لم تظهر إسرائيل أي إشارة تشي بأنها تقبل بوقف النار، وترى أن من مصلحتها الاستمرار في عدوانها على “حزب الله”. ولا تطمح إلى أبعاده من البلدات الحدودية فحسب، بل تنوي استئصال قوته العسكرية.
لا يزال لبنان يدعو إلى الهدنة التي لا يعارضها الحزب منذ ما قبل اغتيال السيد حسن نصرالله. وقد أعطى كلام الشيخ نعيم قاسم دفعا للرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي في تعزيز موقف لبنان المطالب بالتوصل إلى وقف النار. لكن المشكلة تكمن عند بنيامين نتنياهو الرافض كل النداءات الأوروبية والأميركية والعربية، إذ يرى أن جيشه يحقق أجندته التي كان أعدّ تفاصيلها قبل “طوفان الأقصى”.
بعد التفويض الذي منحه قاسم لبري، يتبين أن الحزب ينتظر فرصة تحقيق هذه الهدنة لجملة من الاعتبارات تخص قيادته، إضافة إلى رفع جزء من الضغوط الملقاة على أكثر من مليون نازح لا يعرفون ما تخفيه لهم الأيام المقبلة.
في الشق السياسي، ترك الحزب لبري مهمة استكمال تواصله مع أكثر من قناة ديبلوماسية غربية وعربية. ولم يكشف في شكل واضح عن مسألة إعلانه الفصل بين جبهتي غزة والجنوب، مع الإشارة إلى أن لبنان مستعد لتطبيق الـ 1701، بما يعني حصول هذا الفصل على أرض الواقع.
أما في الميدان، فلسان حال الحزب أنه تمكن من ترميم قيادتيه العسكرية والسياسية. وتؤكد الوقائع على طول الحدود من الناقورة إلى تخوم مزارع شبعا ثبات مجموعات المقاومة المنتشرة في هذه النقاط التي لم تغادرها في الأصل، فضلا عن انتشارها المنظم في سائر البلدات، وخصوصا الحدودية منها، لمنع إسرائيل من تحقيق اجتياح بري، ولو استعملت عبارة “محدود” للإيحاء أمام العالم أنها لا تريد احتلالا طويلا. وإذا تمكنت من السيطرة على كل الجنوب فهي لن تقصر في فرض شروط على لبنان وإيصال الحزب إلى درجة “الاستسلام”.
يعترف الحزب بالهوة التكنولوجية بينه وبين إسرائيل، “ورغم ذلك ما زالت صواريخ المقاومة تهدد عمق أراضي الكيان وصولا إلى حيفا”.
وإذا كانت كل المعطيات على الأرض تتجه نحو التصعيد بين إسرائيل والحزب، فإن الحراك الديبلوماسي لم يتوقف، ولو أن الاتصالات المفتوحة لا تؤشر لحصول أي خرق يؤدي إلى تحقيق هدنة بين الطرفين.
ويؤكد ديبلوماسي عربي لـ”النهار” دولته ممثلة في “الخماسية”، أن المشكلة ليست في لبنان الساعي إلى وقف النار، ولا سيما بعد “التطور الأخير” وموقف الشيخ قاسم. ويتبين أن الاتصالات الديبلوماسية المفتوحة بين مختلف الجهات لم تؤد المطلوب، وأن القنوات الديبلوماسية تنشط بين واشنطن وباريس والدوحة لكنها تصطدم بمواقف نتنياهو الرافض أي هدنة حتى الآن، ويستعمل الأسلوب نفسه الذي اتبعه في غزة. ويقول الديبلوماسي إنه “غير متفائل” نتيجة سياسة التصلب الإسرائيلية. وأكثر ما يمكن فعله الآن هو تقديم المساعدات الإنسانية للبنان بغية إيواء النازحين ومساعدتهم. وتضطلع قطر بدور كبير في هذه المجال، إلى جانب مساعيها الديبلوماسية بعد إطلاقها جسرا جويا لنقل المساعدات، فضلا عن قيام دولة الإمارات التي استنفرت لهذه المهمة بحملات شعبية لمساعدة لبنان.
ويخشى الديبلوماسي نفسه أن تتجه الأمور نحو مزيد من التدهور والتصعيد “لأن نتنياهو يعيش نشوة النصر بعد تصفيته السيد حسن نصرالله. ورغم ما حققه، قد لا يكون ضروريا بالنسبة إليه أن يبلغ كل أهدافه ويتمكن من القضاء على قدرات المقاومة”.
أمام هذه التحديات التي تواجه كل اللبنانيين ومكوناتهم، ينصح الديبلوماسي بأن “يكرر المسؤولون التمسك بالـ 1701 ويعملوا سريعا على انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة لتحصين موقف لبنان في أي مفاوضات مقبلة”.