضي، ساعد اللوبي المؤثر المؤيد لإسرائيل «أيباك» في هزيمة عضوين مؤيدين للفلسطينيين في مجلس النواب، جمال بومان وكوري بوش. ويكافح المرشحون لمجلسي النواب والشيوخ لجمع ما يكفي من المال لمنافسة الممولين المؤيدين لإسرائيل. إن فوز ممداني ليس بالأمر الهين. بل إنه مؤشر على ما هو قادم.
* خدمة «نيويورك تايمز»