خلق توتر أمني واجتماعي لإضعاف الإقليم في خلافه مع الحكومة المركزية.
احتجاجات المعلمين مرة أخرى، والحل بيد بغداد
أربيل (كردستان العراق) – اتهمت قيادات في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحزب الثاني في الإقليم الاتحاد الوطني وأحزاب إيران في بغداد بمحاولة نقل اعتصامات الرواتب إلى أربيل للضغط على قيادة الإقليم وزعامة الحزب الديمقراطي وخلق حالة من التوتر الأمني والاجتماعي لإضعاف أربيل في خلافها مع الحكومة المركزية.
وتقول أوساط سياسية كردية إن محاولة نقل الاعتصامات من السليمانية إلى أربيل ليست حركة تلقائية، وإن كان من حق المعتصمين أن يتظاهروا للبحث عن حل، مشيرة إلى أن هناك تنسيقا بين الحكومة الاتحادية في بغداد والاتحاد الوطني لاستثمار قضية الرواتب ضد قيادة الإقليم، ومحاولة إثارة غضب شعبي عليها.
ووصف القيادي في الحزب الديمقراطي هوشيار زيباري “حركة الاعتصام التي نظمت مؤخرا في السليمانية (بأنها) مسيسة بامتياز.”
وأضاف زيباري على حساب في منصة إكس أن “الأجدر بالإخوة المعتصمين أن يحولوا خيامهم واعتصاماتهم وإضرابهم عن الطعام إلى ساحة التحرير (بغداد) أو شارع الإمام القاسم أمام وزارة المالية للمطالبة بدفع استحقاقاتهم المالية بانتظام.”
وشهدت السليمانية الأحد احتجاجات واسعة، نظمها معلمون وموظفون حكوميون للمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة وتحسين أوضاعهم المعيشية. ولاحقا حاول المئات من المحتجين التوجه إلى مدينة أربيل بهدف تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر الأمم المتحدة.
ومع وصول المتظاهرين إلى المداخل الرئيسية للمدينة، فرضت القوات الأمنية الكردية طوقا مشددا، وأقامت حواجز أمنية لمنع المحتجين من الدخول إلى المدينة.
وفشلت الأحزاب الشيعية، المتحكمة في الحكومة الاتحادية، في فرض شروطها على إقليم كردستان وجره إلى التنازل عن حقه في الاستفادة من نفطه، ما دفعها إلى توظيف الاتحاد الوطني في افتعال الأزمات بالإقليم ورفض فكرة توطين الرواتب بعرقلة مشروع “حسابي”، الذي يضم مجموعة بنوك داخل إقليم كردستان.
وتقول قيادة الإقليم إنها تنتظر تحويل الرواتب من الحكومة الاتحادية فيما تقول بغداد إن الرواتب تم تحويلها بالفعل، ودفع هذا الغموض إلى توتير الأوضاع. وسعى الاتحاد الوطني وحلفاؤه في بغداد، من أحزاب الإطار التنسيقي الموالي لإيران، إلى تصعيد الاحتجاج؛ وذلك بإفراغه من بعده المطلبي المباشر واستثماره كورقة ضغط ضد قيادة الإقليم.
وقالت وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان ضمن بيان إن “مجموعة من الأشخاص والجهات الخارجية والداخلية في العراق يريدون استغلال هذه المطالب لأهدافهم المشبوهة، كما أن بعض الأطراف التابعة، والجهات الخارجة عن القانون، وحزب العمال الكردستاني وآخرين يستغلون هذه الفرصة وينوون استخدامها لزعزعة أمن مناطق أخرى في الإقليم، وبذلك يخلطون المطالب المشروعة للموظفين بأجنداتهم الخاصة.”
