وسط انهماك الفصائل السورية المسلحة باجتماعات مع وزارة الدفاع للتباحث في عمليتي الحلّ والدمج، جاء تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول منع الجيش السوري من دخول مناطق الجنوب واعتبار الأخيرة منطقة منزوعة السلاح، ليخلط الأوراق، خصوصاً بشأن فصائل السويداء و”اللواء الثامن” في درعا.
وفي موازاة ذلك، كشفت فصائل في ريف دمشق أنه جرى استبعادها من اجتماعات وزارة الدفاع، وهو ما من شأنه أن يضفي بظلال ثقيلة على تشكيل الجيش الجديد، هذا إذا لم يؤدّ إلى عرقلتها.
استبعاد “غرفة عمليات دمشق”
بعد صمت استمر أسابيع، كشف الدكتور بشار القادري المنسق العام لـ”غرفة عمليات دمشق” التي سبقت “هيئة تحرير الشام” في الدخول إلى العاصمة يوم 8 كانون الأول/ديسمبر، عن استياء قيادة الغرفة من التهميش الذي تتعرض من وزارة الدفاع رغم مساهمتها الفعالة في إسقاط النظام.
وقال القادري: “لم تتم حتى الآن دعوتنا إلى الاجتماع مع القيادة السورية الجديدة لمناقشة تشكيل الجيش السوري وفرقة تضم كل فصائل “فتح دمشق”، مشيراً إلى استبعاد الغرفة أيضاً من الاجتماعات الخاصة بتشكيل الفرقة الخاصة بالجنوب السوري.
كذلك، أكد لـ”النهار” أن “غرفة فتح دمشق” استبعدت أيضاً من حضور “مؤتمر النصر”، مشيراً إلى أن لديها ملاحظات على طريقة الدعوة والحضور والقرارات التي صدرت عنه، لكنها رغم ذلك التزمت ما صدر عن هذا المؤتمر.
وبحسب القادري، كان اقتراح “غرفة فتح دمشق أن يفضي المؤتمر إلى تشكيل مجلس رئاسي يضم ممثلين سياسيين عن غرف العمليات التي شاركت في معركة التحرير، مما يضمن تفادي أي تفرد في صنع القرار”.
وتتشكل “غرفة عمليات فتح دمشق” من فصائل كثيرة أهمها: “أبابيل حوران” و”لواء فلوجة حوران”، و”ألوية الفرقان”، و”جند الملاحم”، و”أسود السنة”، و”ثوار القنيطرة”، و”لواء الجبل”، و”العمري”، و”لواء المعتز بالله”، بالإضافة إلى مجموعات من ثوار القلمون ودمشق وريفها.
ورغم تأكيد القادري حرص “غرفة فتح دمشق” على التنسيق مع القيادة الانتقالية بما يخدم التجربة السورية الجديدة، أخذ على الإدارة عدم توسعها في التشاور مع الذين شاركوها التحرير، مشدداً على الشعور أنه “تم تهميشنا بشكل مطلق ولم نعامل كشركاء حتى على المستوى المعنوي”. وأشار إلى أن الغرفة تأمل في الحصول على اعتراف رسمي بمساهاتها وتضحياتها.
وإذا كان تهميش “غرفة عمليات دمشق” قد تم مع الغرفة بالكامل، فهناك الكثير من الفصائل الصغيرة المنضوية ضمن “الجيش الوطني السوري” في الشمال، تشعر باستبعادها وتهميشها لأنه سبق لها الانضمام إلى فصائل أكبر منها وقاتلت تحت لواءها، لكنها في هذه المرحلة لم تعد تشعر أن قيادة الفصيل الأكبر تمثل موقفها من موضوعي الحل والاندماج، وهذا ما دفع مئات من عناصر هذه الفصائل إلى رفض العمل مع وزارة الدفاع الجديدة.
“اللواء الثامن” منخرط رغم التحديات
وقبل صدور تصريحات نتنياهو بخصوص الجنوب السوري، تحدث المكتب الإعلامي لـ”اللواء الثامن” عن التقدم في تشكيل الفرقة وانتشار الألوية في الجنوب السوري، كما أشار إلى وجود تنسيق على أعلى المستويات، من خلال الاجتماعات التي تعقد مع وزير الدفاع والقائد المكلف قيادة فرقة الجنوب (العميد بنيان الحريري). وشدد في حديثه إلى “النهار” على ضرورة أن يكون الهدف اندماجاً فعلياً وليس مجرد اندماج إعلامي، لافتاً إلى وجود تحديات تواجه تطبيق عمليتي الحل والاندماج بشكل كامل، من دون أن يذكر ما هي هذه التحديات.
وحاولت “النهار” التواصل مع “اللواء الثامن” عقب صدور تصريحات نتنياهو، لكن المكتب الإعلامي طلب التريث في الجواب ريثما يتم عقد جلسة جديدة مع وزير الدفاع للتباحث في التصريحات الإسرائيلية وتأثيرها. وكان سؤال “النهار” الموجه إلى “اللواء الثامن” يتعلق بانعكاس ما قاله نتنياهو على عملية اندماج فصائل الجنوب ضمن وزارة الدفاع لأن نتنياهو كان واضحاً في حديثه عن منع الجيش السوري من التوجه إلى جنوب دمشق، كما في حديثه عن منطقة منزوعة السلاح، وهذا يعني أن فصائل الجنوب ستكون في مواجهة إسرائيل إذا انضمت إلى الجيش السوري وظلت منتشرة في المنطقة الجنوبية المشمولة بتصريحات نتنياهو.
وحول ما ذكرت لـ”النهار” مصادر خاصة عن رفض مئات الضباط المنشقين الانضواء تحت وزارة الدفاع، لم يستبعد المكتب الإعلامي وجود “حساسيات بين الضباط القدامى والقيادات الجديدة في وزارة الدفاع، إذ يشعرون أنهم أكثر خبرة أو أقدمية”، مشيراً إلى أن هذه الحساسيات موجودة في العديد من الهياكل العسكرية، أي ليس فقط في “الجيش الوطني السوري”. واعتبر المكتب الإعلامي أن حلّ هذه المشكلة ينبغي أن يكون بالحوار والتنسيق لضمان الوحدة العسكرية.
وكانت مصادر خاصة كشفت لـ”النهار” عن اعتراض مئات الضباط المنشقين العاملين في صفوف “الجيش الوطني السوري” وفي بعض فصائل الجنوب، وحتى في “جيش سوريا الحرة” على الانضواء تحت قيادة وزارة الدفاع أو رئاسة الأركان بسبب موضوع الأقدمية في الخدمة العسكرية، إذ أن بعض هؤلاء الضباط لا يستسيغ العمل تحت إمرة ضباط مدنيين أو أحدث منهم في سلك الجيش.
وأكثر من ذلك، تحدثت مصادر أخرى عن شعور ضباط ذوي رتب رفيعة في “الجيش الوطني السوري” بالخوف على مصيرهم بسبب فقدانهم نفوذهم العسكري وبسبب صراعهم السابق مع “هيئة تحرير الشام”، وأن هؤلاء الضباط بدأوا بالبحث في تحصين أنفسهم عبر شراء كميات من الأسلحة، والمفارقة أن أحد هؤلاء القادة اشترى صفقة سلاح من “هيئة تحرير الشام” نفسها بمبلغ لا يقل عن مليون دولار.