في ظل الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، ظهرت آراء تتحفّظ على سقوط النظام الإيراني، بزعم أن المصلحة الخليجية والعربية تقتضي استقرار إيران وتغيير سلوك نظامها، لا إسقاطه. كما طُرحت نظرية تحذّر من هيمنة إسرائيل على المنطقة في حال سقوط إيران.
غير أن هذا الرأي بحاجة إلى مراجعة جادّة؛ فكل التجارب منذ عام 1979 لا تشجّع على تبنّيه. لقد جُرّبت نظرية “تغيير سلوك النظام” مراراً، وفشلت. ولنتذكّر خيبات دول الخليج مع إيران، حتى في عهود من سُمّوا بـ”الأصدقاء” مثل رفسنجاني وخاتمي، فضلاً عن خصوم كأحمدي نجاد. ففي عهد رفسنجاني وقع تفجير الخبر في السعودية بقرار إيراني، أما عهد خاتمي فشهد القفزة الكبرى في المشروع النووي بكل دلالاته العدائية تجاه الخليج والعرب وغيرهم. والحديث عن ازدواجية القرار بين “الدولة” و”الثورة” ليس سوى إحدى حيل النظام للمناورة. فالخلاصة لا تقوم على مَن أصدر القرار، بل على ما نُفّذ منه.
لقد مثّلت الثورة الخمينية ذروة صعود الإسلام السياسي، وأصبحت مرجعيته، بغض النظر عن الطائفة. لذا، من غير المنطقي مسايرة الإسلام السياسي الشيعي ممثَّلاً بـ”ولاية الفقيه”، في وقت خاضت فيه دول المنطقة معركة طويلة ضد الإسلام السياسي السني. إن التعامل مع الظاهرة الإسلاموية من زاوية طائفية يكشف عن قراءة سطحية؛ فالمشكلة واحدة، حتى لو اختلفت الأعراض.
أما الادعاء بأن استقرار إيران يخدم الخليج والعرب، فمجرد وهم. يكفي النظر إلى ما جرى بين سقوط صدام حسين عام 2003 وأحداث 7 أكتوبر 2023: إيران كانت مستقرة، ومع ذلك اشتعلت الحروب والفتن في اليمن وسوريا ولبنان والعراق والبحرين، ناهيك عن انقسام الصف الفلسطيني، وعمليات التجسّس والإرهاب التي استهدفت دول الخليج والدول العربية المعتدلة.
أما تخويف دول الخليج من موجات لجوء إيرانية، فادّعاء مبالغ فيه. فالعراق، الذي لا يفصله الخليج العربي عن دول الخليج، رغم حدوده الطويلة مع السعودية (811 كيلومتراً)، لم يُغرق الخليج باللاجئين بعد سقوط نظام صدام.
لقد رأينا الثمار المُرّة لما يُسمّى “استقرار” النظام الإيراني. فلا ضير في اختبار تداعيات اضطرابه أو انهياره. من المؤكد أنها لن تكون أسوأ، بل قد يُشكّل سقوط النظام مدخلاً لارتياح المنطقة، وعودتها إلى هويتها الطبيعية، ومعالجة التشوّهات التي سبّبتها مرحلة التمدّد الإيراني، وتعزيز الحضور العربي دولياً واستعادة دوره.
أما الادعاء بأن سقوط إيران سيمنح إسرائيل السيطرة على العالم العربي، فهو وهم آخر. فقبل العصر الإيراني (2003–2023)، لم تكن إسرائيل دولة مهيمنة على الشرق الأوسط، وكان العالم العربي أكثر استقراراً وازدهاراً وأماناً، وكانت القيادة الفلسطينية موحّدة وقرارها مستقلاً. والطريف أن هذا “العصر الإيراني” الذي ادّعى نصرة القضية الفلسطينية، تسبب في زيادة الدول العربية الموقّعة لاتفاقيات سلام مع إسرائيل.
إن التنديد بمساوئ النظام الإيراني لا يعني تمجيد إسرائيل أو قادتها؛ فكلاهما وجهان لعملة واحدة. وقد تؤدي الحرب الإسرائيلية على إيران إلى إسقاط النظام، أو على الأقل إلى إنهاكه وإشغاله بنفسه. والمهم أن تتوقف آلة القتل التي يوجّهها النظام الإيراني ضد شعبه وضد شعوب المنطقة. فالعرب والإيرانيون يستحقون علاقة أفضل، وحياة أجمل. والعقبة الكبرى هي هذا النظام الإسلاموي، الذي تنطبق عليه المقولة الفارسية: “الغربان لا يبيض لونها مهما غسلت نفسها”. وما ينطبق على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ينطبق تماماً على إسرائيل.