أثار دعم الولايات المتحدة للقوات المسلحة اللبنانية جدلاً متزايداً خلال العقدين الأخيرين، بعد “تواطؤ” الجيش الذي سهّل استيلاء “حزب الله” على لبنان بحكم الأمر الواقع. هذا ما يقوله الباحث الجدي في مركز أبحاث أميركي مهم جداً. يضيف: “مع قضاء إسرائيل على “حزب الله” عسكرياً، باتت ضرورية المحافظة على المساعدات المالية البالغة 130 مليون دولار للجيش اللبناني، أو زيادتها. ففي غياب هذه المساعدات سيواجه الجيش المذكور صعوبات جمة في الحفاظ على جاهزيته، كما في تحفيز قواته لدى تنفيذ مهماته الواسعة، بدءاً من التنفيذ الكامل لوقف النار مع إسرائيل وصولاً إلى نزع سلاح “حزب الله”.
في ضوء الدور الذي تضطلع به القوات المسلحة اللبنانية في تحقيق هدف إستراتيجي للأمن القومي الأميركي، يتعيّن على وزير الخارجية ماركو روبيو منح إعفاء فوري لضمان استمرار المساعدات لها. من شأن ذلك أن يساعد في طمأنة أفراد القوات المسلحة اللبنانية إلى أنهم لن يُتركوا وحدهم، فيما تطلب منهم واشنطن وشركاؤها تنفيذ مهمة محفوفة بالأخطار السياسية هي مواجهة “حزب الله”.
ماذا عن العراق وسوريا وموقف الولايات المتحدة من تقديم المساعدات العسكرية إلى قواتهما المسلّحة؟ “أظهرت الحكومة الأميركية اهتماماً طويل الأمد بدعم قوات الأمن العراقية”، يُجيب الباحث نفسه، “حيث استثمرت 1,25 مليار دولار لتحسين قدراتها منذ عام 2015. في السنة المالية 2022 – 2023 تلقّت بغداد 250 مليون دولار من المساعدات العسكرية. يُتوقّع أن يؤدي تقليص هذا الدعم إلى زيادة، بل إلى تفاقم المخاطر المحلية على المصالح الأميركية والأفراد الأميركيين، ولا سيما في ظل تصاعد تهديدات الميليشيات المدعومة إيرانياً. وهي لا تزال تشكّل عائقاً رئيسياً أمام الاستقرار الإقليمي، وسبق أن أضرّت بسمعة إدارة ترامب وسط تهديدات علنية”.
ماذا عن سوريا؟ يجيب الباحث الجدّي نفسه: “يتحتّم على واشنطن أن تتبنّى نهجاً جديداً لدعمها خلال مرحلة تحوّلها العميق بعيداً من حقبة الأسد، بدلاً من السعي إلى قطع المساعدات. فلدى الولايات المتحدة مصلحة أمنية قومية واضحة في تقديم مساعدات عاجلة ومشروطة على نحو معقول في مجال الحكم للقيادة الجديدة وللفاعلين المحليين في أثناء سعيهم إلى إرسال ترتيب مستقر بين الفصائل في البلاد. الأهم من ذلك هو أنه يجب إعادة توفير جميع الخدمات لمعتقل “الهول” من أجل الحد من نفوذ تنظيم “داعش” على الآلاف من نزلائه الذين يرتبط به الكثيرون منهم أو يتعاطفون مع إيديولوجيته. مع ذلك، من شبه المؤكد أنه سيتم تجميد برامج المساعدات الإنسانية الأخرى التي تهدف إلى معالجة العنف القائم على التنوّع الاجتماعي.
يُقال إن ترامب يسعى أيضاً إلى سحب القوات الأميركية من شرق سوريا، حيث كان لمهمتها دورٌ محوري في إضعاف تنظيم “داعش”. هذه مسألة منفصلة لكنها حاسمة، ولا بد من مناقشتها لاحقاً”.
