انتقدت قراءة في موقع معهد الشرق الأوسط للبحوث والدراسات الاستراتيجية ما وصفته بـ”الرسائل المتضاربة” التي يبعث بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن “خطته” لغزة ونهجه العام تجاه سياسة الشرق الأوسط. وسلط المقال الضوء على استخدامه أساليب تخلق الاثارة وتغير السرديات من دون أن تتحول فعلياً إلى سياسات ملموسة.
القراءة بتوقيع براين كاتوليس جادلت بأن “عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب قد تثير أحياناً نقاشات جديدة، لكنها غالباً ما تفتقر إلى أساس واقعي، كما يتضح من مقترحاته حول غزة أو إيران”.
كما أشار إلى هشاشة وقف إطلاق النار الحالي في غزة ولبنان، مؤكداً أن الجهود الديبلوماسية الحقيقية لا بد وأن تركز على الحفاظ على الاستقرار. كما حذر من أي تداعيات خطيرة في الشرق الأوسط، “حيث قد يزيد التهور السياسي من عدم الاستقرار والتصعيد”.
ونقرأ في المقال: “من لا يذكر طرح ريفييرا الشرق الأوسط في قطاع غزة؟ الخطة التي اقترحها ترامب للسيطرة على القطاع الذي مزقته الحرب وأجبرت ملايين الفلسطينيين على المغادرة؟ ولكن هل كانت حقاً مجرد فكرة عابرة؟
مع تلاشي الجدل الاعلامي المصاحب لهذه الفكرة الغريبة، اعترف ترامب بأن اقتراحه قد لا يصبح حقيقة. وأقرّ بنفسه بأن مصر والأردن رفضتا هذه الفكرة، واكتفى “بتقديمها كتوصية”. لكنه، وكعادته ترك الباب مفتوحاً أمام إمكان تحقيقها. وحاول بعض المحللين تفسير تصريحات ترامب على أنها أسلوب لتحفيز نقاش جديد وكسر القواعد التقليدية، مستشهداً بالمقولة الشهيرة للصحافية سيلينا زيتو خلال حملته الرئاسية عام 2016 والتي دعت فيها الى أخذ “تصريحاته بجدية وليس بحرفيتها”. وما زاد من الغموض، وربما عن قصد، نشر الرئيس مقطع فيديو من إنتاج الذكاء الاصطناعي، يروّج فيه مجدداً لخطته لتحويل غزة إلى منتجع سياحي.
ويعتمد ترامب على أسلوب “الاثارة الاعلامية” لكسب الاهتمام أو ممارسة الضغط على الخصوم والحلفاء، على الرغم من أن سجله في تحقيق نتائج ملموسة في العلاقات الدولية لا يزال متبايناً. وبالنظر إلى التذبذب في تصريحاته، وهو أمر أقرّ به سابقاً وسمّاه “التكتيك المتعرج”، قد يصعب التمييز بين ما يقوله الرئيس الأميركي وما تفعله إدارته فعلياً في السياسة الخارجية.
أحد المفاهيم غير التقليدية التي قد تفسر تكتيكات ترامب هو مبدأ “الكاي فايب” (Kayfabe) في عالم المصارعة الحرة، وهو مصطلح يشير إلى “الاتفاق الضمني بين المصارعين والجمهور على التظاهر بأن العروض المسرحية التي يقدمونها حقيقية”. وترامب، في جوهره، شخصية مستمدة من تلفزيون الواقع، وهذا يفسر الكثير من تصرفاته. ويدافع أنصار ترامب والمحللون في وسائل الاعلام ومراكز الفكر عن تصريحاته باعتبارها محاولة لتحفيز الآخرين على اتخاذ إجراءات. وفي بعض الأحيان، تؤدي بالفعل إلى نقاش جديد يخرج عن الأطر التقليدية. لكن، كما أشار كاتب صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان مؤخراً، فإن الخط الفاصل بين “التفكير خارج الصندوق” و”التفكير غير العقلاني” قد يكون رفيعاً جداً.
ومن الأمثلة على ذلك، التصريحات حول الشرق الأوسط الذي يحتاج بالفعل الى رؤية إيجابية تساعد على الخروج من دوامة الأخبار السلبية. ولكن التصريحات وحدها لا تكفي فهناك تحديات كبيرة تحتاج إلى حلول عملية، ولا يمكن للولايات المتحدة تجاهل التهديدات القائمة.
وعلى الأرض، يمكن لمس بعض الايجابيات والسلبيات على حد سواء. فمن ناحية، الهدوء النسبي في الشرق الأوسط لا يزال مستمراً منذ أكثر من شهر. لكن من ناحية أخرى، يبدو أن الأسس التي تقوم عليها اتفاقيات وقف إطلاق النار في غزة ولبنان هشة للغاية وقد تنهار قريباً. فقد أفادت التقارير بأن إسرائيل تحاول تعديل شروط المفاوضات لتمديد وقف إطلاق النار مع “حماس”، بحيث تنتهي المرحلة الأولى من الاتفاق التي دامت 42 يوماً هذا الأسبوع. من جهتها، يبدو أن “حماس” تستعد لجولة جديدة من القتال، على الرغم من استمرارها في تنفيذ شروط الاتفاق من خلال إطلاق سراح الرهائن. وفي سياق متصل، شنت إسرائيل هذا الأسبوع هجمات في سوريا، مطالبة بنزع السلاح بصورة كاملة كما لا تزال التوترات في لبنان مرتفعة، ما ينذر بإمكان اندلاع مواجهة جديدة.
وعلى الرغم من جهود (ستيف) ويتكوف في المنطقة هذا الأسبوع لمنع تصاعد التوترات، يجب مراقبة أمرين في الأسابيع المقبلة: ما إذا كانت التهدئة الحالية ستستمر، وما إذا كانت ستفتح المجال أمام مناقشات أوسع حول استراتيجيات واقعية لتحقيق الاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق المعقد، سيكون من المثير رؤية ما إذا كان نهج ترامب قادراً على تحفيز نتائج غير متوقعة. ويبقى ذلك رهن بالتخطيط الجيد وبالاحتياطات المناسبة، تحت وطأة الوقوع في مغامرة جديدة في منطقة متوترة بالفعل”.