لحظة اختبار قدرات إيران
طهران – شنّت إسرائيل وابلا من الهجمات على أنحاء من إيران الجمعة، وهاجمت منشآت نووية ومصانع صواريخ وقتلت قادة عسكريين بارزين في الحرس الثوري في عملية كشفت محدودية القدرات الإيرانية على مواجهة هجوم واسع، فيما جاء الرد الإيراني محدودا ونجح الإسرائيليون في احتوائه لكونه مكشوفا ومنتظرا، فضلا عن مشاركة الولايات المتحدة بشكل فعال في صده.
وقال المرشد العام علي خامنئي “لن يظل النظام الصهيوني سالما من عواقب جريمته. الأمة الإيرانية يجب أن تتأكد من أن ردنا لن يكون فيه أي تقصير”، فيما توعد القائد العام الجديد لقوات الحرس اللواء محمد باكبور بفتح أبواب الجحيم على إسرائيل.
وجاء في بيان للحرس الثوري “نفذ حرس الثورة الإسلامية… رده الحازم والدقيق ضد عشرات الأهداف والمراكز العسكرية والقواعد الجوية للنظام الصهيوني الغاصب في الأراضي المحتلة.”
وأفادت وسائل إعلام عبرية، الجمعة، بأن نحو سبعة صواريخ سقطت في مناطق متفرقة داخل إسرائيل من بينها تل أبيب.
بقطع النظر عن أعداد الصواريخ وكم عددها الذي سقط على الأراضي الإسرائيلية، فإن الأضرار تبقى محدودة قياسا بما حققه الإسرائيليون
وفي إشارة إلى إسقاط الصواريخ الإيرانية كشف الأمن العام الأردني عن “سقوط أجسام جوية في عدد من مناطق المملكة ولا إصابات بعد”.
وقال الجيش الإسرائيلي الجمعة إن إيران أطلقت العشرات من “الصواريخ الإضافية”، بعيد اعتراضه دفعة من الصواريخ من إيران وسقوط عدد منها في أنحاء البلاد، مؤكدا أن “الانفجارات التي تسمعونها ناتجة عن اعتراضات أو مقذوفات سقطت.”
وبقطع النظر عن أعداد الصواريخ وكم عددها الذي سقط على الأراضي الإسرائيلية، فإن الأضرار تبقى محدودة قياسا بما حققه الإسرائيليون.
ويقول خبراء عسكريون إن هجوم الجمعة أعاد تثبيت فكرة التفوق النوعي الإسرائيلي على إيران، التي ظهرت في هجمات سابقة ضرب فيها الإسرائيليون أهدافا دقيقة في إيران ونفذوا اغتيالات ضد سياسيين وعلماء في البرنامج النووي ثم غادروا بسهولة فيما كان الرد الإيراني ضعيفا بصواريخ ومسيرات سقطت قبل أن تصل الأراضي الإسرائيلية.
ولا يمكن التعلل بأن الهجوم مفاجئ لأن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أوحت بقرب الهجوم وأنه سيكون نوعيا، كما أن سحب دبلوماسيين وأسرهم وأسر العسكريين من بعض العواصم الإقليمية كان مؤشرا إضافيا، فضلا عن تصريحات متواترة لمسؤولين إسرائيليين تلوح بتنفيذ هجوم واسع لعرقلة البرنامج النووي الإيراني ولم تكن تمنعهم سوى رغبة واشنطن في إعطاء الوقت لمسار مفاوضات سلطنة عُمان.
وما يبطل عامل المفاجأة أن إسرائيل استمرت في هجومها خلال النهار دون أن تواجه بمقاومة تعيق استهداف مواقع جديدة غرب إيران.
oo
لكن الإحراج الأكبر بالنسبة إلى إيران هو نجاح إسرائيل في تصفية كبار القادة العسكريين الذين يفترض أنهم هم من سيقودون الرد الإيراني على الهجوم الواسع، واستهدافهم أظهر تفوقا إسرائيليا كبيرا في الحرب عسكريا ونفسيا. كما أثار تساؤلات كبيرة عن حجم اختراق إسرائيل للمؤسسة الأمنية والعسكرية في إيران بشكل يؤهلها لأن تصفي بشكل متزامن كبار القادة العسكريين بدءا برئيس الأركان اللواء محمد باقري وصولا إلى قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي المقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي، والذي عرُف بخطاباته اللاذعة ضد إسرائيل والغرب.
