Skip to content

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Home
  • الوعود الكاذبة للقصف الاستراتيجي رافائيل كوهين….المصدر :اندبندنت عربية
  • مقالات رأي

الوعود الكاذبة للقصف الاستراتيجي رافائيل كوهين….المصدر :اندبندنت عربية

khalil المحرر مارس 5, 2025

 

ملخص
باتت الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة تتولى تنفيذ القصف الاستراتيجي الذي احتكرته طويلاً قاذفات القوات الجوية التقليدية. وكذلك لم يعُد ذلك القصف حكراً على الجيوش الكبرى، بل بات يشمل الجماعات المسلحة، بما في ذلك الإرهابية. في المقابل، لا يزال القصف الاستراتيجي غير قادر على حسم الحروب، لكنه أصبح أكثر تغلغلاً في نسيجها سواء في الحاضر أو في المستقبل المنظور

بعد مرور ثلاث سنوات على بدئها، باتت الحرب في أوكرانيا تتحدد بصورة متصاعدة عبر نوع معين من الأعمال العسكرية يتمثل في القصف الاستراتيجي. وبصورة متواصلة، استهدفت روسيا شبكات الطاقة الأوكرانية وهاجمت مراكز مدنية قريبة من خطوط المواجهة، باستخدام صواريخ “اسكندر” ومسيّرات “شاهد”.

وكذلك استهدفت أوكرانيا مخازن للنفط ومصانع للأسلحة في روسيا بواسطة صواريخ “أتاكمز” (أرمي تاكتيكال ميسايل سيستمز) Army Tactical Missile Systems الأميركية الصنع، وأسراب كثيرة من المسيّرات المصنعة محلياً. وثمة صراعات معاصرة تسير على المنوال نفسه.

واستخدم الحوثيون مجموعة من المسيّرات أحادية الاستخدام، مع صواريخ باليستية مضادة للسفن، في مهاجمة سفن الشحن الدولي في البحر الأحمر، بل إنهم وجهوا صواريخ نحو تل أبيب التي تبعد منهم آلاف الأميال. وفي غالب الأحوال، اعتمدت إسرائيل على طائرات يقودها بشر، في ردها على الحوثيين، لكنها استعملت أساطيل من المسيّرات لضرب أهداف في غزة ولبنان وسوريا.

وتناقش إسرائيل علانية إمكان أن تلجأ في المستقبل إلى استعمال مزيد من صواريخ كروز وأخرى باليستية، بدلاً من الطائرات التي يقودها بشر. وكذلك برزت ضربات المسيّرات والصواريخ في صراعات أخرى حول العالم امتدت من الحرب بين أرمينيا وأذربيجان عام 2020 حول منطقة ناغورنو قره باغ المتنازع عليها، إلى الصراع في إقليم تيغراي بأثيوبيا.

ومع التقدم التكنولوجي في إنتاج المسيّرات والصواريخ، راكمت الدول والجماعات، قدرات ضخمة في القصف لم تحزها في أزمنة سابقة سوى الأقوى بين الدول. وعلى رغم الفوارق في سياقات تلك الصراعات، فإن المتقاتلين فيها استخدموا القصف الاستراتيجي لتحقيق الهدف نفسه المتمثل في تحطيم معنويات الخصم وإفقاده القدرة على خوض الحرب.

وعلى رغم أن نظرية القصف الاستراتيجي ليست جديدة، فإن طريقة تنفيذها تعرضت لتغييرات جذرية. وبداية من الأيام الأولى للطيران الحربي، ركز المنظرون الحربيون على افتراض بسيط ومغرٍ قوامه أن القوة الجوية تستطيع منفردة كسب الحروب عبر كسر المعنويات وتدير قدرة العدو على خوض الحرب. ولا تزال تلك الفكرة حيّة حتى اليوم.

