أرض الصومال (صومالي لاند) تسعى منذ إعلان استقلالها عام 1991 إلى الحصول على اعتراف دولي، وترى في الشراكات الاستراتيجية طريقا لتحقيق هذا الهدف. في أواخر عام 2024، ظهرت تقارير تفيد بأن إسرائيل اقتربت سرا من “صومالي لاند” بعرض لإنشاء قاعدة عسكرية على أراضيها مقابل اعتراف رسمي بها. ووفقا لمصادر دبلوماسية، فإن محادثات تجري بين الطرفين لتسهيل هذا الاتفاق. وتشير التقارير إلى أن هناك استعدادا لدى “صومالي لاند” لقبول القاعدة الإسرائيلية، شريطة أن تعترف إسرائيل بصومالي لاند وتستثمر فيها.
وتظل هذه المفاوضات حتى الآن سرية، ولم يُعلن عن اتفاق رسمي حتى منتصف عام 2025، إلا أن تقارير متعددة، بما في ذلك مصادر إعلامية إسرائيلية، تؤكد أن المحادثات “مستمرة وتحرز تقدما نحو اتفاق محتمل”. وقد أبدت قيادة “صومالي لاند” انفتاحا واضحا، وأشار الرئيس المنتخب مؤخرا عبد الرحمن محمد عبد الله إلى أن الاعتراف الدولي “يقترب”، مما يشير إلى أن مثل هذا الاختراق قد يأتي من صفقات مع قوى كبرى تشمل التعاون الأمني.
سقطرى والسودان وإريتريا
ليست “صومالي لاند” الموقع الوحيد الذي يثير اهتمام إسرائيل الاستراتيجي في البحر الأحمر. من المواقع الرئيسة الأخرى أرخبيل سقطرى اليمني، حيث تحدثت تقارير عن رغبة إسرائيلية لبناء منشأة عسكرية واستخباراتية لـ”تعزيز العمق الاستراتيجي” في القرن الأفريقي. وتفيد تقارير بأن البناء جارٍ بالفعل على جزيرة عبد الكوري، وهي جزء من سقطري، وقد تم إنشاء مرفأ ومدرج ومهبط مروحيات هناك لتلبية الاحتياجات العسكرية لليمن في الجنوب ولا يعرف إن كانت إسرائيل ستستفيد منها بعد الإنشاء.
يُعتقد أيضا أن لإسرائيل وجودا قديما وإن كان سريا في إريتريا، وتحديدا في أرخبيل دهلك في البحر الأحمر، حيث يُعتقد أن هناك موقعا استخباراتيا وبحريا إسرائيليا يُستخدم لمراقبة حركة الملاحة عبر باب المندب وتتبع النشاطات الإيرانية والحوثية في المنطقة.
يُعد مضيق باب المندب أحد أهم الممرات البحرية في العالم، إذ تمر عبره نسبة كبيرة من التجارة العالمية، ويُعد بوابة حيوية لقناة السويس.
كما أبدت إسرائيل اهتماما بمواقع أخرى يمكن من خلالها الوصول إلى البحر الأحمر. السودان، مثلا، كان قد وافق مبدئيا على تطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020، ما فتح الباب أمام تعاون أمني مستقبلي، غير أن الاضطرابات في السودان جمدت هذه الخطط. وقد دخلت إيران على الخط حديثا حيث زودت قوات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالسلاح لمواجهة محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد “قوات الدعم السريع”.
وتردد أن طهران تريد قاعدة بحرية هناك. وفي المقابل، وقعت إثيوبيا مؤخرا اتفاقا مع “صومالي لاند” لتأجير قاعدة بحرية في ميناء بربرة، ما يدل على أن سواحل صومالي لاند باتت مطمعا استراتيجيا.
