حذرت قراءة في بموقع The Diplomat الأميركي من ظهور “نمط خطير” على مستوى الوجود العسكري الأميركي البحري. ووفقاً للقراءة، “على الرغم من متابعة السفن البحرية الأميركية دورياتها وتدفق العتاد العسكري إلى الحلفاء، لا يمكن إلا ملاحظة نمط خطير: التقويض المنهجي الذي يستهدف الأسس المؤسسية التي تحول الوجود العسكري إلى قوة استراتيجية. ويخلق ذلك ما يمكن وصفه بالقوة البحرية الفارغة والتي تكون بارزة من حيث السفن والانتشار، ولكنها ضعيفة داخلياً من حيث آلية إصدار القرارات والجهاز الديبلوماسي وإدارة التحالفات.
وتتبع القوى البحرية نماذج أمنيّة تختلف تماماً عن القوى القارية، بحيث تكون القوة المؤسسية العامل الأساسي في نجاحها. وبخلاف الامبراطوريات البرية التي تركز على السيطرة الاقليمية، تستمد القوى البحرية قوتها من المؤسسات المستقرة التي تمكّن التجارة وإدارة التحالفات والإسقاط العالمي للقوة.
وتمثل منطقة الهندي-الهادئ الاختبار النهائي لإسقاط القوة البحرية. فهناك، المسافات شاسعة والحلفاء متنوعون والمعارضون أقوياء. وتعتمد قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على حرية الملاحة والاستجابة للأزمات على “الربط” بين القدرة العسكرية والقدرة المؤسسية أي على القدرة على اتخاذ قرارات سريعة والتنسيق مع الحلفاء واستخدام أدوات القوة الوطنية المتعددة بتنسيق.
لهذا السبب يعد الانفصال الحالي خطيراً لأمن منطقة الهندي-الهادئ ومن دون آليات التنسيق والعلاقات الديبلوماسية، واستمرارية السياسات التي دعمت القوة الأميركية، قد تتحول حتى أقوى مجموعات المعركة الحاملة إلى رموز استراتيجيّة باهظة الثمن وغير فاعلة أي مثيرة للإعجاب من حيث المظهر ولكن فارغة من حيث الجوهر.
وبينما اختبرت الولايات المتحدة فترات من بناء القوات العسكرية والإصلاح المؤسسي طوال تاريخها، يمثل الوضع الحالي أمراً غير مسبوق. فمن جهة، يستمر الوجود العسكري الأميركي في منطقة الهندي-الهادئ بلا انقطاع. وتستمر الأنظمة الرئيسية للأسلحة في التدفق إلى المنطقة، حيث يشتري حلفاء مثل اليابان وأستراليا الأسلحة الأميركية المتطورة. وفي الجهة الأخرى، تواجه الأسس المؤسسية الداعمة لهذا الوجود العسكري اضطراباً غير مسبوق، بحيث أن وزارة كفاءة الحكومة (DOGE) طبقت توجيهات تهدف إلى إعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية بصورة جذرية. ويشمل ذلك القضاء على 90% من عقود المساعدات الخارجية، والتي تقدر بـ 60 مليار دولار، ما سيقضي على أدوات القوة الناعمة التي تكمل الوجود العسكري.
كما يواجه مكتب شؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ بوزارة الخارجية، الذي يُعد مركز التنسيق لإدارة التحالفات في المنطقة، حالة من عدم اليقين. يركز مشروع 2025 على إعادة هيكلة وزارة الخارجية، ويُقال إن الديبلوماسيين المحترفين غالباً ما يقاومون أجندات الرؤساء المحافظين، ويحث المشروع الادارة المقبلة على “إعادة تشكيل الوزارة إلى آلة ديبلوماسية رشيقة وفعّالة تخدم الرئيس”. أما ما يجعل هذا الانفصال غير مسبوق فهو طابعه المتعمد. بينما قد توفر الأنظمة البيروقراطية الراسخة والعلاقات العسكرية-العسكرية بعض الصمود، لا يزال المسار العام غير واضح: قوة بحرية مظهرها الخارجي من القوة يتنكر خلف فراغ داخلي متزايد.
وتظهر خطورة “القوة البحرية الفارغة” للولايات المتحدة بصورة أكثر وضوحاً في سيناريوهات الأزمات، بحيث تحدد القدرة المؤسسية النتائج وليس فقط العتاد العسكري. وهناك ثلاث ثغرات حاسمة قد تكون كارثية في حال حدوث مواجهة إقليمية: انهيار القنوات الديبلوماسية وشلل التخطيط الاستراتيجي وتفكك آليات التحالفات.
ويخلق فقدان الخبرة فجوة خطيرة في قدرة الولايات المتحدة على الاستجابة للأزمات. ومن دون الديبلوماسيين ذوي الخبرة الذين يفهمون الديناميكيات الاقليمية والمفاوضات السابقة وفروق الديبلوماسية عالية المخاطر، لن تتمكن واشنطن من خفض التصعيد والتنسيق بصورة فاعلة مع الحلفاء وإرسال رسائل ردع بالشكل الذي يمنع الحسابات الخاطئة. وفي لحظة الأزمة، سيشكل التردد أو سوء الفهم أو غياب الاستراتيجية الديبلوماسية الواضحة الفارق بين احتواء الأزمة واندلاع النزاع الكامل.
ويشكل ظهور الولايات المتحدة كقوة بحرية فارغة تداعيات استراتيجية عميقة على منطقة الهندي-الهادئ. وعلى عكس الانسحاب العسكري الواضح، الذي قد يؤدي إلى إعادة تقييم فورية من القوى الاقليمية، يخلق التفريغ المؤسساتي ديناميكية خبيثة وخطيرة. وهذا يعني أن الولايات المتحدة تقف عند مفترق طرق لا يهدد المؤسسات فحسب بل استقرار المنطقة أيضاً”.