وفي المقابل، ثمة فارق هائل بين القصف الاستراتيجي الآن وحاله حتى قبل 50 عاماً. لقد اختفت تلك الأساطيل الجوية المكونة من مئات القاذفات التي وظفت في إلقاء آلاف القنابل أثناء الحرب العالمية الثانية وفي فيتنام. وكبديل عنها، تصب مجموعات من المسيّرات والصواريخ ضربات نارية دقيقة على أهدافها التي غالباً ما تقع على مسافة بعيدة من مشغّلي القصف أو منصات الإطلاق.

اقرأ المزيد

كيف حطمت أميركا آلتها الحربية

الصين تسخر “ديب سيك” لتطوير جيل جديد من المسيرات الخارقة

أزمة الردع الأميركية

العاملان الكمي والنوعي للسلاح في التفوق العسكري في الحرب

ذكاء اصطناعي “مسلح”
وقبل أقل من 10 أعوام، أدرجت إدارة أوباما ضربات المسيّرات كجزء أساس من استراتيجيتها في مكافحة الإرهاب، ونظر إلى ذلك على أنه أمر جديد مثير للجدل. وعملياً، باتت غالبية الجيوش الآن، من الدول الكبرى إلى المجموعات الإرهابية، تعتمد ضربات المسيّرات والصواريخ كركن أساس في قتالها. وسهلت التكنولوجيا سبل الوصول إلى ذلك القصف، ويعمل هذا التغيير على تبديل طرق خوض الحروب والكيفية التي ستغدو عليها المعارك في العقود المقبلة. ولكن لا يقدم ذلك إجابة عن السؤال الأساس في الأعمال الحربية الاستراتيجية. فربما يغير القصف الدقيق والبعيد المدى، وسائل خوض الحروب إلا أنه قد لا يغير نتائجها على الأرجح.

وداعاً للطائرات القاذفة

على مدى قرن تقريباً، ربطت الأعمال الحربية الاستراتيجية بتقنية وحيدة تجسدت في الطائرات القاذفة. ووجدت بدائل عنها دائماً على غرار استعمال الإمبراطورية الألمانية لمناطيد “زبلين” أثناء الحرب العالمية الأولى بهدف القصف الجوي على لندن. وكذلك استخدمت ألمانيا النازية صاروخ “في- 1” V-1 والصاروخ الباليستي “في- 2” V-2 أثناء الحرب العالمية الثانية.

وفي غالبية الأحوال، أثبتت تلك التقنيات أنها غير قابلة للاستخدام على نطاق واسع. وعلى النقيض من ذلك، مكنت القاذفات الدول من صب كميات كبيرة من الذخائر بطريقة رخيصة نسبياً وفاعلة تماماً، مما جعلها الأداة المفضلة في الاستهداف الجوي. وفي البداية، وضعت الدول طائراتها القاذفة ضمن مسافة قريبة نسبياً من ميادين القتال، واستعملتها غالباً في إسقاط ذخائر غير موجهة، أو قليلة التوجيه، قرب أهدافها. وبالنتيجة، صارت القاذفات أكثر دقة، خصوصاً بعد عملية “عاصفة الصحراء” الأميركية عام 1991 التي ارتفع فيها شأن المقذوفات الموجهة. ولكن وصولاً إلى ما قبل المراحل الأولى من حرب العراق عام 2003، كان نحو ثلث الذخائر التي ألقتها الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف لا تزال من القنابل غير الموجهة.

