أظهرت أحداث السنوات الأخيرة تعاوناً وتنسيقاً قويّاً بين كلٍّ من تركيا وإسرائيل وآذربيجان، تجلّيا خصوصاً في الحرب الآذربيجانية – الأرمينية عام 2020، والتي لعب الدعم العسكري المباشر من جانب أنقرة وتل أبيب بالأسلحة المتطوّرة ومنها المسيّرات والخبراء، دوراً محوريّاً في انتصار باكو على يريفان فيها. وواكب ذلك تعزيز العلاقات الآذربيجانية – الإسرائيلية، عبر استيراد إسرائيل ثلثَ حاجتها من النفط من آذربيجان، عبر خطّ الأنابيب الممتدّ من باكو إلى تبليسي وصولاً إلى ميناء جيحان التركي على البحر المتوسط، ومنه بواسطة حاويات إلى الكيان.
وبرز دور هذا الخطّ بعد عملية «طوفان الأقصى» خصوصاً، مع توجيه الاتهام إلى تركيا بتسهيل توفير الوقود للطائرات الإسرائيلية التي تهاجم قطاع غزة، ما أدى إلى خروج احتجاجات أمام فرع شركة «صوكار» الآذربيجانية في تركيا. وإذ دعا المحتجون الأتراك سلطات بلادهم إلى وقف تصدير النفط الآذربيجاني إلى إسرائيل، فقد كان الجواب دائماً بأن تركيا مجرّد بلد عبور للنفط ضمن اتفاقات دولية بين بلدين آخرين. لكن الاحتجاجات لم تتوقّف على هذه الخلفية؛ إذ تجمّعت، الإثنين الماضي، مجموعات من المتظاهرين تحت اسم «خيمة المقاومة»، أمام مقر «صوكار» في إسطنبول، لمطالبة الحكومة بوقف بيع النفط الآذربيجاني إلى إسرائيل، وأيضاً بوقف التعاون مع الشركة.
على أن التحالف الثلاثي بين أنقرة وباكو وتل أبيب عاد ليبرز مجدّداً في أعقاب التوتّر الذي ساد العلاقات التركية – الإسرائيلية، على إثر قصف طائرات العدو مطار «تي فور» ومطارات أخرى في حماة، في ما اعتبر رسالة إلى تركيا بألّا تفكّر في إقامة قواعد عسكرية في بعض المناطق السورية، بما يمكن أن يشكّل «تهديداً للأمن الإسرائيلي». وفي خضمّ هذه التوتّرات، عُقد، في وقت سابق من الشهر الجاري، لقاء جمع ممثّلين عن كلّ من تركيا وإسرائيل، بوساطة آذربيجانية، في باكو، في ما جلّى اهتماماً آذربيجانيّاً بالساحة السورية ما بعد بشار الأسد الذي كان يقيم علاقات قوية مع إيران.
يمثّل التعاون بين آذربيجان وسوريا «رسالة طمأنة» إلى إسرائيل
وفي هذا السياق، لفتت، أخيراً، مشاركة الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، في فعاليات «منتدى أنطاليا»، والتي عَقَدَ على هامشها اجتماعاً مع الرئيس الآذربيجاني، إلهام علييف، بحثا خلاله، وفقاً للمصادر، «إمكانية مساهمة آذربيجان في تطوير قطاع الطاقة في سوريا». وقالت المصادر إن الشرع سعى إلى إقناع علييف بإدخال شركة «صوكار» إلى بلاده، ولا سيما إلى المناطق الغنية بالنفط والغاز، في شرق الفرات، حيث تسيطر «قسد». وفي حال تحقَّق ذلك، فإنه يوفّر لإسرائيل ضمانات بأن قطاع الطاقة السوري سيكون في أيدٍ أمينة، علماً أن الشرع يراهن على أن تسلّم «قسد» حقول النفط في شرق الفرات، وفقاً لاتفاقهما في العاشر من آذار الماضي.
وفي هذا الإطار، ذكرت مصادر قريبة من الحكومة التركية أن التعاون بين آذربيجان وسوريا، يمثّل «رسالة طمأنة» إلى إسرائيل، ومحاولة لتحفيز انفتاح إسرائيلي على حكومة الشرع. ووفقاً لصحيفة «ملّي غازيتيه» التابعة لـ«حزب السعادة» الإسلامي، فإن «محاولات دمشق إشراك شركة صوكار في التنقيب عن النفط والغاز في سوريا، تعتبر خطوةً نحو التطبيع مع إسرائيل، إذ يمكن أن يُصدّر النفط السوري عبر ناقلات نفط صوكار إلى إسرائيل نفسها».
ولفتت الصحيفة إلى أن «سوريا تنتج، اليوم، 110 آلاف برميل من النفط يوميّاً، منها مئة ألف تحت سيطرة قسد»، علماً أن إدارة النفط الأميركية قدّرت، عام 2015، احتياطي النفط السوري بـ2.5 مليار برميل. وبالنسبة إلى الغاز الطبيعي، كانت الحكومة السورية تنتج عام 2010، 30 مليون متر مكعب في اليوم، تراجعت لاحقاً إلى 9 ملايين، منها 8 ملايين تحت سيطرة الحكومة، ومليون تحت سيطرة «قسد». لكن العقبة الوحيدة التي تظهر أمام الترجمة العملية للنوايا، هي العقوبات التي لا تزال تفرضها أميركا وأوروبا على سوريا، وسط توقعات بأن يصار إلى التخفيف منها تدريجيّاً.
وكانت تل أبيب منحت، قبل سنتين، «شركة النفط الآذربيجانية الوطنية» (صوكار – socar)، رخصة التنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الإسرائيلية الشمالية، لكن أحداث غزة أخّرت بدء العمل بذلك. وفي الـ18 من آذار الماضي، وقّع وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، اتفاق التنقيب مع وزير الاقتصاد الآذربيجاني، ميكائيل جباروف، علماً أن هذه هي المرّة الأولى التي توقّع فيها «صوكار» اتفاقاً للتنقيب عن الغاز خارج حدود آذربيجان، في ما يعكس التقارب المتزايد بين الجانبين.