يصرّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ضرورة تخفيض التخصيب في إيران إلى الصفر، ويعتبر التخصيب غير العسكري -المعترف به وفقاً للاتفاق النووي الإيراني ووفقاً لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لجميع الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)- مساوياً للتخصيب النووي العسكري.
وتضغط إسرائيل على الولايات المتحدة لعدم الاعتراف بأي مستوى من التخصيب لإيران. حجة ترامب وفريقه هي أن التخصيب غير العسكري يمكن أن يمهد الطريق للتخصيب العسكري، لأن الآلية واحدة في كلا النوعين، والفرق بين مستوى تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67% و90% (المطلوب لصنع قنبلة نووية)، هو فرق في الدرجة وليس في الجوهر. لكن إيران تُجيب بأن الرقابة المشددة التي يمارسها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي الضمان لعدم الانجرار إلى الانشطة النووية العسكرية.
تفعيل آلية “الزناد”
إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، شكلت ثلاثية بريطانيا وألمانيا وفرنسا في أوروبا، جبهة ثالثة ضد إيران، مستغلة الخيار الذي وفره الاتفاق النووي عام 2015 للدول الست الموقعة مع إيران، وهو “الاستعادة السريعة” أو آلية الزناد (Snapback). ويمكن استخدام هذه الآلية فقط حتى تاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2025، وبعد ذلك لن تتمكن أوروبا من اللجوء إليها.
آلية الزناد (Snapback) هي أداة قانونية منصوص عليها في القرار 2231 لمجلس الأمن الدولي، وتنتهي صلاحيتها في التاريخ المذكور. بعد ذلك، لن يكون من الممكن إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران عبر هذه الآلية، رغم إمكانية تقديم قرار جديد لمجلس الأمن ضد إيران. لكن نظراً لوجود روسيا والصين كعضوين دائمين في المجلس وقدرتهما على نقض أي قرار، فإن أوروبا لا تعول على مجلس الأمن وتراهن فقط على آلية الزناد.
قرار مجلس المحافظين
رغم وجود حق استخدام آلية الزناد، إلا أن الطريق أمام أوروبا ليس سهلاً، لأن جميع إجراءات إيران تتم في إطار الحقوق الممنوحة لها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015. حتى رفع مستوى التخصيب من 3.67% إلى 60%، يندرج ضمن إطار ولا يشكل انتهاكاً له، كما أن مجلس محافظي الوكالة لا يعتبر هذا المستوى من التخصيب مخالفاً، رغم قلقه من أن يقرب هذا المستوى من التخصيب، إيران من امتلاك القنبلة النووية.
أشار تقرير حديث للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، إلى وجود آثار لليورانيوم في موقعي “تورقوز آباد” و”ماريفان”، تعود إلى 25 عاماً مضت، وقد تم حلّها عام 2015 قبل توقيع الاتفاق النووي. وتعتقد إيران أن الوكالة قد درست هذه القضية سابقاً وأغلقتها. هناك عدة تفسيرات محتملة لهذه الآثار، منها تلوث معدات التخصيب المستوردة من باكستان.
ترى إيران وروسيا أن عودة غروسي إلى هذه القضية القديمة تحركها دوافع سياسية، وتهدف إلى تمهيد الطريق أمام أوروبا لتفعيل آلية الزناد. وقال الممثل الروسي في الوكالة ميخائيل أوليانوف، في مقابلة مع شبكة “بي بي سي” مساء أمس الأربعاء، إن تقرير غروسي كُتب تحت ضغط أغلبية أعضاء مجلس المحافظين، خصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. وأضاف أن القرار الذي سيُطرح للتصويت الخميس لإدانة إيران بسبب “عدم تعاونها”، هو نفسه الذي رفضته 12 دولة في مجلس المحافظين خريف العام الماضي.
من جهته، أكد غروسي أنه رغم عدم تأكده من السلمية الكاملة للبرنامج النووي الإيراني، إلا أنه لا يوجد دليل على انتهاك إيران لالتزاماتها النووية.
تصعيد عسكري محتمل
في غضون ذلك، زاد انسحاب القوات الأميركية من المنطقة من احتمالية المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة/إسرائيل. وأكد ترامب مرة أخرى أن “الأوضاع في الشرق الأوسط قد تصبح خطيرة”. وقال في رد على سؤال حول سبب إصداره إذناً بإخلاء عائلات العسكريين الأميركيين من المنطقة: “أخرجنا بعض الدبلوماسيين من مناطق في الشرق الأوسط لأن الوضع قد يصبح خطراً”. وكالعادة، أضاف ترامب “لن نسمح لإيران بالحصول على سلاح نووي”.
تصعيد الوكالة الذرية
أقرّ مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقترح الترويكا الأوروبية الذي دعمته الولايات المتحدة خلال اجتماعه فجر اليوم الخميس، وأهم محاوره: التعبير عن قلق شديد إزاء عدم شفافية إيران، انتقاد القيود المفروضة على وصول مفتشي الوكالة وتحذير بشأن أنشطة التخصيب المتقدمة والتهديد بإجراءات عقابية في حال عدم التعاون.
هذه النقاط تعكس تصعيد الضغوط الغربية على طهران في ملفها النووي.
الخطوة المقبلة سيكون استخدام الدول الأوروبية لآلية الزناد التي تسندعي إعادة العقوبات ضد إيران. هذه الآلية هي ما تبقي من الاتفاق النووي، واستخدامها يمثل إطلاق رصاص الرحمة عليه.
هل من خيار غير التسوية؟ من غير المرجح أن يختار الطرفان (واشنطن وطهران) الحرب، رغم أن إسرائيل لن تتوقف عن محاولة جر البلدين إليها.