مع تواصل العدوان الإسرائيلي على إيران، تسعى تل أبيب وحلفاؤها الغربيون، ولا سيما واشنطن، لتحقيق أكبر قدْر من المكاسب في حال لم يبلغوا هدف إسقاط النظام في طهران. على أن اللافت أنه في كل مرّة تشتدّ فيها الحملات على إيران، يُستعاد الحديث عن تقسيمها إلى دويلات إثنية ومذهبية؛ علماً أن مثل هذا الشعار بلغ ذروة زخمه في عهد الرئيس الآذربيجاني في التسعينيات، أبو الفضل ألتشي بك، الذي كان يجاهر علناً بالدعوة إلى تقسيم إيران.
ومع انطلاق تجارب رسم خرائط جديدة اليوم، تعود هذه النغمة إلى الظهور، فيما ليس خافياً أن مثل تلك الخرائط، سجّلت نجاحاً واضحاً في العراق، مع نيْل الأكراد هناك فدرالية كاملة، هي في الواقع شبه دولة مستقلّة يحلم بمثلها كلّ أكراد المنطقة. وإذا كانت لهؤلاء حقوق يجدر أن ينالوها حيث هم، وفي مقدّمها الاعتراف بهويتهم الثقافية، فإن الغرب حوّل مطالبهم المحقّة إلى ما يشبه «قميص عثمان»، ممتطياً مشكلات الأقليات ومظهّراً بالقوّة، ولا شيء سواها، أن نجاح الجماعات الأقلّوية في نيْل حقوقها، مرتبط باستظلالها بالمشروع الغربي. وحصل ذلك أيضاً في سوريا، حيث سارع الأميركيون إلى استغلال التضعضع السوري لوضع اليد على المشروع الكردي، وتخييره بين السير مع أميركا أو تركه فريسة للنير التركي أو قمع دمشق. وبهذا، يمكن القول إن أكراد سوريا باتوا قاب قوسين من تحقيق حلمهم المستقلّ، برعاية ودعم أميركيَّيْن.
وبما أن البعد الكردي من مشكلات الأقليات في الشرق الأوسط، كان الأكثر بروزاً في العقود الأخيرة، فقد تقدّم وضع الأكراد في إيران الواجهة، مع بدء الحرب الاستعمارية على هذا البلد. ومع أن تركيا واحدة من الدول الأكثر تأثّراً بالكفاحات المسلّحة الكردية، سواء في داخلها، أو في العراق وسوريا، فإن التطوّرات في الجمهورية الإسلامية تفتح على البعد الكردي في الأولى، وتأثيراته عليها، علماً أن رئيسها، رجب طيب إردوغان، يرى أن إنجازه الأكبر سيكون «خلوّ بلاده من الإرهاب»، ويقصد هنا «حزب العمال الكردستاني»؛ وهو يفسّر قرار «حزب العمال»، بدعوة من زعيمه عبدالله أوجالان، حلّ نفسه وتسليم سلاحه، على أنه يشمل كلّ التنظيمات المتفرّعة عن الحزب أو التي يدعمها.
هل تقوّض الأزمة الإيرانية – الإسرائيلية فرصة تركيا لتحقيق السلام مع أكرادها؟
ومن بين تلك الامتدادات، الفرع الإيراني، أي «حزب الحياة الحرّة الكردستاني» (PJAK)، علماً أن قادة هذا الأخير، كما القادة الأكراد في سوريا، اعتبروا أنهم غير معنيين بنداء أوجالان. ولا يخفي مسؤولو «بيجاك» أنهم سيواصلون المعركة ضدّ طهران؛ إذ تقول الرئيسة المشاركة للحزب في إيران، بيمان فيان، في حوار مع صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا» المؤيّدة لـ»الكردستاني»، إنه «في حال واصلت إيران رفض المطالب الكردية، فإن الحزب سيواصل هجماته على القوات الإيرانية». وتضيف: «الأكراد في إيران هم الأكثر تنظيماً من بين الأقليات الأخرى في البلاد.
ومهما كانت الظروف، فإن الشعب الكردي هناك سيواصل المعركة. ونملك القوّة اللازمة لذلك». ووفقاً لفيان، فإن «ما حدث سابقاً في العراق وليبيا وسوريا، يحدث الآن بطريقة أو بأخرى في إيران. لقد قُطعت أذرع إيران في الخارج، والآن تُقطع أذرعها في الداخل بقتل قياديّيها وإداريّيها». لكنها مع ذلك تحذّر من أنه «في حال انهيار النظام، فإن الفوضى ستعمّ المنطقة وربما العالم. لذا، يجب التعاطي بكثير من الدقّة والحذر تجاه ما يجري»، مكرّرة القول إن «الأكراد في إيران ليسوا انفصاليين، لكنهم يريدون حقوقهم ومستعدّون للتباحث في إدارة مشتركة لمناطقهم».
وربّما يأمل أكراد إيران، وعددهم لا يقل عن 7 إلى 8 ملايين نسمة، في أن يتكرّر السيناريوان العراقي والسوري في بلدهم، عسى أن يُفتَح الباب أمام مشروع استقلال «كردستان إيران». ولم تتردّد صحيفة «يني ياشام» الكردية الموالية لـ»حزب العمال الكردستاني»، في القول إن «مستقبل الشعوب المضطهدة، ومنها الشعب الكردي، لا يكمن لا في مشروع الاحتلال الإسرائيلي ولا في مشروع التوسّع الإيراني».
وإذ يدرك الأكراد الإيرانيون جيّداً أن هذا ليس ممكناً من دون مساعدة جدّية من القوى الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، فإن السؤال الملحّ هو ما إذا كانت تركيا التي اكتوت من المشكلة الكردية فيها، على استعداد لمعارضة الأميركيين في المنطقة في ما يتعلق بالمشكلة الكردية في إيران؟ الجواب غير واضح تماماً. فتركيا معنيّة بمقارعة النفوذ الإيراني، وهو ما ظهر جليّاً في الصراع على سوريا، وفي اتّخاذ موقف لا يزعج الولايات المتحدة من العدوان الحالي على الجمهورية الإسلامية. لكنّ الأكيد أن أنقرة غير معنية بنشوء انفصالية كردية جديدة في المنطقة.
ويقول مراد يتكين إن أنقرة لا ترغب في انهيار مشروع الحلّ مع الأكراد، الذي وصل إلى مرحلة حساسة، لكن إسرائيل، يضيف: «لا تريد لهذا المشروع أن يبصر النور في تركيا، كما أنها تريد أن تنفجر القضيّة الكردية في إيران». ويذكّر يتكين بأن «حزب العمال الكردستاني» أعلن جهاراً أن فروعه في سوريا وإيران لن تلقي سلاحها، كما لن يلقي الحزب سلاحه ضدّ تركيا قبل أن يحصل الأكراد فيها على ضمانات سياسية وقانونية.