التداعيات الجيوسياسية
يُعد مضيق باب المندب أحد أهم الممرات البحرية في العالم، إذ تمر عبره نسبة كبيرة من التجارة العالمية، ويُعد بوابة حيوية لقناة السويس. إقامة قاعدة عسكرية إسرائيلية قرب هذا المضيق، مثلا في “صومالي لاند”، تحمل آثارا جيوسياسية كبيرة. فمن جهة، قد يعزز أمن الملاحة في البحر الأحمر من خلال إضافة قدرات دفاعية واستطلاعية إسرائيلية في منطقة تعاني من القرصنة وهجمات المتمردين.
لكن من جهة أخرى، فإن قاعدة إسرائيلية عند مدخل البحر الأحمر سترتد تداعياتها على توازنات المنطقة. فهي ستمنح إسرائيل موطئ قدم في القرن الأفريقي، وهي منطقة تتنافس فيها قوى عالمية وإقليمية على النفوذ. وقد يُنظر إلى هذه القاعدة كجزء من تحالف محور “اتفاقيات أبراهام”، وربما يُنظر إليها أيضا كامتداد للوجود العسكري الإسرائيلي في المحيط الهندي. ومن المؤكد أن إيران ووكلاءها، خصوصا الحوثيين، سيرون في هذه الخطوة تهديدا مباشرا، ما قد يدفعهم إلى التصعيد.
غيتيغيتي
نصب الاستقلال التذكاري، الذي يصور يدًا تحمل خريطة البلاد، في مدينة هرجيسا، أرض الصومال
أما مصر، التي تعتمد بشكل كبير على عائدات قناة السويس، فهي تتابع هذا التطور بحذر. بعض الأصوات المصرية وصفت القاعدة الإسرائيلية المحتملة في “صومالي لاند” بأنها تهديد استراتيجي لأمن البحر الأحمر وجناح مصر الجنوبي. كما أن هناك مخاوف أفريقية من أن اعتراف إسرائيل بـ”صومالي لاند” قد يشجع حركات انفصالية أخرى، ما قد يعقد علاقات إسرائيل بدول أفريقية.
يُعد الصراع المباشر بين إسرائيل والحوثيين الأول من نوعه، وقد دفع إسرائيل لتعزيز وجودها في البحر الأحمر ومتابعة إنشاء قاعدة متقدمة في القرن الأفريقي لرصد وصد أي تهديدات
مؤشرات على بدء البناء سرا
رغم عدم الإعلان الرسمي عن اتفاق بين إسرائيل و “صومالي لاند”، فإن هناك دلائل ميدانية على التحضيرات العسكرية. في جزيرة عبد الكوري، تم رصد عمليات بناء تشمل مرفأ ومدرج طيران ومهبط مروحيات، وهي منشآت تتماشى مع إنشاء قاعدة عسكرية. كما أن صومالي لاند قد منحت في وقت سابق ترخيصا لتطوير قاعدة في بربرة، والتي قد تُستخدم لاحقا لاستقبال وحدات إسرائيلية.
وتشير مصادر إلى أن هناك أعمال بناء جارية تحت إشراف شركاء محليين لتجهيز منطقة تلائم الاحتياجات الإسرائيلية. وقد تم بالفعل نشر نظام رادار إسرائيلي الصنع في شمال الصومال (على الأرجح في “صومالي لاند”) لرصد إطلاقات الحوثيين الصاروخية. هذا الرادار يهدف إلى توفير إنذار مبكر للهجمات المحتملة من اليمن.
من ناحية العمليات، نشرت إسرائيل في أواخر 2023 وحدات بحرية قرب البحر الأحمر، كما نفذت غارات جوية على أهداف حوثية في اليمن بحلول ديسمبر/كانون الأول 2024، ردا على الهجمات الصاروخية. كل هذا يدل على أن إسرائيل نشطة ميدانيا في المنطقة، حتى قبل إنشاء قاعدة دائمة.
