أثارت الشروط التي حدّدتها اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري، الكثير من اللغط والمخاوف، وتحديداً شرط حصول المرشح على الجنسيّة السورية قبل آذار/ مارس 2011، الذي أثار قلقاً كبيراً بين الكرد السوريين، خصوصاً الذين حصلوا على الجنسيّة السورية، بموجب المرسوم التشريعي رقم 49 الصادر في نيسان / أبريل 2011، بعد قرابة نصف قرن من الحرمان والتمييز في الهوّية.
هل يستثنى الكرد من مجلس الشعب؟
في عام 2011، صدر المرسوم التشريعي رقم 49 الذي قضى بمنح الجنسيّة السورية للأشخاص المقيّدين في سجلات أجانب الحسكة. هذا المرسوم جاء ليُنهي عقوداً من الحرمان من الجنسيّة عانى منها مئات الآلاف من الكرد السوريين، الذين كانوا يُعرفون بـ “المكتومين” و “الأجانب” في محافظة الحسكة.
كان هذا القرار خطوة مهمّة نحو إنهاء التمييز، ودمج هذه الفئة في المجتمع السوري بشكل كامل، مانحاً إيّاهم حقوقاً مدنية وسياسية أساسية، بما في ذلك حقّ الانتخاب والترشّح.
لمتابعة هذه القضيّة، التقى “درج” مع سراج علي، الذي قال: “والدي ووالده، حُرما من كلّ شيء في هذه الحياة، جواز السفر، تسجيل الولادات والعقارات والأملاك، رؤية أبنائهم يتخرّجون في الجامعات، المشاركة في الترشيح والتصويت، كلّ ذلك لأننا لم نكن نملك كغيرنا الهوّية السورية”.
أضاف علي: “قرأت ما نشرته وسائل الإعلام المختلفة حول شرط التجنيس قبل 2011، لا أعتقد أن الكرد سيكونون مشمولين بالقرار، أساساً لن نشارك في الانتخابات بهذه الآلية والطريقة، لكن إن كان الكرد مشمولين، فإننا أمام لوحة جديدة أكثر سوداوية من تاريخ النظام، وأرجّح أن يصدر توضيح ينفي شمول الكرد بالقرار”.
من هم مكتومو القيد والأجانب؟
دعا الرئيس السوري الأسبق ناظم القدسي بالمرسوم التشريعي رقم 39 الصادر في عام 1962، إلى إجراء إحصاء خاصّ في محافظة الحسكة، وليوم واحد فقط، أطلق عليه الكرد اسم “الإحصاء الجائر”، الذي حُرِم بموجبه مئات الآلاف منهم من حقّ الجنسيّة والهوّية السورية.
وقسّم الإحصاء السكان إلى ثلاث فئات: المواطنون، وأجانب الحسكة الذين جرّدوا من الجنسيّة ومنحوا بطاقة حمراء عوضاً عن الهوّية، ومكتومو القيد الذين قيل إن أسماءهم لم ترد في السجلّات الرسمية، فحرموا من كلّ شيء حتى وثائق التعليم، كحال الكثيرين ممن أنهوا دراستهم حتى الثانوية العامّة بتفوّق، لكن دون أية وثيقة رسمية.
ولم تُصدر وزارة الداخلية في نظام الأسد، أية إحصائيات رسمية لعدد المجنّسين، في حين تقول إحصائيات كردية إن العدد بدأ بأكثر من ألف مُجرّد من الجنسيّة خلال الإحصاء، ومن الطبيعي أن يزداد لاحقاً.
أما مكتومو القيد ووفقاً للمنظّمات الحقوقية الكردية والمحامين العاملين في ملفّ تجنيس المكتومين، فإن عددهم يزيد على 120 ألف مواطن كردي مكتوم القيد، لم ينل منهم الهوّية سوى العدد اليسير فقط.
في حديثه مع “درج” قال المحامي فهد داوود: “صدر بلاغ وزاري يحمل الرقم 404 عن وزارة الداخلية، تعلن فيه إلغاء شرط مواليد ما بعد 1962 لحصولهم وأبنائهم على بطاقة الأجانب، وما قبل هذا التاريخ، فإن الجميع مع أبنائهم بقوا مكتومي القيد، وأعلن البلاغ عن بدء تجنس المكتومين ومنحهم الهوّية”.
