اعتقل الأمن الداخلي السوري المهندس باسل الخطيب في محافظة طرطوس عصر الثلاثاء، قبل أن تستكمل معه “النهار” حواراً، بدأ صباح الإثنين، حول مطالبة بعض وجهاء العلويين بإقامة فيدرالية أو مناطق حكم ذاتي تقوم على أساسها الدولة السورية بعد سقوط نظام الأسد. وكان يفترض أن تكون هناك جلسة ثانية لاستكمال الحوار، لكن الاعتقال حال دون ذلك.
ويعتبر الخطيب من الأصوات العلوية التي جاهرت بالمطالبة بنظام فيدرالي، تتمتع فيه كل منطقة أو إقليم بحكم ذاتي يمكنها من إدارة شؤونها المحلية بشكل ذاتي ومستقل، وذلك من دون الانفصال عن المركز ممثلاً بالعاصمة دمشق في ما يتعلق بالسياسة الخارجية والدفاع. ويجدر التذكير بأن الخطيب نادى بالفيدرالية منذ عام 2013 باعتبارها يمكن أن تساهم في حل الأزمة السورية التي اندلعت عام 2011. لكن ما لا يمكن إنكاره أن خلفية النداء تغيرت كلياً، ففي السابق كانت تأتي من منطلق إيجاد حل للمناطق التي شهدت صراعاً مسلحاً مع النظام السابق، أما اليوم فإن الخلفية هي السعي الحثيث لحماية الأقليات.
وجاءت مطالبة الخطيب وسط جدل واسع يشهده المجتمع السوري حول مفاهيم الفيدرالية واللامركزية والحكم الذاتي، والذي يصل في أحيان كثيرة إلى درجة تخوين كل من يطالب بها باعتباره يهدف إلى تقسيم الأراضي السورية. وما زاد الطين بلّة هو التصريحات التي تصدر عن مسؤولين إسرائيليين حول حماية الأقليات أو الحديث عن ضرورة النظام الفيدرالي في سوريا. ووصلت هذه التصريحات إلى ذروتها مع إعلان بنيامين نتنياهو حمايته للدروز، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري. وبالتالي، صار من السهل الربط بين كل من يطالب بالفيدرالية وبين مخططات إسرائيل، واعتباره خائناً ويهدد وحدة الأراضي السورية.
حول هذه النقطة، قال الخطيب، وهو رئيس المجلس التنفيذي في المجلس العلوي الأعلى الذي تأسّس حديثاً: “نحن ضد تصريحات نتنياهو، وضد الدعوات التي صدرت عنه، وضد ما صرح به، فإسرائيل تحتل جزءاً لا بأس به من الأراضي السورية وهي أراض عزيزة”. وأضاف الخطيب: “أدعو السلطة الحالية إلى أن تتعامل بحزم شديد مع هذه التهديدات، رغم أننا لاحظنا الكثير من التهاون وعدم الحزم مع الاحتلال الإسرائيلي في توغلات سابقة، وهو ما كانوا يأخذونه سابقاً على النظام (السابق)”.
وأكد الخطيب أنه لا تربطه أيّ علاقات دعم أو تنسيق مع أيّ جهة داخل سوريا أو خارجها، مشدداً على أن لا اتصالات له مع “قوات سوريا الديموقراطية”، ولا مع المرجعيات الدينية أو الفصائل المسلحة في السويداء، وهما المنطقتان اللتان تطالبان بتطبيق اللامركزية أو الحكم الذاتي في سوريا.
وعن الدولة التي يطمح إليها بعد سقوط النظام، أكد الخطيب بدايةً أنه يرفض أي شكل من أشكال الدولة الدينية، “وهذا الأمر لا يرفضه المكون الذي أنتمي إليه بل يرفضه أغلب الشعب السوري كما أعتقد”. وشدد على أن “شكل الدولة التي نريد هي دولة مدنية يحكمها دستور مدني يضمن فصل السلطات وتحقيق العدالة الاجتماعية وسيادة القانون ومبدأ المواطنة”.
