على رغم الثقة الكبيرة التي انطلقت بوصول الرئيس جوزف عون إلى سدة الرئاسة الأولى وتواكبه حكومة برئاسة نواف سلام حظيت بثقة كبيرة من الرأي العام اللبناني قبل وبمعزل عن تلك التي منحها إياها مجلس النواب، فان المخاوف كبيرة من ألا تساهم الظروف الإقليمية في تسهيل انطلاقة جهود النهوض اللبناني.
فالقلق عام وكبير إزاء عدم استتباب الوضع في سوريا واستقراره وهمود تلك الانطلاقة التي وصل بها الرئيس للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع في ظل صعوبات وتعقيدات كبيرة وتدخلات إقليمية قد تعيق الوصول إلى المرحلة المنشودة في سوريا. وأي أحداث خطيرة أو صغيرة في سوريا قد تطلق فوضى ترمي بثقلها على لبنان كذلك، علماً أنها قد لا تقتصر عليه فحسب ولكن لبنان ليس محصناً بعد على نحو كاف للاطمئنان إلى مسار النهوض الذي يعتزم العهد القيام به. وعجز السلطات السورية أو عدم قدرتها على تلبية متطلبات لبنان بضبط الحدود معه والمعابر كذلك ينذر بصعوبة تحقيق لبنان التزاماته كما يجب في هذا الإطار ويبقي على ثغرات كبيرة قائمة.
وفي ما يعبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بقوة عن هذا القلق لا سيما من بوابة التدخل الإسرائيلي في وضع الطائفة الدرزية في سوريا ونشوء توترات على خلفية ذلك مع السلطات الناشئة هناك ما قد يفتح الباب على أفق خطير بالنسبة إلى وحدة سوريا ومصيرها، فإن القلق على الوضع السوري شامل إذا صح التعبير على مستوى مختلف المسؤولين في ظل عدم قدرة السلطات هناك الانطلاق وتثبيت قدراتها أو ما تبقى منها في ظل استمرار استهداف إسرائيل لهذه المقدرات . ينسحب القلق بالمقدار نفسه وأكثر حتى في اتجاه استمرار إسرائيل في عدم احترام اتفاق وقف النار مع لبنان الذي رعته الولايات المتحدة وفرنسا من خلال بقائها في نقاط خمس تعتبرها استراتيجية، فيما أن الذريعة باطلة ما دامت إسرائيل قادرة على استطلاع تنقّل عنصر من ” حزب الله” في البقاع واستهدافه . وهذا العامل معطوف على تلطي إسرائيل خلف ما تقول أنها موافقة أميركية على بقاء جيشها في هذه النقاط في لبنان على عكس مضمون الاتفاق لا بل ادعائها بأن الحزب يستمر في خرق الاتفاق وعدم تبلور أي ضغط أميركي في اتجاه الضغط لانسحاب إسرائيل أو سحب الغطاء عنها لتأمين حصول ذلك في موازاة عدم إعطاء لبنان براءة ذمة علنية إزاء تنفيذه الجزء المتعلق به من التزام الاتفاق وتسلمه سلاح الحزب ومراكزه جنوب الليطاني.
وهناك نوع من عدم الوضوح في هذا الإطار فيما يقيم نواب “حزب الله” تحدياً أمام الدولة اللبنانية من خلال تحميلهم الدولة والمسؤولين فيها، تبعات استمرار احتلال القوات الإسرائيلية لبعض المواقع الاستراتيجية في الجنوب وخرقها المتواصل للسيادة اللبنانية، بتحليق طيرانها الحربي وقيامها باستهداف قياديي وعناصر الحزب ومركزه داخل الأراضي اللبنانية أو بالتعرض للحكومة ورئيسها للتأخر في إعادة الإعمار. فيما أن إعادة ترميم مؤسسات الدولة الذي بدأ عبر انتخاب العماد جوزف عون رئيساً وتأليف حكومة جديدة مسؤولة لا تعني أنهما يحملان عصا سحرية، في حين أن الدولة لا تملك الأموال للقيام بما يتعين عليها القيام به بالسرعة المطلوبة . ومواقف الحزب المتعلقة بحض الدولة اللبنانية على الضغط ديبلوماسياً من أجل تحرير النقاط الخمس تتصل بالعمق برغبته في تبرير التمسك بسلاحه كخيار محتمل بديل للفشل الديبلوماسي في حال حصوله، علماً أن الحزب يدرك أن سلاحه لا يمكن استخدامه في المدى المنظور لاعتبارات متعددة باتت معروفة وتهدد بتقديم ذريعة لإسرائيل للقضاء على ما بقي من قدراته.
يضاف إلى ذلك أن المشروع الإسرائيلي الذي كان مقرراً للجنوب اللبناني أو لبنان في شكل عام تبين أنه ليس مشروعاً صغيراً بل تحول إلى مشروع أكبر يعزل جنوب سوريا وأفرقاء فيها بحيث تتزايد الخشية من إنشاء إسرائيل خطاً يمتد من السويداء إلى الأكراد في الشمال. ولذلك فإن استبعاد الأكراد عن مؤتمر الحوار الذي أقيم في سوريا رأى فيه كثر خطأ جسيماً ارتكبته السلطات السورية الناشئة . ففي ظل الخشية مما تسعى إسرائيل إلى تنفيذه، فإن المخاطر كبيرة أن تدفع في اتجاه تقسيم سوريا إذا تواصلت مع الدروز ومنهم إلى الأكراد علما أن محاولات زعزعة الأمن في سوريا بدأت. وهذا يفتح الباب أمام تدخلات كبيرة لا أفق واضحاً لما قد تنتهي إليه. ما يجعل من الفرصة المتاحة أمام لبنان مهمة جداً لاقتناص القدرة على تحصين ما تحقق وبدء مسار نهوض يحتاج إلى سنوات لكي يتحقق في حال توافرت كل الظروف المناسبة، وهذا ليس مضموناً ولا مؤكداً .
rosannabm @hotmail.com