استكمالاً، لم تعُد القاذفات اليوم خياراً رخيصاً وفاعلاً، كما كانت عليه ذات مرة. وتعمل أحجامها والإشارات المرتدة عنها إلى الرادارات، على جعلها منكشفة بصورة متزايدة أمام وسائل الدفاع الحديثة. ومثلاً، خسرت روسيا خمس قاذفات استراتيجية وما يزيد على مئة من المركبات الجوية منذ بداية غزوها الشامل لأوكرانيا. ويعود الفضل في ذلك لضربات المسيّرات ووسائل الدفاع الأوكرانية. وكذلك صارت القاذفات مكلفة بأضعاف ما كانت عليه حينما أدخلت إلى الحروب الحديثة. ومن المعروف أن كل قاذفة “بي2- الشبح” الخفية التي أدخلت في تسعينيات القرن الـ20، تكلف قرابة ملياري دولار. وستكون نسختها الأحدث، “بي- 21 رايدر” B-21 Raider التي ما زالت قيد الاختبار، أرخص، لكن لا يزال سعرها التقديري أكثر من 700 مليون دولار. وقد تظل هذه النفقات مهمة، خصوصاً إذا تضمنت قدراتها الإفلات من الدفاعات الجوية الرخيصة وضرب أهدافها بذخائر رخيصة وقصيرة المدى. في المقابل، ثمة حدود للعدد الذي تقدر حتى بلدان ثرية كالولايات المتحدة، أن تتحمل شراءه في حرب ما، وأقل منه بالطبع عدد ما تستطيع تحمل خسارته من تلك القطع الحربية.

وفيما تغدو القاذفات أقل قدرة على اختراق دفاعات العدو، استدارت أعين الجيوش صوب التجهيزات البعيدة المدى من المسيّرات والصواريخ. وأبعد من ذلك، لم تعُد الجيوش بحاجة إلى وجود عناصر بشرية منها قرب الأهداف المتوخى استهدافها بالقصف، بفضل التطور في تقنيات الاستشعار والتتبع. وباتت الحروب اليوم تخاض بالمسيّرات البعيدة المدى وضربات الصواريخ. وينطبق ذلك على أوكرانيا والشرق الأوسط حيث أطلقت إيران دفعتي صواريخ ضد إسرائيل في أكتوبر (تشرين الثاني) عام 2024. وحتى حينما تستعمل روسيا أسطولها من القاذفات في إطلاق الصواريخ، فإن ذلك يحدث من مسافة بعيدة في بحر قزوين، فيما تحتفظ بطائراتها خارج أمدية الدفاعات الجوية الأوكرانية.

وبتحفيز من التغير المستمر في التكنولوجيا والمعدات الحربية، لن يتوقف التسارع في الانتقال إلى الصواريخ والمسيّرات. وكدست الصين ترسانة من آلاف الصواريخ من الأمدية المختلفة، في سياق هدفها المحتمل إرغام تايوان وآخرين ممن قد يضحوا خصوماً، على الاستسلام. وكذلك توسع الصين أسطولها الجوي من المسيّرات. ويتشابه ذلك إلى حد كبير مع ما تفعله روسيا التي عملت منذ غزوها لأوكرانيا عام 2022، على تعزيز استثماراتها في تكنولوجيا المسيّرات، وزادت بصورة دراماتيكية إنتاجها من الصواريخ والباليستيات، على رغم العقوبات الغربية عليها. وكذلك تضاعف الولايات المتحدة مسيّراتها عبر برامج كمبادرة “ريبليكاتور” Replicator التي تهدف إلى إنتاج آلاف المسيّرات التي يمكن الاستغناء عنها، بأسعار رخيصة بما يمكن واشنطن من تحمل خسارتها في معارك مقبلة، مع حلول أغسطس (آب) عام 2025. وعلى قدر موازٍ من الأهمية، تستمر الولايات المتحدة في وضع استراتيجيات عن استعمال قاذفاتها التقليدية في صراعات عسكرية عالية الكثافة، كوسيلة لإيصال الصواريخ والمسيّرات إلى مدى فاعل.

