المدن
لم نعتَد احتِرامَه. إغتلنا مساراتِ تطبيقه. من الواضِح أنَّ تجويفه جَعَلَ مِنْهُ جِيفَةً مُفَكَّكة. جيفَة ينهشُها المتلطُّون به، والحاقِدون عليه. حلفٌ موضوعيّ يَجمَعُ هؤلاء وأولئك. المتلطُّون به يقتاتون من تطويعِه. الحاقِدون عليه يُمعِنون في إبرازِ عوراتِه. بين هؤلاء وأولئك ثمَّة من يودُّ استِعادةَ أداءٍ سابِق. هذا الأخيرُ قابِعٌ في استِعراضٍ مُتَتَالٍ. حتَّى إنَّ إثقال الأداء بإحاطاتٍ ملتبِسَة، يؤشِّرُ إلى اعتباراتٍ تسوويَّة. بين التسويَةِ والتسوويَّة بونٌ هائِل. الدُّستور يبدو في زاويةٍ يبكي حَظّه اللَّعين.
شَعَرْتُ بما سَبَق من مُعَادلةٍ موجِعَة في الدَّانمارك. صادفَت زيارتي، من ضمن مسار الديبلوماسيَّة العامَّة الذي ينتهِجُه ملتقى التأثير المدني منذ أكثر من عشرِ سنوات، صادَفت تُلاقي “اليوم الدُّستوري”. في كُلِّ خامسٍ من حزيران يخرُجُ أحفادُ الفايكينغ إلى السَّاحات ليتذكرُّوا قِيَم الحريَّة، والدّيموقراطيَّة، والعدالة. حيثُ تتسيَّدُ منظومة حقوق الإنسان. المنظومة عندنا نَسَقٌ آخر من الاستشراس في تقاسُمِ المغانِم. هُناك في كُلِّ المملكة الهادئة، ولو على وَقْعِ دعمِها الهائل لأوكرانيا، تشعُرً برهبَة الدُّستور. عَنْصَرَةُ دولةِ النَّزاهة والكفاءَة ينتمي إليها هذا الشَّعب. يُكرِّس هؤلاء الأحفادُ أنشطتهُم لمقاربة الأزماتِ العالميَّة. يتوقون إلى السَّلام. السَّلام عندهم عَدْل. العَدْلُ في كُنْهِهم نِضال. النِّضالُ يحترفونه بمنأى عن ازدواجيَّة المعايير.
مشهديَّة هذا النَّهار تاريخيَّة لا تنتهي. في جينات الأَحفاد ما يستدعيهم إلى عيشِ حقيقَةِ الدّيموقراطيَّة التي تُميِّزُ مجتمعهم. يتبادلون أحاديث السِّياسة واللَّاهوتِ العامّ على حدِّ سواء. يبتعدون عن سياساتِ الهُويَّة. يُسائِلون حلفاءَهم قبل الخُصُوم عن مآلاتِ الصِّراعات. يتبنُّون ديبلوماسيَّة مُبَادِرة. كُلُّ ما أسْلَفنا يُلهِمُهم إيَّاهُ الدُّستور.
إستِذكار “اليوم الدُّستوريّ” هذا يُحاكي لَوْعَة الأيَّام اللَّادستوريَّة التي رُهِنَ فيها لبنان وشعبُه لأجُنداتٍ خبيثة. أُخْلَيت الدّيموقراطيَّة التي وردت في دستورِنا من الدّيموقراطيَّة. إستحالَت سلوكيَّاتٍ زبائنيَّة. تعمَّقَت ممارساتٍ تصادُقيَّة. إسترسَلت في شدِّ العصبيَّات باسْمِ الحقوق. السِّياقُ المأزومُ هذا كرَّس ازدواجيَّة المعايير إلى حدِّ البَلْف. البَلْفُ يعني اقتِبال تشويه مفاهيمِ الدّيموقراطيَّة التَّوافقيَّة، والسِّلم الأهلي، والعيش المشترك، وتداول السُّلطة بسلميَّة وانتِظام، والعدالة الاجتِماعيَّة، والاقتِصاد الحُرّ، والليبراليَّة، والحَوْكمة الرَّشيدة والمواطنة. التَّشويه هذا أمسى أعرافًا تتفاعَل باسْمِ تحاشي الاستِعداء. المُهادنَة في السِّيادة والإصلاح عدوُّ الشرعيَّة الدَّولتيَّة. إستِعداء السِّيادة والإصلاح، تدويرًا لزوايا ضنًّا بالهُدوء، تبسيط.
أحفادُ الفايكينغ يُشكِّلُون أمثولَة في الانتِماء الى الدُّستور. متى نحنُ أحفاد الفينيقيّين نتحمّل مسؤوليّة صون إرثنا الحضاري، ونبني دولة؟
increase