منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر طرأت تغيرات شديدة على مناخ الجامعات السورية وأجواء الطلاب، إذ باتت تخضع للكثير من حملات الاستقطاب والتجاذب بين تيارات مختلفة، مدنية ودينية وسياسية.
عاشت كلية الإعلام في جامعة دمشق خلال اليومين الماضيين على وقع تحركات طلابية للمطالبة بعزل كل من الأستاذين محمد الرفاعي بتهمة التحرش ونهلة عيسى بتهمة التعامل مع أجهزة الأمن، ومحاكمتهما. وفي أعقاب ذلك أصدر وزير التعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال قراراً قضى بتوقيف عيسى عن العمل في الكلية وإحالتها إلى التحقيق، من دون التطرق إلى قضية الرفاعي. وقد أثار ذلك جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مكانة الدكتورة عيسى الإعلامية وتاريخها الطويل في التدريس والظهور على شاشات التلفزيون.
ومنذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر طرأت تغيرات شديدة على مناخ الجامعات السورية وأجواء الطلاب، إذ باتت تخضع للكثير من حملات الاستقطاب والتجاذب بين تيارات مختلفة، مدنية ودينية وسياسية. كما شهدت في الوقت ذاته عودة العديد من الطلاب المفصولين خلال السنوات الماضية بسبب مشاركتهم في التظاهرات ضد نظام الأسد، وهؤلاء أعادوا إحياء الاحتجاجات في الحرم الجامعي للمطالبة بما اعتقدوا أنه تصفية حساب مع من أساء إليهم.
ولم يكن التمييز في التعاطي الإداري بين الاتهام بالتعامل مع أجهزة الأمن، والاتهام بالتحرش، وحده ما أشعل السجالات، بل ثمة مخاوف عبرت عن نفسها لدى شريحة من السوريين الذين باتوا مهددين بفقدان وظائفهم ومصدر دخلهم بسبب تعبيرهم في السابق عن موالاتهم للنظام السابق، وهذا عزز الشكوك لدى هؤلاء باتباع سياسة العزل السياسي بحقهم تدريجياً.
وأصدرت وزارة التعليم العالي في سوريا قراراً يقضي بإيقاف الدكتورة عيسى عن العمل وإحالتها إلى التحقيق، من دون الكشف عن الأسباب الرسمية للقرار، وفق ما نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ووصف المصدر عيسى، المنحدرة من قرية شين في ريف حمص الغربي، بأنها شخصية مثيرة للجدل، إذ ارتبط اسمها بالأفرع الأمنية والممارسات القمعية خلال حقبة النظام البعثي، واتُهمت بكتابة تقارير ضد الطلاب.
وعلمت “النهار” من مصدر في كلية الإعلام، وهو أستاذ رفض الكشف عن هويته لحساسية الموضوع، بأن القضية التي خرجت بسببها احتجاجات الطلاب أخيراً وأدت إلى فصل عيسى تتعلق بطالب واحد. وأن هذا الطالب اعتقل قبل سنوات طويلة، ولكن منذ سقوط النظام أعيدت قضيته إلى الحياة وصولاً إلى الاحتجاجات الأخيرة.
وأشار المصدر إلى مدى تشابك القضية وغموض ملابساتها بالنسبة إليه، وهو ما يجعل من التسرع في الحكم مشكلة بحسب قوله، إذ أكد أن الطالب المعني اعتقل في ذلك الحين من مكتب عميد الكلية (يحيى العريضي) الذي أصبح لاحقاً قيادياً في صفوف المعارضة السابقة، مشيراً إلى أنه يعلم علم اليقين بأن عيسى، على عكس ما يشاع، لعبت دوراً في الإفراج عن الطالب، وقد جاء والده وشكرها في مكتبها في ذلك الحين. وأبدى استغرابه للطريقة التي انقلبت فيها الأمور لاحقاً وتسببت بعزل عيسى من عملها.
وحاولت “النهار” الاتصال بالدكتورة عيسى للتعليق على مجريات القضية لكنها لم تتلق أي رد.
وقد حذّر عدد من أساتذة كلية الإعلام من خطورة اتباع هذا النهج في التعامل مع الأساتذة الجامعيين لأنه يضع مصيرهم بين يدي الطلاب.
في المقابل يرى بعض الطلاب أن هذه المرحلة هي مرحلة الحرية والتعبير عن الرأي وأنهم سيصفون حساباتهم مع أي أستاذ تسبب بأذيتهم سابقاً.
وتحدث مصدر في كلية الإعلام لـ “النهار” عن حجم التغيير الذي طرأ على طباع الطلاب وسلوكياتهم منذ سقوط النظام، وعزا ذلك إلى شعورهم بامتلاك فائض قوة بعد مجيء السلطة الحالية التي قامت على أكتاف “ثورتهم” وفق تعبير أحدهم.
وأوضح المصدر أن الطلاب أصبحوا أكثر قوة، وهذه القوة تصل في بعض الأحيان إلى حدود القسوة والعدائية، كما حدث في جامعة حمص عندما تهجم طالب على أستاذه في مكتبه، لعدم رضاه عن نتيجته في مادة الدكتور.
ولكن كانت أكثر التساؤلات تنصب على سبب سرعة صدور قرار بحق الدكتورة عيسى، وعدم صدور أي قرار بحق الدكتور الرفاعي، علماً أن الطلاب المحتجين كانوا يطالبون بمحاسبة الاثنين، ومع ملاحظة أن التهمة المنسوبة إلى الرفاعي أكثر فداحة من الناحية الأخلاقية والقانونية من تهمة التعامل مع أجهزة الأمن.
وهذا ما دفع عدداً من أساتذة الجامعة عموماً وكلية الإعلام خصوصاً، إلى التعبير عن مخاوفهم من أن يكون مصير أي أستاذ جامعي بات متوقفاً على توثيق صورة له وهو يرفع العلم السوري السابق أو يقف إلى جانب أحد جنود الجيش السابق أو ربما لمجرد توثيق منشور له على صفحات التواصل الاجتماعي يشيد فيه بالرئيس السابق بشار الأسد، معتبرين أن مثل هذا النهج سوف يتطلب محاكمة 99% من الشعب السوري.
وبعد صدور قرار حل حزب “البعث” وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، زادت المخاوف لدى شرائح من العاملين في مؤسسات الدولة على مصيرهم الوظيفي، خصوصاً أنهم بدأوا يلحظون وجود شبه في إجراءات الإدارة الجديدة والإجراءات التي اتُخذت في العراق عقب الاحتلال الأميركي، لافتين إلى وجود بوادر تدل إلى أن كل من يثبت بدليل ملموس أنه كان موالياً للنظام السابق سوف يجري الاستغناء عنه.