مسيّرات وصواريخ للجميع

أسهم صعود الصواريخ والمسيّرات في جعل الوسائل الحربية الاستراتيجية متاحة للجميع. وفي حقب سابقة، انحصر القصف الاستراتيجي إلى حد كبير ضمن نطاق عمل القوى الكبرى لأنها تفردت بامتلاك المعرفة التقنية والأموال اللازمة للاحتفاظ بأساطيل من القاذفات. فعام 2022، اقتصرت أساطيل القاذفات الجوية على الصين وروسيا والولايات المتحدة، ويتوقع أن يستمر الأمر على حاله حتى مع عمل تلك القوى الثلاث على تحديث أساطيلها الجوية وتوسيعها. إن صنع أساطيل القاذفات وصيانتها ووضعها قيد الاستخدام، خصوصاً الأنواع الخفية منها التي تستطيع الإفلات من الدفاعات الجوية الحديثة أمر مكلف وينطوي على تحديات تكنولوجية إلى حد أن معظم الدول لا تستطيع تحملها، أو أنها تعزف عن ذلك. وعلى النقيض من ذلك، إن عالم الصواريخ والمسيّرات يتصف بحجمه المبهر، ويرجع ذلك في شطره الأكبر، إلى انخفاض كلف الدخول في ذلك العالم. واليوم، يحوز أكثر من 30 بلداً مخزونات من الصواريخ الباليستية. وحتى قبل خمسة أعوام، تباهت عشرات الدول والجماعات، بأساطيل مسيّراتها. ومنذها، لم تكف هذه السوق عن التنامي.

وكذلك أدى صعود المسيّرات والصواريخ إلى إضفاء طابع ديمقراطي على الحرب الاستراتيجية، بمعنى مختلف أيضاً. وصار باستطاعة الدول والجماعات تبادل القصف بين بعضها بعضاً، من مسافات تتناءى باستمرار بالتوازي مع المدى الذي تتحمله محركات المسيّرات والصواريخ. وكذلك لم تعُد عمليات القصف تتطلب استثمارات ضخمة إضافية، على غرار الحال مع الأساطيل البحرية أو حاملات الطائرات التقليدية. وفي مناحٍ معينة، قد تتولد تطورات أكثر خطورة من حقيقة أن العدوان لم يعُد محدوداً بالمسافة بصورة مختلفة عما اعتاد أن يكون عليه ذلك الأمر. بالتالي، تتزايد أخطار تدويل الصراعات أكثر مما مضى. وحينما يتاح للقصف أن ينطلق من أماكن تبعد آلاف الأميال من أهدافها، بدلاً من أن تكون فوقها مباشرة، فإنه يفرض بصورة محتمة على البلدان المجاورة لتلك الأهداف أن تقرر السماح للقصف بأن يمر عبر أجوائها، مع إمكان إثارة غضب من يُقصَفون، أو أن تسقطها مع إمكان إثارة غضب من يَقصِفون.

ومثلاً، إذا انبرت الولايات المتحدة للدفاع عن تايوان ضد غزو صيني، قد ترد الصين بقصف قواعد أميركية في أستراليا بصواريخ يرجح أن تحلق فوق بلدان جنوب شرقي آسيا كإندونيسيا والفيليبين، بغض النظر عن مواقفها من ذلك الصراع في الأصل. وبكلمات أخرى، تملك الصواريخ القدرة على تحويل حروب محلية إلى اخرى إقليمية أو عالمية.

بين النظرية والممارسة

ربما يكمن السؤال المركزي حول هذا الصعود الجديد للأعمال الحربية الاستراتيجية في مدى قدرة تلك الحملات الحربية على تحقيق تأثيراتها المنشودة. ولقد قدم الروس والأوكرانيون حملاتهما من الأعمال الحربية الاستراتيجية باعتبار أنها تحمل إمكان أن تكون ضربات تحسم الفوز في الحرب. ومثلاً، في سبتمبر (أيلول) عام 2024، حاجج الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن بلاده تحتاج إلى صواريخ تقدر على الضرب في عمق الأراضي الروسية لأنها ستكون مفتاح “الغلبة” في الحرب. وجادل الإيرانيون بأن دفعات صواريخهم ضد إسرائيل، على رغم تسببها بضرر ضئيل، مصممة كي “تعاقب” إسرائيل على “جرائمها”، ويفترض بها أن تردع كل اعتداء مستقبلاً. ووضع الحوثيون استهدافهم لسفن الشحن البحري بوصفها وسيلة لإنهاء حرب إسرائيل على غزة. وعلى نحو موازٍ، أوردت إسرائيل أن القصد من ضرباتها ضد الحوثيين يكمن في ردع تلك المجموعة عن مهاجمة إسرائيل في المستقبل.