وبالنسبة إلى الخطيب، فإن الفيدرالية أو الإدارة الذاتية أو اللامركزية الإدارية الموسعة، وهي أقرت في قانون عام 2010 “لو طبقت كما أقرت لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. هي أنظمة متشابهة ويمكن تطبيقها في سوريا”.
ويعتبر الخطيب أن الفيدرالية خيار صالح لإنجاز عقد اجتماعي يضمن بقاء سوريا دولة واحدة موحدة، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا هي دول فيدرالية، فهل أنقصت فدرلة هذه البلدان من قوتها؟”. ويوضح: “الخيار الفيدرالي المتوجس منه ليس خياراً تقسيمياً أو خياراً يحمل شبهة ما أو تخويناً ما”.
وبخصوص المخاوف من أن يؤدي تبني النظام الفيدرالي إلى تقسيم البلاد جغرافياً، قال الخطيب: “الدول لا تُقسَّم في البداية جغرافياً بل تقسم أولاً مجتمعياً، وبالتالي يصبح التقسيم الجغرافي تحصيل حاصل”، مشدداً على أن أخطر أنواع الانقسامات التي تصيب المجتمعات هي الانقسامات العمودية، أما الانقسامات الأفقية فهي طبيعية.
وأكد الخطيب أن الانقسام العمودي لا يحدث إلا بسبب شعور المكونات بالقلق الوجودي، مشيراً إلى أن بعض المكونات السورية تطور لديها هذا القلق، وأصبحت تشعر بالخطر الوجودي. وهو يحمّل السلطة الانتقالية الحالية المسؤولية عن ذلك بسبب قراراتها وتصرفاتها وسوء إدارتها، مستشهداً بتشكيل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار السوري إذ هي من لون واحد، وأعضاؤها هم أشخاص ذوو طريقة تفكير واحدة.
وبحسب الخطيب “عدنا عملياً إلى مفهوم ما قبل الدولة، وهذا أمر خطير جداً، لأنه عندما يعود مجتمع ما إلى ما قبل الدولة او تحصل فيه انقسامات عمودية يصبح مرتعاً للاستثمار الخارجي أو التدخلات الخارجية. وهنا، هي مسؤولية السلطة التي تتطلب منها أن تتصرف كدولة كي تتصرف المكونات معها كشعب”.
وتأكيداً لذلك، قالت منى غانم، وهي سياسية سورية معارضة لنظام الأسد، وتنتمي للطائفة العلوية، لـ “النهار” إنه “في ظل التهميش والانتهاكات ينظر العلويون إلى شرقي البلاد، حيث تجربة الإدارة الذاتية للأكراد، ويظنون أن تطبيق هذه التجربة في الساحل يمكن أن يضمن لهم مصالحهم وكرامتهم بدل ما يحدث لهم في ظل الإدارة الجديدة”.
وأكدت أن ما يدفع العلويين إلى التفكير بذلك هو ما يقوم به “الجولاني” (مستخدمة لقب أحمد الشرع) قبل أن يصبح رئيساً انتقالياً، من تهميش لهم وقتل على الهوية.
ورأت في هذه التصرفات تمثّل استخفافاً شديداً بمصير سوريا، وبالتالي “من الطبيعي في ظل ذلك أن ينظر كل مكون إلى مصالحه ويحاول حماية وجوده الذي يتعرض لتهديد كبير جداً”.
ويرى الخطيب أن الحل الوحيد في سوريا هو مسار من ثلاث خطوات: المصارحة ثم المصالحة وبعدها المسامحة.
ويشدد على أن “الانطلاق في سوريا من معادلة رابح-خاسر سيفضي بنا جميعاً على مستوى سوريا كلها إلى نتيجة خاسر – خاسر”.
وكشف الخطيب أنه بسبب مواقفه تصله يومياً مئات رسائل التهديد، مشيراً إلى أنه تلقى السبت ما يقارب الـ 2718 رسالة تهديد، وهو رقم قياسي بالنسبة إليه، لأن آخر رقم كان 1044 تهديداً في يوم واحد.