وأكد محافظ أربيل، أوميد خوشناو، أن الاحتجاجات التي تشهدها مدينة السليمانية يتم استغلالها من قبل بعض الجهات السياسية لتحقيق مكاسب انتخابية، مبينا أن الإضراب يجب أن يكون موجها ضد الحكومة الاتحادية في بغداد، لأنها مسؤولة عن تأخير صرف رواتب الموظفين في إقليم كردستان.
pp
وأشار خوشناو، في تصريح للصحافيين على خلفية الأزمة، إلى أن أربيل ترحبُ بالضيوف ومحبة لهم، ولكنها غير مستعدة لاستقبال مثل هكذا أشخاص، لأن الناس هنا منشغلون بمزاولة أعمالهم اليومية في الأسواق والمراكز التجارية، والدوام الرسمي يجري بشكل طبيعي في الأوساط التعليمية والدوائر والمؤسسات الحكومية.
وخلال موجة الاحتجاجات الحالية وجهت وسائل إعلام كردية أصابع الاتهام نحو الاتحاد الوطني وحزب العمال الكردستاني والفصائل الموالية لإيران في بغداد. وفي 7 فبراير زار برلمانيون عراقيون، وجلهم من الجماعات الموالية لإيران، السليمانية للتعبير عن تضامنهم مع المتظاهرين.
وقال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني صالح عمر إن “التظاهر حق دستوري وقانوني، ولكن وفقا للسياقات القانونية، إلا أن جهات سياسية كردية تدعم الفوضى وزعزعة الاستقرار في الإقليم لأهداف الدعاية الانتخابية.”
وأضاف “بعض الأحزاب التي تدعم التظاهرات هي مشاركة في حكومة الإقليم، وتنتقد حكومة كردستان، وهي تعرف أن مشكلة الرواتب لا علاقة للإقليم بها. ولكن التظاهرات التي اتجهت إلى أربيل هي مدفوعة الثمن من جهات سياسية كردية، وتقف خلفها شخصيات سياسية عراقية هدفها زعزعة الاستقرار والعداء للحزب الديمقراطي،” في إشارة إلى بعض قوى الإطار التنسيقي الشيعي.
قيادة الإقليم تقول إنها تنتظر تحويل الرواتب من الحكومة الاتحادية فيما تقول بغداد إن الرواتب تم تحويلها بالفعل، ودفع هذا الغموض إلى توتير الأوضاع
وشدد على أن “مشكلة الرواتب هي في بغداد، ووزارة المالية الاتحادية هي المسؤولة عن التأخير، وأربيل التزمت بكل الاتفاقات، لكن هناك جهات سياسية لا ترغب في توصّل الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم إلى اتفاق، وتعمل على وضع العراقيل، ولهذا فإن التظاهر يجب أن يكون في بغداد، وليس في أربيل.”
وتعود جذور الصعوبات المالية التي تواجهها حكومة إقليم كردستان، وهي على درجة من التعقيد، إلى سنة 2014 عندما قرر رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي خفض حصة الإقليم في الموازنة.
وتزايد استغلال بغداد لأزمة الرواتب والموازنة لإضعاف استقلال حكومة الإقليم، وخاصة بعرقلة مصدر إيراداتها الأساسي (صادرات النفط) عبر المسارات القانونية في المحاكم المحلية والدولية.
ووزعت حكومة إقليم كردستان رواتب شهر يناير في مطلع فبراير بعد تلقي أموال من بغداد. ويضمن الاتفاق الأخير بين حكومة إقليم كردستان وبغداد تنظيم دفع الرواتب، مدعوما بتعديل قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق لعام 2025 الذي تضمن زيادة رسوم الإنتاج والنقل لشركات النفط العالمية في الإقليم.
كما أعلن مكتب الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد، في 9 فبراير، عن رفع دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزيرة المالية طيف سامي بسبب تأخر صرف الرواتب.
وتضمنت الدعوى المطالبة بـ”إصدار أمر ولائي عاجل، يُلزم وزارة المالية الاتحادية بصرف رواتب موظفي إقليم كردستان بجميع فئاتهم، سواء للأشهر السابقة أو اللاحقة، مع التأكيد على عنصر الاستعجال في هذه القضية.”