في المقابل، لم يتحقق أي من تلك الأهداف المنشودة على الأرض. وتسببت الضربات الروسية ضد البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا بدمار هائل لكنها لم تحطم معنويات الأوكرانيين. وفي المقابل، قلل الكرملين حتى الآن من شأن الضربات الأوكرانية. واعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية ضربات الإيرانيين والحوثيين. وأدت هجمات الحوثيين على الشحن البحري إلى حرف مسارات مئات مليارات الدولارات في التجارة، وسطعت صورتهم كوكلاء لإيران، لكنها لم تحدث أي انتصارات ملموسة أخرى. وتسببت الضربات الإسرائيلية ضد البنية التحتية للطاقة لدى الحوثيين، بأضرار وازنة وردعت الحوثيين عن تكرار هجماتهم. بعبارة أخرى، تسبب إمكان الوصول إلى الوسائل الحربية الاستراتيجية بكثير من الإزعاج لكنه لم يحقق أي أمر آخر.

بالتالي، إن السؤال الذي هيمن على الأعمال الحربية الاستراتيجية منذ ظهورها قبل مئة عام، يبقى في مكانته المركزية اليوم، ويتعلق بمدى نجاعة الأعمال الحربية الاستراتيجية؟ وفي اللحظة الراهنة، تبدو الإجابة نفياً، أو في الأقل، إنها لا تستطيع لوحدها كسب الحروب، أو في تلك الحالات التي وردت آنفاً، لم تؤدِّ إلى تغيير في موقف الخصم.

إن الأسباب وراء الفشل الذي حاق بغالبية الأعمال الحربية الاستراتيجية، لا تتعلق بعامل الزمان، فلا يهم إن كانت قاذفات أو مسيّرات أو صواريخ أو حتى أي شيء آخر مختلف كلياً. وعلى غرار القاذفات والطائرات التي يقودها بشر، من المستطاع لجم المسيّرات والصواريخ عبر وسائل الدفاع الجوي الحديثة. وحتى إذا أصابت المسيّرات والصورايخ أهدافها، فلا ضمانة لأن يؤدي ذلك إلى النجاح. وعلى نحو نمطي، تؤدي الأعمال الحربية الاستراتيجية إلى تأثير مفاده الالتفاف حول الراية بالنسبة إلى من يُقصَفون، بمعنى توحيد المجتمعات ضد عدو مشترك. وفي المقابل، إن الدول والجماعات، لديهما من المرونة أكثر مما يبدو ظاهراً، وتستطيعان التأقلم مع الهجمات العقابية. وحينما تخيّر بين الاستسلام والمقاومة، فإنها تختار الأخيرة في الغالب، وكثيراً ما تصبح الشعوب أكثر تضامناً مما كانت عليه من قبل.

خرافة مستمرة

حتى إذا لم تنجح المسيّرات والصواريخ الجديدة في تحويل القصف الاستراتيجي إلى خطة ناجحة في الحرب فمن غير المرجح أن تهجر الجيوش تلك الوسيلة من الأعمال الحربية في أي وقت قريب. وكبداية، ليست هناك بدائل واضحة عن القصف الاستراتيجي. ولقد تبنت روسيا وأوكرانيا كلتاهما الأعمال الحربية الاستراتيجية حينما حل الركود ضمن المعارك في جبهات القتال على الأرض. ولم يَحُز الحوثيون إلا مقداراً ضئيلاً من الخيارات التقليدية بغية الضغط على إسرائيل أو المجتمع الدولي، سوى هجماتهم ضد سفن الشحن والمدن الإسرائيلية. وامتلكت إسرائيل خيارات أكثر عدداً، لكن معظم مواردها وجهت لدرء أخطار أكثر إلحاحاً ومباشرة، فلجأت إلى قصف مخازن الحوثيين بوصفها طريقة أسهل نسبياً لإيصال الرسالة المتوخاة (الردع)، حتى لو أنها لم تثبت أنها مؤثرة، في نهاية المطاف.

