يلعب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإيران كما يلعب المحترفون بخصم مأزوم: كلمة واحدة تربك طهران، وتلويحة كافية لحصارها سياسياً ونفسياً. إيران، التي تتخبط في أزماتها الداخلية وتواجه ضغطاً عسكرياً واقتصادياً من الخارج، لم تجد أمامها سوى التصعيد المضبوط. أما لبنان، فليس طرفاً مباشراً في الحرب، لكنه واقع على خط التماس، ومطلوب منه اليوم أن يحسم خياره: إمّا التحييد الفعلي، وإمّا دفع ثمن لعبة الأمم التي لا ترحم المترددين.
منذ اللحظة الأولى لاشتعال المواجهة بين إسرائيل وإيران، بدا أن ترامب لا يكتفي بإدارة المعركة، بل يدير الخصم أيضاً. بأسلوبه الذي يجمع بين فظاظة رجل الأعمال ودهاء الاعلامي، دخل على خط النزاع كمن يحرّك الخيوط من بعيد: يلوّح بالحرب، يساوم بالتفاوض، يسخر من الدفاعات الايرانية، ثم يروّج أن طهران طلبت لقاءه في البيت الأبيض. إنه صراع أعصاب أكثر منه صراع جيوش، ويقوده ترامب على طريقته: كأنّه يخوض مناظرة انتخابية لا معركة إقليمية.
في المقابل، لم تبتلع طهران الإهانة. خرج المرشد الأعلى علي خامنئي بلغة تصعيدية، متوعداً بردّ كارثي على أي ضربة أميركية، وأطلق صواريخ “فتّاح” الفرط صوتية باتجاه حيفا، في محاولة لإثبات الجاهزية ورفع المعنويات. لكن الصواريخ، على الرغم من ضجيجها، لم تغيّر موازين القوى، بل عكست حجم الضغط الذي يتعرض له النظام الايراني بين ضربات تل أبيب وتكتيكات ترامب النفسية والاعلامية، وسط قلق متزايد من تدخل أميركي مباشر يقلب المعادلة.
الوقائع الميدانية تتسارع: إسرائيل دكّت مواقع أمنية حساسة داخل طهران، وأعلنت تدمير مقر جهاز الأمن الداخلي، بينما تواصل إيران قصفها الصاروخي وتحذّر سكان حيفا من مغادرة مناطق محددة تحسّباً لضربات دقيقة. وبين هذا وذاك، يصرّ ترامب على تأكيد “السيطرة الكاملة” على الأجواء الايرانية، ويرفع السقف بالحديث عن قنابل خارقة للتحصينات، في إشارة إلى استهداف المنشآت النووية المدفونة عميقاً تحت الأرض.
وفيما يتكثف التصعيد، تصل الأنظار إلى لبنان. زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي إلى سوريا، توماس برّاك، إلى بيروت، ليست بروتوكولية. تحمل في طياتها رسالة واضحة: تحييد لبنان لم يعد ترفاً، بل شرط لازم لحمايته من الانزلاق. وبرّاك، بحسب مصادر مطّلعة، لم يأتِ لتثبيت الحياد وحسب، بل لطرح جدول زمني واضح لسحب سلاح “حزب الله”، تمهيداً لتطبيق القرار 1701 بصيغته الكاملة.
مصادر ديبلوماسية تعتبر أن الحكومة اللبنانية، برئاسة جوزاف عون ونواف سلام، قدّمت إشارات إيجابية بشأن التزام الحياد، لكن الكلام لا يكفي. المطلوب اليوم ضمانات فعلية، لأن “حزب الله”، وإن التزم الصمت حتى الآن، لا يزال يمتلك مفاتيح التصعيد، وأي انزلاق قد يجرّ البلد إلى كارثة.