ماذا عن الضفة الغربية وقطاع غزة؟ يُجيب الباحث الجدي نفسه: “يُتوقّع أن تخضع المساعدات المقدمة للفلسطينيين لتدقيق غير مسبوق بسبب حرب غزة. فقانون “تايلور فورس” لعام 2018 يُحظّر بالفعل تقديم المساعدات الأميركية المباشرة إلى السلطة الفلسطينية، الى أن تتوقّف عن دفع رواتب السجناء العنيفين وعائلات “الشهداء” المرتبطين بأعمال أرهابية. مع ذلك، ترى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن دعم قوات الأمن التابعة لها في الضفة الغربية يصبّ في مصلحتها لأنها تقلّل الحاجة إلى قيام إسرائيل ببعض العمليات العسكرية الخاصة. كما يظل السؤال الإستراتيجي حول الجهة التي ستتولى إدارة غزة وتأمينها وحكمها بعد الحدث قائماً، وأي قرارات جديدة في شأن المساعدات قد تؤثّر مباشرة على قدرة السلطة الفلسطينية على تعزيز وجودها في القطاع كبديل من “حماس”.
بالطبع، أعلنت الحكومة الإسرائيلية الحالية مراراً وتكراراً رفضها عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. كما أن التصريح الأخير للرئيس ترامب عن إمكان إخلاء القطاع من السكان يزيد المشهد تعقيداً. مع ذلك، فإن وقف المساعدات للسلطة المذكورة في ظل تصاعد الاضطرابات في الضفة الغربية سيكون خطوة محفوفة بالأخطار. بدلاً من ذلك، يجب تأجيل قرارات التمويل إلى أن يتسنّى لمبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف الوقت الكافي للتفاوض في شأن مستقبل غزة”.
ماذا عن الأردن؟ “يُعدّ استقرار الأردن ركيزة أساسية لاستقرار الشرق الأوسط وأمن إسرائيل”، يُجيب الباحث نفسه، ويضيف: “لقد حظي الملك عبدالله الثاني بفرصة مهمة لإيصال هذه الرسالة مباشرة إلى ترامب في أثناء اجتماعه الأخير به في واشنطن. وكان أول لقاء لزعيم عربي معه في مطلع رئاسته الثانية. إلا أن الملك لا يمكنه اعتبار العلاقة الثنائية القوية تاريخياً أمراً مسلّماً به. فالأردن يعتمد على الولايات المتحدة ودعمها لاقتصاده وجيشه. إذ يتلقّى نحو 780 مليون دولار سنوياً دعماً مباشراً للموازنة. وهذا المستوى من الدعم لا يحظى به أحدٌ باستثناء أوكرانيا. وخلال رئاسته الأولى، اعترض ترامب على كلفة المساعدات المقدّمة إلى الأردن، لكنه فضّل عدم قطعها. والتجميد الجديد للمساعدات قد يشير إلى أن الرئيس يعيد النظر في هذا القرار. إلى ذلك، تحدّى ترامب علناً الهوية السياسية للملك باقتراحه أن يستقبل الأردن ومصر لاجئي غزة وسكانها. هذه قضية وجودية لعمّان. وقطع المساعدات عنها، إذا حصل، سيؤدي إلى تصدّع العلاقة مع تداعيات غير واضحة على قدرة عمّان واستعدادها لاستقبال مزيد من اللاجئين. أياً يكن قرار ترامب، فإن الاعتراف بالدور الإيراني في استقرار المنطقة يُعدّ الخطوة الأولى نحو صياغة سياسة متماسكة وفعّالة.
في النهاية، اختارت إدارة ترامب إجراء مراجعة شاملة لمؤسسة المساعدات قبل اتخاذ قرارات سياسية كبيرة. وسيكون عليها تحديد القضايا والدول التي تمثّل أولوية لها، وتالياً الأكثر استحقاقاً للدعم الأميركي”.