ويتمثل الأمر الأكثر أهمية في أن التطور الأحدث في الأعمال الحربية الاستراتيجية يستند إلى الجاذبية المديدة للقوة الجوية بوصفها شكلاً سريعاً ودقيقاً من الأعمال الحربية التي تستطيع إنهاء الصراعات بسرعة من دون إراقة فائضة للدماء أو التسبب بما لا لزوم له من الدمار. وفكر المنظرون الأوَل للقوة الجوية في أن الأعمال الحربية الاستراتيجية تجسد وسيلة تجنب الجنس البشري الأهوال التي رافقت الحرب العالمية الأولى، ثم بشروا بها كطريقة لإسدال الستار على الحرب العالمية الثانية. وبالطبع، جافت الحقيقة كل ذلك. عام 1945، لم تقَع سوى نصف القنابل التي ألقتها “القوة الجوية الثامنة” ضمن مسافة ألف قدم [نحو ثلاثمئة متر] من أهدافها [البقية أخطأت أهدافها بأكثر من ذلك]. وبالنتيجة، لم تترجم الأعمال الحربية الاستراتيجية سوى بتدمير المدن، أو مساحات واسعة من المناطق السكنية في الأقل. وفي بعض الأحيان، نجم ذلك عن طائرات غير دقيقة، ولقد تغلبت التكنولوجيا المعتمدة الآن على تلك العقبة. ولكن في أحيان أخرى على غرار القصف الناري على مدينتي درسدن الألمانية وطوكيو اليابانية، جاء القصف الجماعي كاستراتيجية مقصودة، لكنها ولدت نتائج عكسية، هدفها إضعاف المعنويات بالاستناد إلى النظريات نفسها عن القوة الجوية والتي لا تزال سارية في الصراعات اليوم.

ويستند الشكل الجديد للأعمال الحربية الاستراتيجية إلى القناعات العميقة عن القوة الجوية. وفي المحصلة، برزت المسيّرة في سياق الحرب على الإرهاب، وصممت كي تمهد لطريقة أكثر دقة، مع احتفاظها بالكفاءة المطلوبة، في ضرب الأهداف، وذلك بالضبط على غرار ما حصل مع سابقاتها.

وبالفعل، تتيح المسيّرات والصواريخ للجيوش الدخول في أعمال حربية استراتيجية من دون اللجوء إلى الدمار الواسع غير الضروري الذي شهدته الحرب العالمية الثانية. في المقابل، لم تتساوَ النتائج المتأتية من المسيّرات مع ما يلزم لاعتبارها وسيلة لكسب الحرب.

ثمة فكرة تفيد بأن موجات من المسيّرات أو الصواريخ الموجهة بدقة على مجموعة محددة من الأهداف، من شأنها تسريع إنهاء الصراع. ويرجح أن تحتفظ تلك الفكرة بمكانتها في خيال الجمهور وضمن صفوف صناع السياسة، حتى إذا أثبتت النتائج الفعلية قصور الأعمال الحربية الاستراتيجية. وفي خاتمة المطاف، لا تقدم النظريات البديلة عن تحقيق النصر، أي القتال والانتصار على الأرض، سوى أعمال يسودها الغموض والدموية والكلف المرتفعة.

وفي المقابل، إن استمرار جاذبية القصف الاستراتيجية يشكل بالضبط السبب في جعل المستقبل خطراً. ومع توسع إمكان الوصول إلى تقنيات القصف الاستراتيجي، كذلك سيغدو شأن الحوافز والفرص لاستعمالها، فيما تشرع الدول والجماعات بالتفكير في تلك الوسائط كوسيلة فاعلة وسهلة في التوصل إلى حلول لقضاياها الأمنية. وفي المحصلة، يقف القصف الاستراتيجي، بغض النظر عن فاعليته، في موضع يرشحه لأن يغدو أكثر شيوعاً بصورة مطّردة. إن السكان المدنيين والبنية التحتية الحيوية سيدفعان ثمن ذلك.