وأضاف داوود حول قضية المواليد: “المكتومون انقسموا إلى قسمين، من يملك أصولاً مثل الجدّ، مواطن سوري، لكن الأبناء مكتومو القيد، ومن لا يملك القيد، الجدّ مكتوم والأبناء كلهم وأبناء الأبناء مكتومو القيد”.
ويُرجع داوود أسباب عدم حصولهم على الهوّية بالرغم من بلاغ وزارة الداخلية إلى “المضايقات الأمنية التي كانت تمارسها شعبة الأمن السياسي في دمشق، وفرعها في الحسكة، وقسمها في القامشلي، وطلب مبالغ مالية كبيرة لقاء منحهم الموافقة الأمنية، إضافة إلى الضغوط على منتسبي الأحزاب الكردية، والمشاركين في التظاهرات التي عمّت المنطقة الكردية الراغبة في إسقاط النظام”.
الإحصاء الجائر
أكّدت منظّمات حقوقية وناشطون كُرد أن إحصاء 1962 شكّل أعمق إجحاف للهوّية الوطنية السورية، وظلم كبير بحقّ مواطنين ولدوا لأم وأب سوريين، ومنهم من ولد أجدادهم في سوريا، لكنّهم لم يستطيعوا إثبات ذلك لأسباب كثيرة مختلفة.
زرنا مكتب المحامي معاذ يوسف لسؤاله عن الإحصاء، فأجاب: “الإحصاء خرق للمواثيق الحقوقية، وانتهاك لحقوق الإنسان، المواثيق الدولية كلّها ترفض مصطلح مكتومي القيد، أو حرمان مواطن أبسط حقوق الإنسان منذ ولادته ومنحه الجنسيّة”.
وقدّم يوسف بعض الأمثلة والنماذج عن الظلم والحيف، اللذين لحقا بالكرد، قائلاً: “حُرموا من حقّ العمل والتوظيف والحقوق السياسية والشخصية والتملّك، ومُنع على مكتومي القيد إصدار رخصة قيادة سيارة، أو دفتر العائلة، أو هوّيات لأبنائهم، أو تسجيلهم في دائرة النفوس، أو تثبيت عقد الزواج، مما يلزمهم تسجيل أملاكهم باسم غيرهم”.
إقرأوا أيضاً:
تنظيم “داعش” في سوريا: صراع داخليّ أم “حرب ضد الإرهاب”؟
لكن، هل تتحمّل السلطات السورية مسؤولية هجوم مار الياس؟
شرط الجنسيّة السورية قبل آذار/ مارس 2011؟
الواضح أن الشرط الذي وُضع للترشّح لمجلس الشعب، يستهدف فئة كبيرة ممن منحهم نظام الأسد الجنسيّة السورية، بسبب مشاركتهم إلى جانبه في الحرب على الشعب السوري، وتتشكّل من مقاتلين إيرانيين وأسرهم، وطيف من عوائل الميليشيات الأجنبية، التي سبق أن أعلنت الإدارة الجديدة في دمشق عزمها سحب الجنسيّة منهم، إذ صرّح المدير العامّ للشؤون المدنية في سوريا، عن البدء بـ”إجراءات إلغاء الجنسيّة التي منحها رئيس النظام المخلوع بشّار الأسد، لمقاتلين عرب وأجانب شاركوه في حربه ضدّ السوريين خلال السنوات الـ14 الأخيرة”، ولا أعداد واضحة عن هؤلاء لأن “النظام المخلوع دمّر البلاد، بما في ذلك شبكة المعلومات الخاصّة بالأحوال المدنية”.
لكنّ الترشيح لمجلس الشعب، وتحديد تاريخ دقيق لزمن التجنيس، يعني أيضاً أن الكرد المستفيدين من المرسوم 49، سيُحرمون من حقّهم في تمثيل أنفسهم في السلطة التشريعية، وهم “ينتمون إلى وسط سياسي ومجتمعي وإنساني ناضل على مدى نصف قرن للحصول على حقوقه المدنية”، وفقاً للسيد مسعود كولي من أهالي الحسكة.