خلفية الصراع بين إسرائيل والحوثيين
منذ حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت جماعة الحوثي اليمنية (أنصار الله) الحرب على إسرائيل تضامنا مع حليفتها “حماس” في غزة، وخاصة بعد تدمير قدرات “حزب الله” اللبناني والذي يجمع الثلاثة تنظيمات علاقتها الطويلة مع إيران.
وبدأت ميليشيات الحوثي بإطلاق طائرات مسيرة وصواريخ باتجاه إسرائيل، وخاصة مدينة إيلات الساحلية على البحر الأحمر. وفي 27 أكتوبر 2023، وصلت طائرة مسيرة حوثية إلى أجواء إيلات وانفجرت هناك، ما اعتُبر مفاجأة للقيادة العسكرية الإسرائيلية.
بعدها، كثف الحوثيون هجماتهم، مستهدفين مدينة إيلات عدة مرات، وأعلنوا أن أي سفينة متجهة أو قادمة من إسرائيل هي هدف مشروع. وفي ديسمبر 2023، أطلقوا صواريخ على سفن تجارية، ما دفع شركات كبرى مثل “ميرسك” و”هاباج لويد” إلى تعليق المرور عبر باب المندب مؤقتا.
وردا على ذلك، نفذت إسرائيل ضربات جوية في ديسمبر 2024 استهدفت منشآت حوثية في الحديدة وصنعاء. وترافقت هذه العمليات مع جهود أميركية لحماية الملاحة، حيث أسقطت البحرية الأميركية صواريخ وطائرات مسيرة حوثية.
يُعد هذا الصراع المباشر بين إسرائيل والحوثيين الأول من نوعه، وقد دفع إسرائيل لتعزيز وجودها في البحر الأحمر ومتابعة إنشاء قاعدة متقدمة في القرن الأفريقي لرصد وصد أي تهديدات.
إذا تم إنشاء قاعدة في “صومالي لاند” ، فسيكون لدى البحرية الإسرائيلية موقع استراتيجي دائم في جنوب البحر الأحمر، مما يعزز من قدرتها على مراقبة وتأمين حركة التجارة وصد التهديدات الحوثية والإيرانية
القدرات البحرية الإسرائيلية
لطالما تمركزت البحرية الإسرائيلية في البحر المتوسط، إلا أن التهديدات المتزايدة من اليمن دفعتها لنقل قطع بحرية إلى البحر الأحمر. ومن أبرز هذه القطع فرقاطات “ساعر 6” الحديثة، والمزودة بمنظومة “القبة الحديدية البحرية” (Dome-C). في أبريل/نيسان 2024، أسقطت إحدى هذه الفرقاطات طائرة حوثية فوق البحر الأحمر، في أول استخدام ناجح لهذه المنظومة. كما يُعتقد أن غواصات دولفين الإسرائيلية، والتي يُقال إنها قادرة على حمل صواريخ بعيدة المدى، تقوم بدوريات في البحر الأحمر. وقد سُمح لها في عدة مناسبات بعبور قناة السويس بموافقة مصرية.
غيتيغيتي
جزيرة سقطرى اليمنية
تشارك البحرية الإسرائيلية أيضا في تحالفات دولية، مثل “القوة البحرية المشتركة 153” بقيادة الولايات المتحدة، وتجري تدريبات مشتركة مع بعض الدول الخليجية. تشير هذه النشاطات إلى أن إسرائيل تسعى للعب دور مركزي في تأمين البحر الأحمر.
إذا تم إنشاء قاعدة في “صومالي لاند” ، فسيكون لدى البحرية الإسرائيلية موقع استراتيجي دائم في جنوب البحر الأحمر، مما يعزز من قدرتها على مراقبة وتأمين حركة التجارة وصد التهديدات الحوثية والإيرانية، وحماية مصالحها ومصالح حلفائها في هذا الممر المائي الحيوي.
+ / –
font change
حفظ
شارك
مواضيع مشابهة