وبثّ التلفزيون الرسمي الإيراني لقطات لسلامي وهو يصدر عبر الهاتف من مركز قيادة عسكري، الأوامر لقوات الحرس الثوري بشن عملية ضد إسرائيل خلال الهجوم الإيراني بالطائرات المسيّرة والصواريخ في منتصف أبريل 2024.
وأنهى الهجوم الإسرائيلي أسطورة تفوق الحرس الثوري واعتباره مؤسسة نوعية قادرة على حماية النظام من مؤامرات الداخل والخارج ليتضح بأنها مؤسسة هشة وأن ما تقوم به من استعراضات عسكرية ودعائية غير حقيقي، ما يفسره تعرضها لضربات قاصمة في أول اختبار جدي مع الإسرائيليين.
وإذا كان الإسرائيليون قد نجحوا في استهداف القادة العسكريين المؤثرين في الأجهزة الرسمية، فهذا يجعل من اليسير عليهم استهداف رموز سيادية للجمهورية الإسلامية في أي وقت يرونه مناسبا مثلما حصل خلال اغتيال زعيم حماس السابق إسماعيل هنية في حفل تنصيب الرئيس مسعود بازيشكيان.
وقال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي الجمعة إن إسرائيل لا تخطط في هذه المرحلة لاستهداف القيادة السياسية الإيرانية، وذلك بعد الهجمات على المواقع العسكرية والنووية.
وأضاف هنغبي للقناة الثانية عشرة الإسرائيلية أن المرشد الأعلى “ورجالاته… لا توجد حاليا أي خطة لقتلهم.”
ويحيل هذا الوضع إلى قرار إسرائيل تصفية قادة حزب الله اللبناني في وقت يسير مرورا بالأمين العام حسن نصرالله وهاشم صفي الدين الذي خلفه ليوم واحد فقط على رأس الأمانة العامة وقيادات بارزة في فرقة الرضوان.
وقال مصدر أمني إسرائيلي إن إسرائيل أرسلت قوات خاصة تابعة للموساد إلى العمق الإيراني لتدمير أنظمة الأسلحة الإيرانية خلال الهجوم الإسرائيلي على أهداف نووية وعسكرية، بينما قال مسؤول أمني إسرائيلي آخر إن إسرائيل استخدمت أساليب الخداع والتمويه للإيحاء بأن الضربة ليست وشيكة.
وتحدث المسؤولان الإسرائيليان، اللذان اشترطا عدم الكشف عن هويتهما بسبب الطبيعة السرية للعمليات، عن استعدادات سرية ومطولة للهجوم الذي أدى إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل حاد بسبب مخاوف من التصعيد الإقليمي.
وكان المسؤولون الإيرانيون الذين تحدثوا قبل الهجوم بفترة وجيزة قد استبعدوا أي عمل وشيك وقالوا مرارا إن الحديث عن الضربات مجرد “ضغط نفسي” للتأثير على المفاوضات النووية الأميركية – الإيرانية التي كان من المقرر أن تبدأ يوم الأحد.
oo
ولم تقدم إيران رواية تفصيلية لما وصفه وزير خارجيتها عباس عراقجي بأنها “هجمات غير قانونية وجبانة”، لكنها توعدت برد قاس.
وقبل الضربة، أعطت إسرائيل انطباعا بأن تركيزها لا يزال منصبا على الدبلوماسية الأميركية من أجل التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، إذ أبلغت الصحفيين بأن مدير الموساد سيذهب إلى واشنطن قبل المفاوضات القادمة.
وقال المصدر الأمني الإسرائيلي إن الجيش الإسرائيلي والموساد عملا لسنوات على المعلومات المخابراتية اللازمة للضربات التي أسفرت عن مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني وآخرين.
وقال المصدر الأمني إن القوات الخاصة التابعة للموساد نشرت أسلحة بشكل سري في جميع أنحاء إيران، بما في ذلك طائرات مسيرة متفجرة تم إطلاقها على قاعدة صواريخ سطح-سطح بالقرب من طهران.
كما أطلقت القوات الخاصة التابعة للموساد أنظمة أسلحة موجهة بدقة على منظومات صواريخ سطح-جو إيرانية مع بدء الهجوم الإسرائيلي، مما قلل من التهديد للطائرات الحربية الإسرائيلية.