وقال كولي لـ”درج”: “ناضلنا للحصول على حقوقنا كسوريين، لكن نجد أنفسنا اليوم، أمام عقبة جديدة تمنعنا من ممارسة حقّنا الأساسي والطبيعي في المواطنة والانتماء، سواء بالترشّح أو التصويت”.
من جانبه، أكّد عضو في اللجنة العليا للانتخابات، طلب عدم الكشف عن اسمه أن “الموضوع لا يزال قيد الدراسة، ولم يصدر حتى الآن أي قرار رسمي بشأنه، بانتظار اعتماد النسخة النهائية، لكن غالباً سيتمّ اعتماد أيّار/ مايو 2011، تاريخ الحصول على الجنسيّة كشرط للمشاركة في الانتخابات، بهدف مشاركة الكرد وضمان ممارسة حقوقهم التشريعية”، وحول قضيّة المكتومين قال: “لم يتمّ البتّ والإقرار النهائي بموضوع مكتومي القيد ممّن لم يحصلوا على الجنسيّة السورية بعد”.
التداعيات السياسية والاجتماعية للقرار
في حديثه مع “درج”، يؤكّد السياسي زاكي حاجي أن “هذا الشرط لو طُبّق فإنه يُثير مواقف ونتائج سلبية كبيرة، منها: تقويض لمبدأ المواطنة المتساوية، حيث يعكس هذا الشرط تمييزاً واضحاً بين المواطنين على أساس تاريخ حصولهم على الجنسيّة، وهو ما يتعارض مع مبدأ المواطنة المتساوية، وحقّ الجميع في المشاركة السياسية”.
ويقول حاجي: “إن القرار يؤدّي إلى إقصاء شريحة مهمّة من المجتمع، وحرمان شريحة واسعة من الكرد السوريين، الذين يُشكلون جزءاً لا يتجزّأ من النسيج المجتمعي، من إمكانية الوصول إلى مراكز صنع القرار، وتمثيل قضاياهم واهتماماتهم في مجلس الشعب، إضافة إلى تزايد الشعور بالإحباط والتهميش لدى الكرد المجنّسين، الذين قد يرون في هذا القرار نكوصاً عن الخطوات الإيجابية، التي اتُخذت سابقاً لدمجهم”، خاتماً حديثه إن هذا القرار سيقود إلى “التأثير على التنوّع في مجلس الشعب، ويحدّ من قدرة الكرد على إيصال أصواتهم بشكل فعّال، مما قد يؤدّي إلى نقص في تمثيل مصالحهم واحتياجاتهم”.
من جهته، أكّد الناطق الرسمي في “المجلس الوطني الكردي” الأستاذ فيصل اليوسف أن الكرد يرفضون التوجّه، أو القرار، أو أي شيء من شأنه إعادة إقصائهم عن المعادلة السياسية، وقال: “بغضّ النظر عن آليات تشكيل مجلس الشعب، التي أُعلن عنها مؤخّراً من قِبل رئيس الجمهورية السيّد أحمد الشرع، فإن حرمان أبناء الشعب الكردي من حقّ الترشّح والتصويت، ممّن جُرّدوا ظلماً وعدواناً من جنسيّتهم السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي سيّئ الصيت للعام 1962، ثم أُعيد إليهم بعد انطلاق الثورة السورية في نيسان/ أبريل 2011، بقرار من رأس النظام المنهار بشّار الأسد، يُمثّل استمراراً لنهج الإقصاء والتمييز، ويتناقض مع تطلّعات السوريين إلى حياة حرّة وكريمة”.
أضاف اليوسف: “إن هذا الإجراء يُبقي الكرد في دائرة الاستهداف الممنهج، ويحول دون نيلهم حقوقهم القومية، وحقّهم في المواطنة المتساوية والمشاركة الوطنية الفاعلة. إن ضحايا الإحصاء الاستثنائي، لا يُعالج وضعهم بالمزيد من التهميش، بل بالاعتراف الكامل بحقوقهم، وإنصافهم، وتعويضهم عمّا لحق بهم من ظلم تاريخي”.
تقول النخب الكردية إن هذا القرار لو شمل الكرد المجنّسين بعد آذار/ مارس 2011، فهو خطوة تثير تساؤلات حول مبادئ الشراكة السياسية والمساواة في سوريا، وهو يتطلّب إعادة النظر في الشرط، لضمان مشاركة شاملة للجميع في مستقبل البلاد.