 

رافائيل كوهين، مدير “برنامج الاستراتيجية والمنهجيات الفكرية” ضمن “مشروع القوة الجوية” في مؤسسة “راند”، ومدير برنامج الأمن القومي في “كلية باردي” التابعة لمؤسسة “راند”

مترجم عن “فورين أفيرز”، 18 فبراير (شباط) 2025

 

Continue Reading

Previous: نهاية الحلم الثوري: إلى الديمقراطية در ……. رفيق خوري………المصدر :اندبندنت عربية
Next: ما مدى استعداد “حماس” لقبول وتنفيذ مخرجات القمة العربية؟ عز الدين أبو عيشة مراسل….المصدر :اندبندنت عربية

قصص ذات الصلة

  • مقالات رأي

اكرم حسين عن هشاشة القوى الوطنية السورية..؟…المصدر : صفحة الكاتب

khalil المحرر يوليو 4, 2025
  • مقالات رأي

هل يُحرم الكرد “المكتومون” و”الأجانب” من مجلس الشعب السوري؟ شفان ابراهيم. المصدر : موقع درج

khalil المحرر يوليو 4, 2025
  • مقالات رأي

هل ينجح ترمب في إنهاء حرب غزة؟ كون كوخلين……..المصدر :المجلة

khalil المحرر يوليو 4, 2025

Recent Posts

  • اكرم حسين عن هشاشة القوى الوطنية السورية..؟…المصدر : صفحة الكاتب
  • هل يُحرم الكرد “المكتومون” و”الأجانب” من مجلس الشعب السوري؟ شفان ابراهيم. المصدر : موقع درج
  • دلشاد شهاب: نيجيرفان بارزاني يعمل منذ عام 2022 على الجولة الحالية من عملية السلام في تركيا..المصدر :رووداو ديجيتال
  • هل ينجح ترمب في إنهاء حرب غزة؟ كون كوخلين……..المصدر :المجلة
  • “الوحدة 8200″… قلب الآلة العسكرية الإسرائيلية مايكل هوروفيتز……المصدر :المجلة

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

Archives

  • يوليو 2025
  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • اكرم حسين عن هشاشة القوى الوطنية السورية..؟…المصدر : صفحة الكاتب
  • هل يُحرم الكرد “المكتومون” و”الأجانب” من مجلس الشعب السوري؟ شفان ابراهيم. المصدر : موقع درج
  • دلشاد شهاب: نيجيرفان بارزاني يعمل منذ عام 2022 على الجولة الحالية من عملية السلام في تركيا..المصدر :رووداو ديجيتال
  • هل ينجح ترمب في إنهاء حرب غزة؟ كون كوخلين……..المصدر :المجلة
  • “الوحدة 8200″… قلب الآلة العسكرية الإسرائيلية مايكل هوروفيتز……المصدر :المجلة

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

منشورات سابقة

  • مقالات رأي

اكرم حسين عن هشاشة القوى الوطنية السورية..؟…المصدر : صفحة الكاتب

khalil المحرر يوليو 4, 2025
  • مقالات رأي

هل يُحرم الكرد “المكتومون” و”الأجانب” من مجلس الشعب السوري؟ شفان ابراهيم. المصدر : موقع درج

khalil المحرر يوليو 4, 2025
  • الأخبار

دلشاد شهاب: نيجيرفان بارزاني يعمل منذ عام 2022 على الجولة الحالية من عملية السلام في تركيا..المصدر :رووداو ديجيتال

khalil المحرر يوليو 4, 2025
  • مقالات رأي

هل ينجح ترمب في إنهاء حرب غزة؟ كون كوخلين……..المصدر :المجلة

khalil المحرر يوليو 4, 2025

اتصل بنا

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.